نهوض ملكي بالثقافة ترفضه البطانة
مما يدمي القلب ويدعو للإحباط أن البعض من متنفذينا اتخذوا أسلوب القفز عن روافد النهوض بالوطن والأمة رغم التوجيهات الملكية التي تعمل على إثراء ورعاية كل ما من شأنه الإرتقاء والتحليق عاليا بالأردن من خلال رعاية المبادرات الفردية وخصوصا الرائدة منها.
وهذا التوجه الملكي الهاشمي لا يلقى أذانا صاغية من الطبقة الضيقة المحيطة بجلالته. "حاضر يا مولاي" تكاد تكون الإستجابة اليتيمة خصوصا إذا تعلق الأمر بدعم مبادرة من مواطن تنعكس مبادرته إيجابا على الأردن. وعندما يسمع المبادر هذه الإستجابة يعتبر مبادرته حظيت بالموافقة الملكية فيتابع للحصول على الرعاية التي أمر بها الملك ليصدم بالمنظرين والوعود والتسويف والمماطلة ويتفجروا غيرة وحفاظا على الموازنة والوطن والدين والأعراف وأخلاقيات المجتمع.
واستغلال الثقة عموما من أبشع صور الإستغلال. من سوء طالعنا وجود نزعة عند "صفوتنا" المحيطة بجلالة الملك نحو تأييد ودعم ومباركة ما من شأنه العمل على استمرارية التواصل مع الأجنبي حتى لو كان يتقاطع مع دين الدولة ويخالف القيم والأعراف. الهدف رفع أسهم التقارب مع ذلك الأجنبي. هذا في الوقت الذي تلقى به المشاريع الثقافية الجامعة التي يبادر بها بعض المبادرين عدم اكتراث ووعود لا تنفذ ومماطلة وتسويف تجعل منه كالساعي نحو سراب.
ومن المبادرات التي عادت على صاحبها بالوبال والإحباط ولم يبقى أمامه إلا أمين عام الأمم المتحدة ليسعى له بحل مشكلته, مبادرة الفنان التشكيلي والكاتب والروائي والناشط السياسي جورج شتيوي الذي بادر بإقامة صرح ثقافي غير مسبوق على مستوى المنطقة تحت مسمى " مجمع متاحف البيت العربي للآداب والفنون والتراث". وهو مشروع جامع لروافد الثقافات العربية من أدب وفن وتراث تحت سقف واحد يوفر على الباحثين والمهتمين والمؤرخين صعوبة وعناء التنقل من دولة لأخرى وبالتأكيد يرفد الأردن ماديا
ناهيك عن الرفد الثقافي والتسويقي للأردن ليصبح مرجعية بما يخص الشأن الثقافي العربي. وبذلك يتأهل الأردن ويصبح جاذبا للعلماء والمثقفين والدارسين والباحثين الذين يسعون خلف المعلومة الثقافية بكافة ألوانها.
لقد عرض السيد شتيوي مشروعه الريادي على كافة المعنيين وغير المعنيين بدءا بجلالة الملك رائد الثقافة ومرورا بأصحاب السمو الأمراء والديوان الملكي والأخوين الذهبي ورؤساء الوزارات والوزراء أصحاب الإختصاص وانتهاءا بمن دونهم بالمسؤولية.
لم يجني صديقنا إلا التفهم والتجاوب والإيعاز بالمساعدة من جلالة الملك الذي لم تجد توجيهاته إلا السماع دون الإستماع بل ظلت طريقها بين الوعود والمماطلة من قبل من هم مناط بهم تنفيذ توجيهات ورغبات ومباركات سيد البلاد.
بالإضافة لما تقدم يروي صديقنا أنه استدعي من قبل الجهات الأمنية للتحقيق إذ وجهت له تهمة تنفيذ تعليمات خارجية قائمة على التبشير الكنسي وبناءا عليه لم يتم الترخيص لمشروعه الثقافي. وليس أدل على مصداقيته سوى البنوك التي استدان منها لتمويل مشروعه.
لقد طرق كل الأبواب لترخيص مشروعه لكنه كان يعود بخفي حنين إلى أن تحول المبنى المنتظر أن يحوي الثقافات العربية إلى مبنى صامت فارغ يعبث به العابثون.
صديقنا تحدث بمرارة وبحسرة عن رحلة العذاب والصد والعرقلة التي عايشها منذ تشكلت الفكرة وبدأ بالسعى لتحقيقها. لو كتب النجاح لهذا المشروع الريادي لجعل الأردن الحافظ والداعم للثقافة العربية ومحجا يجمع على أرضه أرض الرباط قلعة حاضنة للثقافة والمثقفين تعلي من شأن الأردن والأمة بين الدول والأمم.
ويسرد رحلته الطويلة والألم يعتصره والحُرقة تكاد تبكيه حيث تقدم بـ (2698) طلب خطي لجلالة الملك عبدالله وأصحاب السمو الأمراء ولم يلقى سوى الوعود التي تفتقر للوفاء من قبل البطانة. وقد قام بمقابلة دولة معروف البخيت وعون الخصاونة وعبدالله النسور وقبلهم دولة فيصل الفايز.
ويضيف انه قابل أربعة رؤساء للديوان الملكي ورئيس هيئة الأركان الحالي ومدير الأمن العام ورئيس التشريفات الملكية. كما قابل مدير مكتب جلالة الملك ووزير الثقافة وتسعة رؤساء وزارات سابقين وعاد خالي الوفاض من كل هؤلاء.
