دستورية رفض الملك لاعلان بطلان قانون التقاعد المؤقت؟؟!!

جراءة نيوز-اخبار الاردن-خاص-كتب الدكتور اشرف سمحان:

 في أولى الخطوات التي قام بها منذ تشكيله، اصدر مجلس النواب الحالي قراراً بسؤال المحكمة الدستورية حول مدى دستورية خطوات قامت بها الحكومة أدت إلى حرمان أعضاء البرلمان من رواتب تقاعدية أبدية، حيث اقترح النائب عبد الكريم الدغمي سؤال المحكمة الدستورية بشأن أمرين، أحدهما متعلق بالخطوة التي أوقفت على خلفيتها الرواتب التقاعدية الأبدية، حيث يرى أن تطبيق المادة (93) من الدستور لم يتم بصورة صحيحة دستورياً.

واذا كان لنا ان نبدي الرأي في هذه المسألة فيمكننا ان نستعرضه في اقسام ثلاثة على النحو التالي: اولاً: في الرد على القائلين بدستورية رفض جلالة الملك الموافقة على اعلان بطلان القانون المؤقت: وننطلق في ردنا على تلك الآراء بالقول بما يلي: (1) في طبيعة سلطة الملك في ابداء موقفه من اعلان مجلس الوزراء بطلان القانون المؤقت قبولاً او رفضاً: وفي ذلك نؤكد على المعطيات التالية: أ‌) ابتداء يمكننا ان نؤكد على ان سلطة الملك في ابداء موقفه من اعلان مجلس الوزراء بطلان القانون المؤقت قبولاً او رفضاً ليست سلطة مطلقة ولا حتى تقديرية وانما لا تعدو ان تكون مجرد سلطة مقيدة، مما يعني عدم تصور رفضه الموافقة على اعلان البطلان

وللتدليل على صحة هذا الرأي نسوق الاسانيد والحجج التالية: 1. بدليل قانوني مستمد من حقيقة ان المجلس ذي الاختصاص الاصيل بالتشريع هو مجلس الامة لا مجلس الوزراء وانما جاءت المادة (94) لتقرر رقابة مجلس الامة على القوانين المؤقتة حالما تسترد سلطتها الاصيلة بالتشريع عند انعقاد ذلك المجلس، فكيف نوافق اذن على اجتماع مجلس الامة لممارسة مثل هذا الدور الرقابي الذي اناطه الدستور به ويقول كلمته فيه بالرد وتكون هنالك من جهة بعده –وبعد كل ذلك- تقرر فيما اذا كانت هنالك قيمة لقول مجلس الامة -صاحب الاختصاص الاصيل بالتشريع- في القانون المؤقت الذي صدر في غيابه، بحيث تستطيع تلك الجهة ومن ناحية فعلية او واقعية تعطيل دور مجلس الامة ذلك ليصبح دوره الرقابي في المحصلة لغواً لا جدوىً فيه تنتظر ولا طائل منه يُرجى.

فهل يا ترى يمكن ان يكون مشرعنا الدستوري المهيب قصد كل ذلك عند وضعه لنصوص الدستور؟ وهل يمكن ان يكون هذا ما انتهى اليه التقاء ارادة الامة بارادة الملك في ذلك الوقت؟ 2. ودليل آخر لغوي مستمد من عبارة "وجب عليه ان يعلن بطلان نفاذها فوراً" الوارد في صلب المادة (94) من الدستور، مما يعني اننا امام نص آمر لا تملك اية جهة مخالفته او تجاوزه، وينفي بالتالي وجود اية سلطة تقديرية في رفض الموافقة على اعلان بطلان القانون.

وذلك باعتبار ان صيغة الالزام في المادة (94) من الدستور بان يتم اعلان البطلان فوراً لم يخاطب بها مجلس الوزراء فحسب –كما يظهر لاول وهلة على قراءة نص المادة تلك- وانما خوطبت بها الذات الملكية ايضاً، باعتبارها تكوّن مع مجلس الوزراء السلطة التنفيذية التي خاطبها النص الدستوري كوحدة واحدة. 3. ودليل ثالث منطقي مستمد من الحكمة التي جاء النص الدستوري بصلاحية الملك لتحقيقها وتتمثل في ان شرط موافقة الملك على اعلان بطلان نفاذ القانون انما جاءت لاضفاء نوع من الرقابة على تحديد وقت اعلان البطلان لا على مبدأ اعلان البطلان ذاته من حيث الاصل.

