إنها إربد .. لا تغضبوها.


بلا انحياز ولا أدنى محاباة، إنها إربد التاريخ والأصل المشرف، وهي الفعل الإيجابي المبادر، والغيرة الوطنية الدينية الجارفة، والشخصيات النافذة الأبية، شأنها في ذلك شأن المحافظات العزيزة، على امتداد الوطن كله، يوم عقدت مع النظام الزائر عقد الحكم والولاية، على حدِّ سُلطة الشعب والعدالة.

تحرّكت إربد، وقطاعات الشعب كله، وفي كل ميادينه بفعل انهيار منظومة الثقة بين المسئول والمواطن، بعد أن انفردت ثلة مارقة على الخلق والمروءة بمقاليد الحكم والسياسة والمال، وشكلت عصابة رسمية للفساد، تمثلها حكومات وبرلمانات ودوائر رسمية ومطابخ القرار.

جاءت يقظة العرب الحديثة لتعطي إربد وشقيقاتها دفعة جديدة في اتجاه الفعل الضاغط المؤثر على مؤسسة الحكم لإجراء الإصلاحات اللازمة والضرورية المتمحورة حول إعادة الحقوق، وإعادة صياغة العقد الاجتماعي مع النظام، وشكلت إربد حجر زاوية في نموذجها، وما أكثر ما سَرَّ عُشاق الحق والحرية، وأغاظ رؤوس الفساد وأذنابه ومرتزقته.

خرج في إربد المئات من الفعاليات: مسيرات ومظاهرات ومهرجانات واعتصامات اتسمت جميعها بالسلمية المطلقة، وما سُجل على الحراكيين حادثة واحدة تُثبت عكس ذلك، وغاب عنها غالبا الوجود الأمني إلا في حدود تنظيم السير، كما غابت أيضا ظاهرة الشغب المقابل إلا في مرات لا تجاوز أصابع اليد الواحدة، مع حضور أمني يحول دون الاحتكاك أو الاشتباك.

لكن في الآونة الأخيرة وبشكل مريب استيقظت عند البعض نزعة الولاء، وتحركت في نفوسهم مركبات الانتماء، وبدأت تبدوا حالة من التناغم والتنسيق - يلحظها المراقب العادي - بينهم وبين جهات أمنية خفية المظهر، لكنها بلا شك حاكمة على غيرها من القطاعات أو مربكة لها، وبدأت هذه الحالة تؤسس لازمة وتهيئ لانقسام مجتمعي له ما بعده من المخاطر.

أن يتم اختراع منطق المولاة، والقيام بتسويقه بين حين وآخر، وعلى فترات متباعدة، ثم تكثيفه ورعايته في الفترة الأخيرة أمرٌ يبعث على الريبة، ويثير المخاوف، لأن المنطقي أن تكون حركة الولاء حركة موازية في المدى الزمني للفعل الإصلاحي، وإلاّ فأن عملية استدعائها للحضور في المشهد وقت اشتهاء محركيها والقائمين عليها دليلٌ كافٍ يؤشر لسوء نيّة، وسياسة مُقررة مَرعية عند جهات بعينها يَعلمها الجميع.

يقول الحراكيون: لو كان لجماعة الولاء جمهور - داعم لبقاء الفساد - لكان من الواجب عليه أن يظل حاضرا في المشهد، يناضل عن قناعاته، ويُسوِّغ لجمهور الشعب وجهة نظره، وهذا ما لم يتم فعلا، ومن هنا يتوجب على ممثلي هذه الظاهرة، التي باتت تُعرف في ضوء أدائها بـ الزعرنة والبلطجة، وعلى امتداد الوطن أن يجيبوا بصراحة عن هذه الأسئلة:

لِمَ تأخروا كل هذه المدة إذا كانوا صادقين في الدفاع عن ما يؤمنون به؟!! ولمَ لَمْ يكن لهم القدرة على الاستمرارية بما يواكب فعل الإصلاحيين؟!! ولماذا يُرى بَعضهم وهم دائما قلّة بصحبة رجال الأمن، وفي سياراتهم، بل ويتواجدون في سيارات بعض النواب المحسوبين على منطق الولاء بالبلطجة؟!! لِمَ لا يمارسون التعبير عن الرأي في ميادين مغايرة؟! لم يُصِّرُّون هم ومن يدعمونهم على التواجد في ذات المكان والزمان في مواجهة الإصلاحيين؟!! لم يغمسون ألسنتم بالبذاءة ويسبون إخوانهم في النسب والمواطنة، وكل ما بينهم أنهم يختلفون معهم في وجهة النظر؟!! لِمَ يمارسون دورَ رجال الأمن بحضور رجال الأمن، فيضربون السِّلميّين ويُساهمون في اعتقالهم عند اللزوم؟!!

الأسئلة برسم الإجابة، وعلى الجهات الرسمية حامية الدستور وراعية القانون أن تجيب عنها وتفسرها.
الإجابة عند جمهور الأردنيين معلومة، الإصلاحيون يستوعبون أن تمارس الجهات الأمنية المختصة دورها حسبما نصَّ القانون، وقد يتقبلون بعض التجاوزات الفردية الناجمة عن ضعف التأهيل للكوادر، في التعامل مع الجمهور، لكن ما لا يمكن استيعابه هو أن يقوم مواطن ليمارس السلطة على مواطن مثله بمباركة الجهة المعنية!!

نحن هنا إذن نؤسس لفعل خاطئ سيقابله – حتما - فعل يكافئه، وهذا يعني ابتداء مشوار الفوضى، التي لن تنضبط في حال اندلاعها.

إنه برنامج للعنف والعنف المضاد، ولا ندري هل هو مخطط سلطة الفساد النافذة، لتتخذه فيما بعد كمبرر لمنع الحراك الإصلاحي، بذريعة حفظ الأمن كمطلب شعبي مُلحّ في أجواء الفوضى؟!! وهي تؤمّن بهذا - ضمنيا - مشروع الفساد، وتهبُه فرصة لتأهيل نفسه وإحكام قبضته، وإحباط أحلام الأردنيين في استرداد سلطتهم.
إنه اللعب بالنار، والتفكير بهذا الأسلوب ضرب من الجنون، فمشوار الإصلاح قد انطلق، ولن يعود إلا بعد تحقيق أهدافه، فلا تعبثوا بمكونات الشعب المتحرك، وحاذروا إربد.. لا تشعلوا فتيلها، ففي النفوس الكثير من البارود، فإن كان أحدٌ منكم رضي أن يبيع حقه، أو تنازل عن وطنه للفاسدين بلا ثمن، فليس له الحق أن يفرض بالبلطجة على عشرات الآلاف هذه الصفقة، كي ينزلوا عن حقوقهم مثله، أو يقبلوا منه أ يعتدي عليهم أو أن يجرح كرامتهم مهما كلفهم من ثمن.
a_dooory@yahoo.com