هذا الحريق المذهبي من سوريا ولبنان إلى العراق *

رغم أنه نقل عن مصدر لم يسمه بأن عدد المقاتلين الأجانب في صفوف المعارضة قد بلغ 40 ألفا، هو الذي سبق أن قال قبل شهرين فقط، إنهم 2000، مقابل مئة ألف من السوريين، إلا أن الأخضر الإبراهيمي لم يستثن هذه المرة من يقاتلون إلى جانب النظام السوري، حيث قال بالنص إن “أجانب يقاتلون إلى جانب الحكومة في سوريا، وهو ما أكده الأمين العام لحزب الله ومتحدثون رسميون في إيران”، مشيرا إلى تقديرات بأن “لحزب الله آلاف المقاتلين في سوريا، إضافة إلى مستشارين يساعدون النظام في إدارة ميليشيا اسمها جيش الشعب تعمل للدعم أو التعويض عن عصابات الشبيحة”.

بعيدا عن الأرقام، فالجنازات الصامتة لم تعد سرا من الأسرار في لبنان، إذ إنها تتوالى وسط همس يرتفع في أوساط بعض الشيعة أنفسهم يتساءل عن المسار الذي يجرُّ حزب الله الشيعة ولبنان إليه، لاسيما بعد أن ارتفع صوت قادته معلنا أن القتلى هم شهداء لبنان وليس الطائفة فقط، كما في حديث نبيل قاووق، أحد مسؤولي الحزب، الذي أضاف أن “ما يقوم به حزب الله ازاء هذه القضية هو واجب وطني وأخلاقي في حماية اللبنانيين في القرى الحدودية”!!

والحال أن تورط الحزب في القتال في سوريا ليس جديدا، وهو يسعى إلى التغطية على نفسه بحكاية حماية الشيعة اللبنانيين في القرى الحدودية، لكن الحزب اليوم بات يقاتل في دمشق، كما يؤكد حديث الإبراهيمي وكثير من المصادر الأخرى، وبالطبع بعد أن قررت إيران الزج بكل قوتها خلف النظام للحيلولة دون اجتياح الثوار لدمشق، وما بعض التقدم الذي أحرزه جيش النظام مؤخرا إلا نتاج هذا الإسناد الكبير.

ولما كانت إيران عاجزة عن تقديم المقاتلين خشية تأثير ذلك على وضعها الداخلي قبل الانتخابات الرئاسية، بينما تكتفي بتقديم الخبراء والسلاح والمال (لولا مالها لانهار النظام اقتصاديا منذ نهاية العام الماضي، هو الذي لا زال يدفع بانتظام رواتب موظفيه وعسكره، مضافا إليهم جحافل الشبيحة)، ولما كان الأمر كذلك، فقد أوكلت مهمة القتال المباشر إلى عناصر من حزب الله، وبعض المليشيات العراقية، لكن مقاتلي الحزب يتصدرون الموقف نظرا لخبرتهم القتالية.

اليوم يأتي الرد من بيروت على لسان الشيخ أحمد الأسير، وهو رجل مستقل يجمع من حوله بعض الشبان في صيدا وجوارها، حيث أعلن عن تأسيس كتائب المقاومة الحرة، التي ستكون مهمتها نصرة السوريين بعد تورط حزب الله، ويبدو أن الأمر سيأخذ مداه، ولولا أن الرجل قد وجد من يوفر له المال والسلاح، لما أعلن عن خطوته الجديدة، ومن المؤكد أن هناك من المقتدرين السنة في الداخل والخارج من سيدفع له، ومن سيوفر له السلاح.

المشكلة أن الأمر قد يتجاوز سوريا إلى لبنان قريبا، لاسيما أن الحزب قد يرد على الشيخ الأسير بطريقته (قد يغتالونه بطبيعة الحال)، بخاصة أننا نتحدث عن حشد مذهبي غير مسبوق في الساحة اللبنانية وعموم المنطقة، بينما يعزل الشارع أية قوى سنية تقترب من الحزب بأي قدر كان، فيما يعلم الجميع أن قبول الحزب بتمام سلام رئيسا للحكومة، إنما كان بهدف التفرغ للساحة السورية (الإستراتيجية)، وهو ما قبلته إيران، فيما كان العرب الداعمون للحكومة في مزاج تفرغ لملاحقة الإخوان المسلمين كما يبدو .

وسط هذا الحشد الرهيب، جاءت مجزرة الحويجة في العراق، حيث هاجمت قوات المالكي المعتصمين هناك وقتلت العشرات منهم، وجرحت المئات، الأمر الذي ينذر بإخراج الاعتصام السلمي عن مساره نحو حمل السلاح، وهو ما سيعيد العراق إلى أسوأ حالاته (هل غادرها أصلا؟!).

سيكون من السهل على شبيحة بشار بمختلف تنويعاتهم الطائفية والفكرية أن يتهموا من يشاؤون بهذه التطورات الخطيرة، ويحيلوا الأمر إلى مؤامرات كونية وعربية ونفطية ووهابية وإخوانية، وحتى صهيونية، وكل ذلك من أجل أن يتجنبوا إدانة المجرم الذي واجه شعبا يطالب بحريته بالرصاص الحي، وصولا إلى الصواريخ والبراميل المتفجرة، ومن ورائه مجرمون وقفوا خلفه لأسباب أكثرها طائفي لا صلة لها بالمقاومة ولا بالممانعة.

ليس ثمة عاقل يسعده هذا الحريق الذي يشتعل في المنطقة، ولا يخدم غير أعداء الأمة، ولكن ما الحيلة إذا كانت إيران لا تريد الرشد، وتصر على مشروع تمدد ترفضه موازين القوى ومنطق التاريخ والجغرافيا والسياسة، في ذات الوقت الذي تصر على دعم جزار يقتل شعبه؟!

إذا لم تبادر إيران إلى وقفة مع النفس، فستكون الخاسرة، وستجرُّ الشيعة العرب إلى خسارة أكبر. وإذا كانت الأمة ستخسر في هذه المعركة أيضا، فهي تخوضها مضطرة لا راغبة، بينما تخوضها إيران بروحية الغطرسة، ويركض خلفها غالبية الشيعة العرب، رغم أنها معركة تضر بعلاقتهم مع إخوتهم الآخرين في المنطقة؛ رغم أن ربيع العرب كان يبشر الجميع بزمن تسود فيه العدالة والمساواة بين الناس، بصرف النظر عن انتمائهم العرقي والطائفي.