وللتدليل على صحة قولنا هذا نقول بأن القوانين المؤقتة انما تصدر ابتداء بموافقة الملك مما يتيح له فرصة القرابة عليها، فلماذا وبعد ردها من قبل مجلس النواب ان يعود ليمارس ذات الرقابة تلك عليها مرة اخرى؟ هذا في حال كان رفض المجلس لها بالكلية دون تعديل. ب) وبالتناوب مع ما سبق، يمكننا التأكيد كذلك على انه وحتى بالفرض الساقط بتصور رفض الملك الموافقة على اعلان بطلان القانون المؤقت فان مثل ذلك الرفض لا يمكن بحال ان يكون مطلقاً وانما توقيفي فحسب. بمعنى ان مثل هذه الصلاحية ترتبط فقط بمجرد تحديد توقيت اعلان البطلان لا غير.

ودليلنا الى هذا الحكم نصل اليه بالقياس من باب اولى على رد الملك القوانين التي تأتيه مقرةً من مجلس الامة، حيث ان رفضه التصديق عليها لا يمكن بحال ان يكون مطلقاً وانما مجرد رفض توقيفي، بمعنى انه يتوجب في هذه الحالة عند رفض الملك الموافقة على اعلان مجلس الوزراء بطلان القانون المؤقت تتوجب اعادته الى مجلس الامة مشفوعاً باسباب الرفض لانها ستكون في هذه الحالة بمركز القوانين المجازة من مجلس الامة على الاكثر (في افضل الاحوال) ولا يمكن بحال ان تكون القوانين المؤقتة بمركز افضل من القوانين العادية.

وحديثنا هنا يتصور فقط في الفرض المتضمن حالة ما اذا كان رد مجلس الامة للقانون المؤقت مشفوعاً باستبداله بقانون اخر ففي حدود هذه الحالة فقط تنطبق المادة (93) من الدستور لا على اعلان بطلان القانون المؤقت وانما على اقرار القانون البديل له. والقول بخلاف ما سبق يصل بنا الى نتائج مفعمة بالتناقضة وعدم الاتساق، ذلك ان ترك الصلاحية لرفض اعلان بطلان القانون المؤقت والتوسع بها بالكيفية التي ينادي البعض بها يهدر في محصلة الامر ومن ناحية فعلية او واقعية اية قيمة تذكر لرقابة مجلس الامة على القوانين المؤقتة والتي قررتها واكدت عليها المادة (94) من الدستور بصريح النص، وان ابسط قواعد التفسير توجب الا يصل بنا تفسير نص ما الى التناقض مع النتائج المباشرة التي تمليها النصوص الاخرى التي تشكل في مجموعها جسماً واحداً هو النظام القانوني والدستوري للدولة.

وعليه، فكيف يستقيم احترام النص الدستوري (القاضي بالاعلان الفوري لبطلان نفاذ القانون المؤقت) كيف يستقيم مع بقاء مصير القانون المؤقت الذي رفض من مجلس النواب معلقاً طيلة ستة اشهر او اكثر على رفضه من لدنه. وفي رأينا انه تتوجب التفرقة ابتداء بين ما اذا كان رد مجلس الامة للقانون المؤقت مجرداً من اي استبدال للقانون المرفوض بقانون اخر او تعديل لبعض نصوصه فان موافقه الملك على اعلان البطلان تكون توقيفية وليست مطلقة بمعنى ان الموافقة تقتصر على تحديد وقت اعلان بطلان القانون المؤقت اما اذا اتبع رد القانون المؤقت او رفضه باستبداله بقانون اخر ففي هذه الحالة فقط تنطبق المادة (93) من الدستور لا على اعلان بطلان القانون المؤقت وانما على اقرار القانون البيدل له.

