دخان اوباما الأسود ...


الكلمات الثلاث أعلاه وردت في مقال السيد عبد الباري عطوان المنشور صباح الجمعة الماضية على صفحات جريدة " القدس العربي " التي يرأس تحريرها ، نبني عليها بعد الإستئذان من كاتبها لنتساءل وبأعلى درجات الهدوء والموضوعية إن كنا ننتظر شيئا آخر مختلف عن هذا " الدخان الأسود " الذي إرتفع عموده في سماء فلسطين المحتلة ، وبما يعكس هذا الإنحياز الأعمى والحاقد " لإسرائيل "

من السيد الرئيس أوباما والذي حمله في قلبه قبل أن يملأ به حقائبه وملفاته التي أحضرها معه إلى المنطقة العربية والتي يزورها للمرة الأولى خلال فترة ولايته الرئاسية الثانية ،أوباما صاحب البشرة السوداء لا يستطيع بل هو أعجز وأضعف من أن يتنكر أو يتمرد على كل ما تفرضه وتمليه على سيادته السياسات العنصرية والإستبدادية " البيضاء " التي سارت على هديها كل الرئاسات والحكومات الأمريكية التي سبقت الرئيس أوباما الأسود ، وعلى الأخص في كل تلك التفاصيل المتعلقة بأمن "إسرائيل "

ومنذ أن تأسس كيانها على أرض الوطن الفلسطيني من جانب ، وفي كل ما يتعلق بالإستحواذ والهيمنة والسيطرة والسرقة لكل ثروات المنطقة العربية و في مقدمتها النفط من جانب آخر ،أوباما وبكل تزلف وإبتذال مهين جاء إلى المنطقة طالباً الرضى من " إسرائيل "ومن حكومتها التي يترأسها المجرم نتنياهو ، ولذلك فقد حاول وبأقبح ما في قاموسه من عبارات الإستجداء تقديم كل لوزام الطمأنينة التي يحتاج إليها الكيان الصهيوني العنصري عبر التعهد بدعم أمنه ووجوده قويا في المنطقة وإلى الأبد ، وليؤكد لقادة هذا الكيان بأنهم لن يكونوا وحدهم ما دامت الولايات المتحدة الأمريكية موجودة .

نعم ، لقد أراد أوباما في كل ما قال وفعل أن يظهر شاذاً وبكل ما في الشذوذ من معنى بالمقارنة مع كل رؤساء أمريكا البيض الذين سبقوه ، ولذلك لم يجد حرجا أبدا في أن يرتمي تحت أقدام المجرم العنصري نتنياهو طالبا الصفح والغفران ، ولم يظهرعلى أوباما كذلك أي حرج في أن يبدو وأن يتصرف وكأنه موظف صغير وذليل عند " إسرائيل " وبالتحديد في حديقتها الخلفية

 ولذلك فهو لم يتوانى في إعطائها الضوء الأخضر لتنفيذ كل الجرائم التي تفكر في إرتكابها في المنطقة بحق إيران أو غيرها ،بالمقابل ، وعلى الصعيد الفلسطيني فلا بد من التأكيد على أن المأساة والكارثة التي عاش الشعب الفلسطيني تحت ظلالها لم تحظى عند الولايات الأمريكية ومنذ حدوث نكبة الإغتصاب ، وسرقة الوطن الفلسطيني على أيدي العصابات الصهيونية ، وصولا إلى ذلك الخطاب الإستجدائي والذليل الذي استقبل به الرئيس عباس ضيفه الرئيس أوباما في وكر العار الملقب " بالمقاطعة " في رام الله ، لم تحظى و عند كل الرؤساء الذين واكبوا قيام الكيان الصهيوني بذرة إنشغال أو إهتمام ، ولم تلقى عند حكوماتهم وكل الإدارات التابعة لها سوى المزيد من التنكر وإدارة الظهر لأبسط الحقوق الإنسانية الفلسطينية .

قدم الرئيس عباس للأمريكان كل ما هو مطلوب من التنازلات ، وعلى عكس المجرم نتنياهو الذي ينال دائما كل ما يتمناه ، وارتمى وانبطح كثيرا على أعتاب البيت الأبيض في واشنطن على أمل أن يحظى برضاهم ، وأبدى لهم كامل الإستعداد لقبول وظيفة " خادم " عندهم في حديقتهم الخلفية ، ولكنه وحتى زيارة أوباما الأخيرة لم يكن يحصد من وراء هذا التذلل سوى الخيبة ، والمزيد من الصفعات والضغوط حتى يقدم المزيد من التنازلات التي لا يتوقف عدونا الصهيوني عن المطالبة بها .

دخان أوباما الأسود والقبيح والذي غطى سماء رام الله وبيت لحم ليس بالأمر الجديد على القضية وشعبها ، وإذا كان الراحل الكبير القائد أبو عمار قد رفع لهم عبثاً غصن الزيتون الأخضر بالأمم المتحدة في عام 1974 ، وإذا ما تذكرنا القائد ا لكبير الراحل جورج حبش الذي بُح صوته وهو يؤكد صارخا في كل خطاباته بأن أمريكا هي رأس الأفعى ، وإذا ما نظرنا بألم إلى أسلوب الإستجداء الرخيص المصر على إستخدامه الرئيس عباس ، فسنخرج بنتيجة مفادها بأن الخلل الإستراتيجي الذي يحيط بالقضية كان ولا يزال في المرمى الفلسطيني ، ولم يكن في يوم من الأيام في واشنطن ، أو في مجلس الأمن والأمم المتحدة .

لا يكفي أن تتظاهر الفصائل الفلسطينية وبأعلى درجات الخجل في وجه أوباما ، ولا يكفي أن تقول حركة حماس بأن الرئيس الأمريكي قدم خطاباً مسموماً ، فكم هو مناسب في هذه الأوقات التي توغل فيها " إسرائيل" بممارسة التهويد ، وبتوسيع نشاطها الإستيطاني وبإقتراف أكثر الجرائم دموية ، كم هو مناسب أن يكون لشعبنا الفلسطيني كلمته

 وكم هو ضروري من هذا الشعب أن يعيد حساباته في كل ما يتعلق بالثوابت الوطنية التي تحكم صراعه مع العدوالصهيوني ،سنوات أوباما الأربعة العجاف والسوداء ستنتهي سريعا ، والرئيس عباس سيرحل عن هذه الدنيا إن لم يكن اليوم فغدا ، وسيواصل نتنياهو ومن سيأتي بعده اللجوء دائما إلى إستخدام كل سياسات الإجرام العنصرية بحق شعبنا وقضيته العادلة

 ولأن فلسطين هي الباقية ، فلن يطول اليوم الذي سيأتي على شعبنا وعلى كل قواه الوطنية والذين سيكتشفوا فيه مدى الحاجة إلى تفجيرالإنتفاضة الجديدة في وجه هذا العدو الذي لا تردعه غير القوة ، وكل تأخير عن العودة إلى درب المقاومة لن نجني من وراءه غير الندم ، والندم لا يكفي لتحرير الوطن وإستعادة الحقوق المغتصبة