"مافيات" تعيد مواد غذائية فاسدة من مكاب النفايات إلى الأسواق!!

جراءة نيوز - اخبار الاردن :

ثلاث ساعات أمضتها لجنة الرقابة الصحية بإحدى بلديات الزرقاء في فحص 1000 كيلو غرام من السمك المجمد، وعندما تبين أنها غير صالحة للاستهلاك البشري بسبب تعفنها، أوصت بإتلافها في مكب النفايات.  

تطلب نقلها إلى المكب وجود آليات وعمال من البلدية ولجنة تشرف على التأكد من إتلافها داخل المكب بسكب كمية وفيرة من مبيض الغسيل (الكلور) على كامل الكمية، وبعد أن انتهت اللجنة من عملها بدأ عمل عصابات الغذاء الفاسد.

سيارة فارهة تقف أمام المكب ويترجل منها شاب ثلاثيني يقوم بالإيعاز لمجموعة ترافقه بتحميل الأسماك التالفة في مركبة شحن متوسطة تمهيدا لإعادة بيعها بسعر أقل في الأسواق أو لبعض مشاغل تصنيع اللحوم المعلبة بعد غسلها بقليل من الماء والملح.

في أمكنة أخرى من المكب تصطف طوابير من مركبات الشحن بانتظار حصتها من المواد الغذائية الفاسدة المتلفة، ليتم بيعها إلى بعض الباعة المتخصصين بالاتجار بالمواد الفاسدة، وبواسطتهم تجد طريقها إلى معدة المواطن.

 قصة انتشال الأسماك من مكب النفايات لبيعها مجددا، لا تقف وحيدة في سياق المتاجرة بالغذاء الفاسد، حيث روى مصدر صحي لـ"الغد" عن اتباع أساليب "جهنمية" في إنتاج وبيع الأغذية الفاسدة، إلى حد دفعت بمشغل ألبان إلى استخدام بعض مواد البناء في إنتاج مشتقات الألبان.

 وتعود قضايا الغذاء الفاسد في الزرقاء إلى عقود ماضية، كان أخطرها الكشف عن استخدام عدد من محال الحلويات والمخابز في المدينة لمادة دهنية، قيل إنها "نباتية غير مكررة"، في تصنيع الخبز والمعجنات والحلويات، كانت تنقل من العراق بواسطة صهاريج مياه عادمة (نضح).

 وأدى الكشف عن استخدام هذه المادة، التي لم يعلن عن تركيبتها الكيمائية ومدى ضررها على صحة المستهلكين حتى الآن، إلى إغلاق هذه المحال لثلاثة أيام فقط، في حين قضت الحكومة العراقية آنذاك على من ثبت تورطه فيها بالإعدام.

 ويقول المصدر الصحي إن بعض مشاغل الألبان والحلويات تتخذ من بيوت قديمة في المناطق الشعبية أو مخازن تجارية مشاغل لمنتجاتها بعيدا عن أعين الرقابة وفي ظروف تخلو من أبسط متطلبات الصحة والسلامة العامة، في حين أن منتجاتها تسوق لحفلات الأعراس والمناسبات بالتعاون مع أصحاب بعض الصالات والمطاعم.

 ويرى مراقبون أن عملية ضبط المواد الغذائية بجميع أنواعها بمثابة "بئر نفط" لتجار الغذاء الفاسد، ومنهم من جمع ثروة طائلة من ورائها، خصوصا أن عملية الإتلاف لا تتم في كثير من الأحيان بصورة صحيحة.

ويقدر مختصون كمية المواد الغذائية الفاسدة التي يتم ضبطها في أسواق المحافظة بأكثر مليوني كيلوغرام، يتم تحويلها بموجب مضبوطات رسمية إلى مكاب النفايات، إلا أنها معظمها يعود إلى الأسواق مجددا. 

أرقام مخيفة دفعت محافظ الزرقاء السابق سامح المجالي إلى إطلاق تحذيرات متكررة من نشاط "مافيا الغذاء" كان آخرها خلال زيارة وزير الداخلية السابق محمد الرعود للمحافظة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي ولقائه أعضاء مجلسيها الاستشاري والتنفيذي ورؤساء بلدياتها ونوابها، بقوله إن من بين ألفي طن من المواد الغذائية الفاسدة التي يتم ضبطها في أسواق المدينة وتحويلها إلى مكب النفايات يتلف منها فقط 60 طنا، فيما تعمل "مافيا" على إعادة الباقي إلى أسواق المدينة وبيعه مجددا.

لكن المصدر الصحي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، يشكك في دقة الرقم قائلا إن "هذا هو قمة جبل الجليد فقط، وما خفي كان أعظم"، مبينا أن العديد من المواد المضبوطة في المدن والمحافظات المجاورة تجد طريقها هي الأخرى إلى أسواق الزرقاء، خصوصا الشعبية منها.