وفي هذه الحالة بالذات يحق التساؤل عن مدة الاشهر الستة التي يتوجب ابداء الارادة الملكية خلالها في مصير القانون تصديقاً او رفضاً اما اذا اقتصر اعلان البطلان على القانون المؤقت فقط دون استبداله باقرار قانون اخر محله فان نص المادة (94) هو الواجب انطباقه في هذه الحالة والذي يوجب اعلان بطلانه بشكل فوري احتراماً للنص الدستوري الذي يقضي بوجوب ذلك وانصياعاً لارادة المشرع الدستوري بهذا الخصوص. (2) في التوقيت المتوجب اعلان جلالة الملك به عن موقفه من بطلان القانون المؤقت موافقةً او رفضاً: وفي ذلك نرى انه يتوجب ان يتم البحث عن موافقة الملك على بطلان القانون المؤقت قبل اعلان مجلس الوزراء عن بطلانه لا بعد ذلك، وعليه فلا نؤيد من ذهب اليه البعض من انه وفي حال رفض مجلس الأمة القانون المؤقت أو لم يقره خلال المدة الدستورية المحددة لذلك، فقد رتب المشرع الدستوري على ذلك وجوب اعلان الحكومة بطلان القانون المؤقت فوراً.

ومن ثم يخضع مثل هذا الاعلان لموافقة الملك عليه. ويرتب هذا الرأي على ذلك استغرابه من أن تقرر الحكومة بطلان القانون المؤقت ومن ثم يأتي الملك ويرفض الموافقة عليه. ومع كامل احترامنا للراي السابق الا اننا لا نؤيده البتة، ذلك ان النص الدستوري جاء في رأينا واضحاً جداً في القول بوجوب الحصول على الارادة الملكية قبل اعلان بطلان نفاذ القانون المؤقت، فكيف نعود للقول بأن موافقة الملك على اعلان مجلس الوزراء بطلان نفاذ القانون المؤقت هي موافقة لاحقة لا سابقة؟ ان حرف الباء في التعبير "بموافقة الملك" تفيد الترتيب على التعقيب، اي وجوب موافقة الملك كشرط اجرائي مسبق قبل اعلان مجلس الوزراء بطلان نفاذ القانون المؤقت.

الامر الذي يترتب عليه ان عبارتا "وجب" و"فوراً" لم يخاطب بهما مجلس الوزراء فحسب وانما خوطبت به الذات الملكية ايضاً، باعتباره يكون مع مجلس الوزراء السلطة التنفيذية التي خاطبها النص الدستوري جملة واحدة.

ومما يؤيد تفسيرنا للتعبير السابق حجة او سند منطقي يتمثل فيما اورده المشرع الدستوري بذات المادة (94) من الدستور، حيث قررت صراحةً زوال جميع ما كان للقانون المؤقت من مفاعيلَ وآثار بمجرد اعلان بطلان القانون المؤقت، فكيف تزول مثل هذه الاثار والمفاعيل بمجرد اعلان مجلس الوزراء بطلان القانون المؤقت ومن ثم نسأل عن موافقة جلالة الملك على قرار مجلس الوزراء باعلان بطلانه؟

وما الحل اذا رفض كما حصل بالنسبة للقانون المؤقت الاخير؟ الصحيح في رأينا هو وجوب الحصول على موافقة الملك على اعلان بطلان القانون المؤقت، وهي موافقة اجرائية القصد منها تحديد توقيت اعلان البطلان لا موافقة موضوعية يمكن ان ينتظر او يتوقع ازاءها رفض جلالة الملك منح تلك الموافقة. ومثل هذا التفسير هو في رأينا الاصح والاكثر مراعاة لاعتبارات المواءمة الدستورية والمواءمة العقلية والمنطقية ايضاً والاكثر اتساقاً مع حسن التطبيق السليم والقويم لاحكام الدستور والاكثر موافقة وحكمة التشريع الدستوري المتأتية من ظاهر النص والاسباب الداعية الى وضعه.

وعليه، فيخطئ من يقول بان القانون المؤقت يرجع الى حيز الوجود (القانوني او الدستوري) بمجرد رفض الملك اعلان بطلانه، والصحيح ان القانون المؤقت لا ينتهي اصلاً الا باعلان بطلان نفاذه من قبل مجلس الوزراء وبعد موافقة الملك. حيث تبقى مفاعيله قائمة الى ذلك الوقت بدليل تأكيد الدستور صراحة في عجز المادة (94/1) من الدستور على انه [... ومن تاريخ ذلك الاعلان يزول ما كان لها من قوة القانون ...]. والقول بخلاف ذلك يوقعنا بلا شك بأزمة التناقض التي على من يتصدى للنص القانوني بالتفسير تجنبه كمحذور رئيسي يتوجب عليه ان يستهدف عدم الوقوع فيه.

