شعب عظيم وقضية أعظم
قليلةٌ هي الشعوب التي استطاعت الوصول إلى ما وصل إليه الشعب الفلسطيني من عظمة في الإبداع والتحدي والتحمل ، ومن الإستعداد دائما لمواصلة الصمود حتى ولو عصفت به الظروف وصلت الأمور إلى رمقها الأخير
فمن رحم المستحيل كانت في أغلب الأحيان تولد المعجزات ، ويأتي النهوض الذي سرعان ما كان يتحول إلى دروس وعبر ينحني لها التاريخ الإنساني وهو يدونها على صفحاته بأحرف من دم ونور ، وهذا الكلام سيبقى قليل ومتواضع وغير منصف بحق الشعب الفلسطيني الذي إنفرض عليه أن يدافع وحيدا عن الإنسانية و نيابة عن كل البشرية الحرة وهو يخوض المعركة ضد آلة الإجرام الصهيونية .
يظن البعض أن حادثة إقامة قرية " باب الشمس " على أرض الطور شرق القدس قد انتهت بعد أن داهمها مئات الجنود القتلة في عتم الليل تنفيذا لأوامر حكومة نتنياهو المجرمة ، ولكن خاب هذا الظن و خاب أهله ، فشرف المبادرة والمباغتة التي أقدم عليها الشباب الفلسطيني حققت غايتها بعد أن أصابت بني صهيون بالفزع والدهشة وتركتهم لبعض الوقت في حيرة ما بعدها حيرة ، لقد تم حشرهم في أضيق الزوايا
فما كان منهم إلا اللجوء وكالمعتاد إلى عنجهية وبربرية القوة العمياء ، فاستحضروا الجيش وأمروا بالهجوم لإقتلاع الخيام ، و ضرب و تفريق الشباب الأعزل الذين ما كانوا يمتلكون سوى قوة وعنفوان حقهم في المقاومة الشعبية الباسلة .
ولأن الصهاينة أغبياء وجبناء ، فمن الصعب عليهم أن يستوعبوا أنهم بفعلتهم الحمقاء ما كانوا يقتلعون الخيام ، بل ساهموا في تجذير وتعميق زراعتها أكثر فأكثر في تراب الوطن الفلسطيني ، وفي أحشاء أبناءه المدافعين عنه ، والمستعدين للشهادة دونه ، فهذا هوالتعبير الأمثل والمتجدد دائما لصراع الوجود بين السارق المارق وبين صاحب الحق الشرعي الذي لن ينتهي إلا بكنس إحتلالهم وطردهم إلى حيث أتوا ، هذه هي الحقيقة التي ستبقى تؤرقهم وتقض مضاجعهم حتى ولو حشدوا كل ما في العالم من قوة وسلاح وجبروت .
الشباب الفلسطيني أبدع وتفوق على عدوه ، ولذلك فلن تكون قرية " باب الشمس " نهاية المطاف ، بل إن الذي سيأتي على الطريق مستقبلا لا بد وأن يكون أعظم ما دام هذا الشباب متمسكا بإنتماءه لهذه القضية العظيمة ويرفض التخلي عنها ، وإن كان هناك من عتب وغضب فلا بد أن يقع على كل أولئك الذين لا يزالون يتحدثون عن اتفاق أوسلو ويتمسكون بالمفاوضات العبثية وبالسلام الزائف ، وعلى اولئك الذين يتباهون بأنهم حققوا المعجزات في اروقة الأمم المتحدة وجمعيتها العمومية ، وعلى كل الذين يراهنون بأنه لا يزال بالإمكان الوصول إلى حلول ومصالحة مع هذا العدو المجرم .
العتب الكبير يقع على تلك " القيادات " المتخلفة عن موازة جماهيرها فحاولت أن تتدارك ضعفها عبر الركوب على ظهر شعاع الشمس الذي أشرق فوق أرض الطور المقدسية فلم تشفع لها بطاقات " الفي اى بي " الممنوحة لها من المحتل ، والعتب الأكبر يقع أيضا على ظهر تلك القيادات التي تواصل التلهى بمعارك الكر والفر فيما بينها في العاصمة المصرية بحجة البحث عن مصالحة لن يكتب لها أن ترى النور، ما دامت العقليات أسيرة لرغبات الذات والمصالح الضيقة وتقاسم المغانم
و ما دامت بعيدة كل البعد عن حقيقة ما ينشده ويستحقه شعبنا الصابر والصامد على أرضه ، والذي يتلهف لرؤية تجسيداً حقيقياً لوحدته الوطنية التي يجب أن تحشد لها كل الإمكانيات والطاقات بدلا من بعثرتها وتشتيتها شرقا وغربا .
شاء نتنياهو أم أبى فقد دخلت قرية " باب الشمس " إلى جوف التاريخ والجغرافيا ، وتحولت إلى رافد جديد يغذي ويرفد نضال شعبنا الوطني بالمزيد من معاني العطاء والتضحية ، وعليه أن يعلم هو وحكومته وكل أركان كيانه الصهيوني الإستعماري البغيض بأن لا مكان لهم على هذه الأرض ، فليمارس كل طقوس شهوة الإستيلاء والمصادرة وتوسيع الإستيطان ، فهذا كله إلى زوال ما دام هذا الشعب مصرا على أن لا يركع ، وعلى أن لا يستسلم لهم ولبطشهم وللجرائم التي يصرون على فعلها وارتكابها
وبالتالي ، فما عليه إلا أن ينتظر المزيد من هذهالمفاجآت الشعبية والتي لا بد وأن تحرمه من أن يفرح طويلا بعنصريته وبجرائمه ،الأرض كلها لنا ، وترابها وحجارتها لنا وحدنا ومن حقنا ، وكذلك الشجر وكل العصافير التي تغرد على الأغصان ، وهذه الشمس التي أشرقت لبضعة أيام على أراضي الطور ليست سوى الوعد الذي ستحمله الأجيال وتتوارثه جيلا بعد جيل ، وما دام هذا الشعب العظيم موجودا ويتنفس من رئة هذه القضية العظيمة ويواصل الدفاع عنها فلن نفقد الأمل أبدا .