ويقول مصدر صحي في إحدى البلديات بالزرقاء إن عملية الإتلاف التي تقوم بها المؤسسة العامة للغذاء والدواء هي الأفضل وتتم بشكل كامل، في حين تقوم بعض البلديات بالإتلاف الجزئي من خلال طرح المواد الفاسدة في مكب النفايات أو بإضافة محلول كاوي على أجزاء منها، ما يسهل على تجار الغذاء الفاسد جمعها وإعادة بيعها.

ويضيف أن تعدد الجهات الرقابية (مديرية صحة، بلديات، إدارة ملكية لحماية البيئة، المحافظة) يربك العمل، ويحول دون تحديد صلاحية المواد الغذائية للاستهلاك البشري من عدمها.

ويحذر المصدر من أن بعض مراقبي الصحة في بعض البلديات لا يحملون أي مؤهل علمي أو خبرة في هذا المجال.

لكن مشكلة المواد الفاسدة في الزرقاء لا تنحصر بالغذاء بل تتعداها لتشمل الدواء، خصوصا المنشطات الجنسية، إضافة إلى العديد من المواد الاستهلاكية، كزيوت السيارات والمنظفات ومساحيق التجميل.

فريق مشترك من الإدارة الملكية والجمارك العامة والمؤسسة العامة للغذاء والدواء، كشف الشهر الماضي عن ثلاثة مشاغل في المحافظة تنتج منشطات جنسية ومساحيق تجميل خطيرة وتبيعها في الأسواق المحلية. وتم ضبط عدد من العاملين فيها، حيث قدرت قيمتها بنحو 100 ألف دينار أردني.

في المقابل، يرى مواطنون ضرورة مراجعة التشريعات القانونية وتغليظ العقوبة بحق المتورطين في التلاعب بقوت الشعب، وأن تصل العقوبة إلى السجن ودفع غرامات مالية كبيرة وعدم السماح له بممارسة مهنة التجارة في المواد الغذائية مرة أخرى في حال التكرار، مشيرين إلى أن "بعض الدول توقع عقوبة الإعدام على من تسول له نفسه التلاعب بصحة المواطنين".

ويبدي المواطن علي أحمد استياءه من تلاعب بعض التجار في صحة وسلامة المواطنين من اجل ربح مادي اكبر وأسرع، داعيا الجهات المعنية إلى "الضرب بيد من حديد" على من تسول لهم أنفسهم الإضرار بالمواطنين، لافتا إلى أن "المتضرر الوحيد من غشهم وعدم مبالاتهم هو المواطن".

ويؤكد المواطن أمجد محمود ضرورة تكثيف الرقابة واتخاذ أقصى عقوبة يجيزها القانون، خصوصا السجن، مشيرا إلى أن "بعض التجار يغلقون محالهم لأيام معدودة ثم يعودون إلى ما كانوا عليه بعد دفع مبلغ مالي لا يتجاوز في حده الأعلى 100 دينار".

مكتب مؤسسة الغذاء والدواء باشر عمله في الزرقاء منتصف تموز (يوليو) الماضي لتفعيل الرقابة الصحية والغذائية في المحافظة التي تضم  52 % من صناعات المملكة ونحو 15 ألف محل تجاري، عدا عن المؤسسات الغذائية ومسالخ الدواجن.

ويقول مدير عام المؤسسة الدكتور هايل عبيدات إن قانون مؤسسة الغذاء والدواء يتضمن عقوبات وغرامات رادعة للمخالفين تبدأ من ألف دينار والسجن من عام إلى ثلاثة، في حين أن قوانين البلديات، خصوصا قانون الحرف، لا تتجاوز العقوبة فيه غرامة تبلغ في حدها الأعلى 50 دينارا، ومهما كانت المخالفة.

عبيدات يبين أن المؤسسة لا تسعى لانتزاع صلاحية أي جهة، لافتا إلى أن المؤسسة تسعى لمنع ازدواجية التفتيش لدمجها في جهة واحدة بغض النظر عمن هي هذه الجهة.

ويؤكد أن "البلديات مسؤولة بموجب قوانينها عن الرقابة فقط على الحرف والتراخيص لا على الغذاء والدواء، كما أنها لا تمتلك أي مختبرات للكشف عن مدى سلامة الأغذية والأدوية".

وشدد عبيدات في تصريحات سابقة على أن المؤسسة أضحت الجهة الوحيدة المسؤولة عن سلامة الغذاء والدواء في الزرقاء، مبينا أنه تم تكليف 22 مراقب غذاء ودواء للعمل في المؤسسة، موضحا أن موظفي المؤسسة يتمتعون بصفة الضابطة العدلية في ممارسة مهامهم.

لكن رئيسي لجنتي بلدية الزرقاء المهندس فلاح العموش والرصيفة المهندس عيسى الجعافرة يقولان إن البلديتين تضمان في كوادرها أطباء قادرين على العمل والوصول لجميع مناطق الاختصاص للتأكد من سلامة الأغذية المتداولة،"الغد" حاولت الاتصال مع المؤسسة العامة للغذاء والدواء للوقوف على أسباب تسرب المواد الغذائية الفاسدة من مكاب النفايات، ولكن من دون جدوى.