اما حديث البعض عن انطباق المادة (93) من الدستور –والخاصة بالقوانين العادية او الدائمية- في حالة القوانين المؤقتة فلا نجد له قبولاً البتة، سيما في ظل وجود نص صريح هو المادة (94) التي توجب وبصراحة تامة الاعلان الفوري لبطلان القانون المؤقت بمجرد رفض منجلس النواب له، ولا يمكن بالتالي ان تجد المادة (93) مجالاً لانطباقها الا في حالة واحدة هي الحالة التي يكون فيها رد مجلس الامة للقانون المؤقت مشفوعاً باستبداله بقانون اخر ففي حدود هذه الحالة فقط تنطبق المادة (93) من الدستور لا على اعلان بطلان القانون المؤقت وانما على اقرار القانون البديل له وفي هذه الحالة بالذات يحق التساؤل عن مدة الاشهر الستة التي يتوجب ابداء الارادة الملكية خلالها في مصير القانون تصديقاً او رفضاً اما اذا اقتصر اعلان البطلان على القانون المؤقت فقط دون استبداله باقرار قانون اخر محله فان نص المادة (94) هو الواجب انطباقه في هذه الحالة والذي يوجب اعلان بطلانه بشكل فوري احتراماً للنص الدستوري الذي يقضي بوجوب ذلك وانصياعاً لارادة المشرع الدستوري بهذا الخصوص.

ثانياً: الحل في رأينا لمواجهة الطعون المحتملة للسادة النواب على القانون المؤقت الذي حرمهم من التقاعد الابدي والذي اعيد الى الوجود برفض جلالة الملك اعلان بطلانه: وفي ذلك نقول بانه اذا كان الاصل في القانون العام المجرد ان تضعه سلطة بعيدة عن الهوى والمصلحة فإن ضمان ذلك لا يمكن ان يتأتى بالصورة المرادة ولا بالهيئة المرجوة في الحالات التي توضع فيها تشريعات تنظم عمل وتقرر حقوق السلطة التشريعية ذاتها (كما هو الحال في القانون موضوع بحثنا هذا)، الامر الذي يوجب ان تكون السلطة التشريعية –التي يفترض بها مراقبة السلطة التنفيذية- هي ذاتها محلاً للرقابة من جهة ثالثة، الامر الذي يقتضي بالتالي تفعيل رقابة الملك على القوانين البرلمانية او ما تسمى في بعض الدول (كفرنسا) بالقوانين الاساسية (الناظمة لعمل وحقوق وامتيازات اعضاء السلطة التشريعية) وذلك على اساس من القول بأن الوظيفة والمهمة الاسمى لجلالته تتمثل في انه الحَكَم العَدْل فيما بين سلطات الدولة الثلاثة عند الاختصام، وهو العضو الاسمى الذي يوازن فيما بين هذه السلطات عند الاختلاف.

ومن الممكن ان نتحسس الوسائل الدستورية للنفاذ الى تفعيل سلطة جلالة الملك في الرقابة على القوانين البرلمانية (الاساسية) من خلال القول بما يلي: 1. تفسير سلطة الملك بالموافقة على اعلان بطلان القانون المؤقت من عدمه في حالة التشريعات البرلمانية (الاساسية) المؤقتة على ان المقصود بها الموافقة او الرفض المطلقين لا المقيدين. 2. اعتبار سلطة الملك بالموافقة على التشريعات البرلمانية (الاساسية) الدائمية من عدمها على انها موافقة او رفض مطلقين لا توقيفيين، وذلك باعتبارها تشريعات وان كانت من مرتبة القانون من حيث الشكل الا ان ما تنظمه هي قواعد دستورية في حقيقة موضوعها.

