وداعاً أيتها العدالة !
لا أحداً بالكون، عاقل كان أو مجنون يستطيع قبول فكرة وجود دولة أو حكم سياسي في أي مكان بالعالم، بلا جهاز قضائي عادل، يكون هدفه الأساسي حماية الشعب وضمان حقوق أبناءه، والعمل على نصرة المظلوم ومعاقبة المجرم ….
فالقضاء أذن هو ميزاناً للحق، وأن كان من وظائفه حل النزاعات الشخصية بين أفراد المجتمع فهو أيضاً له التأثير الفعال والجوهري على النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للدولة، ولكن حركة الإخوان المسلمين ، في مصر لا يريدونه قضاء مستقل وعادل وإنما قضاء تابع يتناسب مع أهوائهم حتى يتحقق هدفهم الشامل في أطار رحلة التمكين الطويلة ،والسيطرة على كافة مناحي الحياة ، ولذلك راحوا يتهموا القضاء الحالي بالفساد
هذا القضاء الذي لولاه ما نجحوا في انتخابات مجلس الشعب للعام 2005 م ، هذا القضاء الذي مكن مرسي وحركة الإخوان المسلمين من اعتلاء كرسي الحكم في مصر عبر انتخابات نزيهة ! هذا القضاء الذي وفر للإخوان المسلمين العدالة والديمقراطية في عهد النظام السابق حين وقف صلباً وهو يبرئ ساحتهم ويؤيد بأحكامه حقهم في العدالة وممارسة الديمقراطية !
فمطالبة الإخوان اليوم بتطهير القضاء من الفساد الذي يدعون ، لا يعد إلا كذبة كبيرة يريدون من خلالها استبداله لاحقاً وفي إطار حركة تصحيح جاهلة وبلهاء ، بعناصر أخرى موالية لفكر الإخوان الظلامي ، فكر الديمقراطية والحرية لمرة واحدة !
ان جماعة الإخوان تتعامل مع القضاء الحالي ، ليس كعمود أساسي من أعمدة الدولة بل وكأنه حزب سياسي معارض لسياستهم ويجب التخلص منه حتى لو كان هذا مخالفاً للدستور وللقانون ! نسوا أو تناسوا جماعة الإخوان عراقة هذا القضاء واستقلاليته على مر التاريخ المصري المعاصر ، ويريدون تلويثه بعناصر من جبهتم لا تؤمن ، لا بالديمقراطية ولا بالحرية وإلحاقه فيما بعد بالسلطة التنفيذية وربما في مرحلة متقدمة أيضاً إلحاقه بالمرشد العام ذاته !
وبمقارنة بسيطة بين نظام مبارك المنتهي ونظام الإخوان الحالي سنلاحظ اتفاقهم على تخريب مؤسسات الدولة ! فزمن مبارك كان الهدف الذي عمل من أجله النظام طوال سنوات حكمه ، نشر الرشوة داخل مؤسسات الدولة ، وبث روح الفوضى بغرض تخريب الجهاز التنفيذي لإخضاعه لاحقاً للسيطرة الكاملة ، وزمن مرسي لا يختلف كثيراً عن زمن مبارك ، فهو يريد تخريب القضاء وتعيين قضاه تابعين أو مؤيدين للإخوان لضمان الولاء الكامل وبالتالي خلق قوانين وإجراءات من شأنها تحصين قرارات الحكم وأقفال العديد من قضايا القتل والتي لم يعرف فيها الجناة أو حتى بدأ التحقيق فيها !
نعم أن هذا لتخريب واضح للقضاء المصري العريق والذي ناضل طويلاً من أجل استقلاله ، ومن يقرأ تاريخ القضاء الحافل بالانجازات ، سيوقن انه القضاء الذي وقف على مسافة واحدة بين حركة الإخوان المسلمين وقوى المعارضة بشكل عام ، وجميع الأنظمة التي حكمت مصر ، بدليل ان جميع القضايا التي اتهم فيها الإخوان المسلمين ، كانت تنظر أمام ساحة القضاء العسكري لأنه قضاء غير مستقل ويتبع بالكامل للنظام الحاكم!
ومن هنا فأن أمام القضاء المصري تحديات صعبة والحال على هذا النحو فالعمل على فرض أيدلوجية وأجندة سياسية تقيد حركته من قبل الإخوان سيدخل البلاد في أزمة قضائية لا يعلم عواقبها إلا الخالق ! قال تعالى: ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) سورة الحديد (آية25).