ترى هل الثقافة لا نصير لها بعد كل تلك المقابلات ولا داعم لها من قائمة الأسماء الطويلة ممن يديرون شأننا العام؟؟ هل الثقافة تحوي من المخاطر ما يجعلهم يصمون أذانهم؟؟ الأمم ترتقي بثقافاتها وإرثها بما تقدمه من إثراء للثقافات الأخرى وذلك يتحقق بالرعاية للمثقفين وتوفير البيئة التي تساعدهم على الإبداع والخلق والتهذيب المسلكي لحياة الناس من خلال الفن والأدب والتراث.
وهذه الروافد الثلاث تسجل وتسطر الجانب الإنطباعي لدى الآخرين عن ثقافة ما. فإن لم نعطها الإهتمام الكافي نكون قد أجحفنا بحق أنفسنا وفشلنا بنشر ثقافتنا ليطلع عليها الآخرون ويتفاعلوا معها وإلا نكون قد عملنا على عزل أنفسنا وساهمنا بحرمان ثقافتنا من أن يتفاعل معها الآخرون.
وقد تعرض كما يروي للتهديد والوعيد من جهات يجهلها. وما يزيدنا إحباطا أن هناك أندية ذات صبغة عالمية تقف خلفها جهات نعلم انها تعمل على بذر ونشر الفساد الأخلاقي ويتم ترخيصها دون عناء والمشاريع الريادية يقابل أصحابها بالتخوين والعمالة. الجانب المضيء والذي كان يدعو صديقنا للتفاؤل هو لقاءاته التي حظي بها مع جلالة الملك إذ سعد بلقائه سبع مرات وفي كل مرة يتفهم جلالته الفكرة ويستحسنها ويطلب من مرافقيه العمل على مساعدته وتحقيق فكرة المشروع النبيلة.
ويذهب أخونا جورج بعد ذلك ليغمر من حوله سرورا وحبورا ظانا أن مشروعه سيرى النور. ثم تبدأ رحلة مقابلة المعنيين بالديوان الملكي للإستفسار عن مدى تنفيذ توجيهات الملك بخصوص مشروعه وإذا به يلقى نفس الإجابة وهي المماطلة والمواعيد والوعود التي تقترب كثيرا من الرفض.
ويسهب فناننا جورج بسرد المواقف التي تصلح قصة لفيلم سينمائي ومنها في أحد لقاءاته مع جلالة الملك طلب جلالته من رئيس التشريفات المساعدة بهذا الشأن وبعدها ياتي جوابه حسب ما روى صاحب المشروع"الملك يطلب مساعدة كل الناس وهذا لا يعني إلزامية التنفيذ".
ملك يأمر بالمساعدة وموظف هو الذي يقرر صلاحية الأمر الملكي من عدمه. وهذا يقودنا للقول أن من يحيطون بجلالته هم أسباب مصائبنا وتعكير صفونا وهم الدافعون نحو تعاستنا وهم من يسعى لتدمير الأردن وهم من خلق هوة شاسعة بين الملك والشعب بدل أن يقوموا بواجبهم المناط بمناصبهم كحلقة وصل بين القصر والشعب وناقلين امناء وصادقين.
هل لنا أن نتساءل عن الحفاوة والتقدير والإحترام والتسهيلات التي تمنح لمستثمر بفتح كازينو للقمار والرذيلة أو نادي روتاري أو غير ذلك من المسميات التي تخفي وراءها ما به فساد أخلاق شبابنا وشاباتنا مما يجعلهم أكثر قربا لأخلاقيات وأدبيات الثقافة الأجنبية من الثقافة المحلية أو العربية.
ما الضرر من أن يكون لدينا صرح ثقافي يحوي ثقافات الدول العربية من أدب وفن وتراث؟؟ بالمقابل مالفائدة المرجوة من نوادي تقف خلفها الماسونية والصهيونية اللتان هما وجهان لنفس العملة؟؟
بعد أن أوصدت الأبواب أمام مسعاه وتم قتل فكرته وتدمير مشروعه بمهده, حاول صديقنا عرض المبنى العملاق الذي كان يفترض أن يكون دارا ومقرا يجمع ثقافات الدول العربية على الحكومة لشرائه والإستفادة منه بطريقتها كجامعة أو كلية إذ الحكومة لن تعجز عن استثماره بالطريقة التي تخدمها. كالعادة عاد صاحبنا بخفي حنين وهو الأن ينتظر أن يباع بالمزاد العلني الذي ربما لن يغطي 10% من التكلفة الحقيقية بعد أن أحيلت القضية إلى محكمة الموقر.
سؤال يقفز للذهن الأردني حيث الشيء بالشيء يذكر, كيف ولماذا يترك باسم عوض الله ومن لف لفه دون مساءلة وتقتل المشاريع الرائدة التي تعود على الوطن بالخير والسمعة والمردود المادي؟؟ هناك للأسف الكثير من حاملي الثقة الملكية والمحيطين بجلالته يضربون عرض الحائط برغبات جلالته وتوجيهاته متسلحين بثقته والذين أقسموا على القرآن والإنجيل أن يكونوا أهلا للثقة التي تؤهلهم لخدمة الوطن والمواطن وليس ليخدمهم الوطن والمواطن.
من هنا نناشد جلالة الملك وأصحاب الضمائر الحية أن يعيدوا النظر بذلك المشروع غير المسبوق أو العمل على شراء المبنى عله يعود بالتعويض عما تكبده فناننا من خسائر جعلته مطالب للبنوك مع أولاده الذين قاموا بتكفله أملا باستثمار يعود عليهم بتغطية المبالغ الطائلة التي اقترضوها من البنوك.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com