وهو ما يستدعي ان يحذو المشرع الدستوري في الاردن حذو بعض الدساتير المقارنة ويتناول الدستور بالتعديل لاعتبار التشريعات الناظمة لعمل البرلمان من قبيل القوانين الاساسية اي التي تكتسب (بالاضافة الى سموها الموضوعي) سمواً شكلياً خاصاً يميزها عن غيرها من قواعد القانون العادي يمنع بالتالي من تناول السلطة التشريعية لها بالتعديل بالسهولة التي تعدل بها غيرها من القوانين، ويضمن بالتالي عدم اساءة السلطة التشريعية في ممارستها لسلطتها وانحرافها بها في مجالٍ يغريها على ذلك يتمثل في التشريعات التي تقرر حقوق وامتيازات او سلطات اعضاء مجلس الامة، وهو ما نأمن من خلاله من مظنة او خطر الميل او النزوع نحو اساءة استعمال تلك السلطة أو الانحراف بها؟

ثالثاً: في الاشكالات التي تواجه الطعن بعدم دستورية رفض جلالة الملك الموافقة على اعلان مجلس الوزراء بطلان نفاذ القانون المؤقت: وتتمثل فيما يلي: أ. ان الطعن لا يجوز ان ينصب على الارادة الملكية بحد ذانها وانما يمكن –في رأينا- ان يتخذ من قانون التقاعد المؤقت (الذي اعيد العمل به برفض الموافقة على اعلان بطلانه) محلاً له: ذلك أن مسألة مدى دستورية رفض جلالة الملك اعلان مجلس الوزراء بطلان القانون المؤقت المعني لا تدخل ضمن اختصاص المحكمة الدستورية ولا يخضع لرقابتها، لانه ليس قانوناً وانما هو "مجرد ممارسة لحق دستوري في تعبير جلالته عن ارادته"، فأين المخالفة الموضوعية بين النصين المعنيين: النص التشريعي المعني والنص الدستوري؟ واضافة الى دور المحكمة الدستورية كجهة تفسيرية لبعض نصوص الدستور فإنه

وفي هذه الحدود فقط يمكن للمحكمة الدستورية ممارسة اختصاصاتها ودورها في الرقابة على دستورية القوانين اي باختصاص مقيد في ذلك النطاق فقط لا اختصاصاً عاماً في الرقابة على كفالة او ضمان احترام جميع هيئات الدولة وسلطاتها لنصوص الدستور. وعليه، فيكون ما اثاره البعض من دستورية الارادة الملكية برفض اعلان بطلان القانون المؤقت خلطوا فيه بين القانون المؤقت ذاته وبين التعديلات التي اقرت عوضاً عنه، فاذا كان يصح الاستناد الى المادة (93) من الدستور في مجال التعديلات التي اجريت عوضاً عن القانون المؤقت باعتبارها تشريعات عادية تخضع لتصديق جلالة الملك وفقاً للمادة (93) المذكورة فان القانون المؤقت نفسه وموقف محلس النواب منه بالرد لا يخضع لتصديق جلالة الملك وفقاً للمادة (93) المذكورة وانما وفقاً للتنظيم الخاص الذي افرده المشرع التأسيسي لها في المادة (94) من الدستور باعتبارها قوانين مؤقتة لا دائمية، ومثل هذا التنظيم الخاص يمتاز بخصائص ذاتية تفرده وتميزه عن "التصديق العادي" وفقاً للمادة (93) من الدستور.

ب. كما ان صعوبة اخرى تواجه الطعن بعدم الدستورية في هذا المجال تتمثل في عدم شمول محل الطعن لعدم صحة اجراءات اصداره وعدم موافقتها للدستور: ذلك ان النصوص الناظمة لعمل واختصاص المحكمه الدستوريه لدينا في الاردن لا تسعف على الارجح للطعن بهذا الخصوص لانها تشترط استعراض النصوص التشريعية المتعارضة فيما بين القانون او النظام من الجهه وبين الدستور من الجهه اخرى والمقابله في ما بينها مما يعني ان الرقابه على الدستوريه القوانين لدينا في الاردن هي الرقابه ذات الطبيعه موضعيه لا اجرائيه اي ان اختصاص محكمة دستوريه ينحصر بالرقابه على مدى موافقة النصوص القوانين او الانظمه مع النصوص الدستور دون الرقابه على صحة اجراءات بين هذه القوانين او الانظمه ابتداء.

ج. وكذلك فان صعوبة ثالثة تواجه الطعن الدستوري على القانون السابق تتمثل في أن النواب والاعيان السابقين لا يمكنهم بحال ان يطعنوا لدى المحكمة الدستورية بصفاتهم تلك: ذلك ان الدستور يحصر الصفة في الطعن امام المحكمة الدستورية بكل من مجلس النواب ومجلس الاعيان ومجلس الوزراء ومحكمة التمييز، مما يعني ان النص كان واضحاً في الدلالة على ان المقصود بصفة الطعن امام المحكمة الدستورية هما مجلسا النواب والاعيان ككيانين ذاتيين اي كوحدة واحدة لا اعضاؤهما من نواب واعيان، مما يعني وجوب تعبير اي من هذين المجلسين عن ارادته بقرار يصدر عنه وينسب اليه كمجلس واحد موحد لا كأعضاء، عوضاً عن ان صفاتهم كاعضاء في مجلس النواب انتهت اصلاً بحل المجلس الاخير.

الامر الذي يستدعي البحث عن طريق آخر للطعن امام المحكمة الدستورية اما من خلال محكمة التمييز بالاحالة وهو ما يستدعي رفع دعوى يطعن بعدم الدستورية في معرضها (وهو الامر الوحيد المتاح رغم ما تعترضه من عقبات فحص الجدية واستئهال الطعن على درجتين كما نعلم)، او من خلال مجلس الوزراء وهو الامر المستبعد بطبيعة الحال.

نخلص مما سبق، ان المشرع الدستوري افرد في المادة (94) من الدستور تنظيماً خاصاً برفض القوانين المؤقتة لا علاقة له بالتنظيم الخاص برد القوانين العادية او الدائمة في المادة (93) منه، مما يجعل من الخطأ الخلط فيما بين البنيانين الدستوريين، تبعاً لأن المشرع الدستوري افرد لكل منها معالجة خاصة لها ذاتيتها المستقلة والمتمايزة عن الاخرى، مما لا يصح معه حتى القياس في الحكم بين الحالتين، لا لوجود النص الناظم للحكم في كل منهما فقط، وانما كذلك لان اي قياس فيما بينهما هو بكل تأكيد قياس فاسد، لاختلاف العلة في كل من المسألتين الدستوريتين، وهو ما يتضح من جلاء السبب في افراد التنظيم الخاص بالقوانين المؤقتة في المادة (94) باعتبارها استثناء من الاصل، اي باعتبار الصلاحية في اصدارها استثناء من الاصل الذي يفرد للسلطة التشريعية ممثلة بالبرلمان صلاحية التشريع، وهو ما حذا بالمشرع الدستوري الى فرض ضوابط وقيود عدة لضمان عدم خروج السلطة التنفيذية عن النطاق الذي حدده الدستور لها في اطار القوانين المؤقتة، والتي تبان جلية في عدد من المظاهر التي من بينها ضرورة اعلان القانون المؤقت فوراً بمجرد رده من مجلس الامة (صاحب الاختصاص الاصيل بالتشريع)

وفي اطار ممارسته للرقابة التي افردها او اناطها الدستور به وذلك بعد استرداده صلاحية التشريع. ثم، كيف تكون للملك ذات الصلاحية في مجال القوانين المؤقتة اذا علمنا ان القوانين المؤقتة انما تصدر ابتداء بموافقة الملك مما يتيح له فرصة القرابة عليها

فكيف وبعد ردها من قبل مجلس النواب ان يعود ليمارس ذات الرقابة تلك عليها مرة اخرى؟ اضافةً الى عدم امكانية احتجاج النواب لحقوقهم في التقاعد من خلال فكرة الحقوق المكتسبة التي استثناها نص المادة (94) من نطاق الآثار المترتبة على اعلان بطلان القانون المؤقت، تبعاً لمؤيد ذاتي او موضوعي مضمونه ان القانون المؤقت وعلى الرغم من انه قانون بكل ما في الكلمة من معنى الا ان وجوده يبقى مع ذلك قلقاً وغير مستقر لانه يبقى معلقاً على اجازة مجلس الامة له، وهو ما يقتضي التعامل مع ما تسمى بالحقوق المكتسبة التي يرتبها بحساسية اقل من تلك التي يتم بها التعامل مع المراكز القانونية التي تنشأ وتكتمل في ظل قوانين عادية (دائمية).

ذلك ما كان من أمر اجتهادي في هذه المسألة، ورأيي يبقى صواباً يحتمل الخطأ ورأي غيري يحتمل الصواب، فإن أصبت فمن الله وتوفيقه، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، فعسى أن أكسب باجتهادي هذا الأجرين لا الأجر الواحد، والله من وراء القصد، وشكراً.