الانتخابات بين الأمانة والعسل...!!
الانتخابات النيابية القادمة التي تشكل حلقة مفصلية في مسيرة الإصلاح في بلادنا، ذلك لأنها الأمل الأخير في إعادة ولو بعض الثقة بالعملية الانتخابية ونزاهتها، بالرغم من بداية تلاشي الآمال شيئاً فشيئاً بإفراز هذه الانتخابات لمجلس قوي، قادر على فرض هيبته ومصداقيته 'بغالبيته' على قضايا الوطن
بعد أن رأينا كيف حملت الأسماء التي ترشحت للانتخابات القادمة نسبة لا يستهان بها ممن أثقلوا الوطن بفشلهم وتخبطهم، حتى برنامج 'الفوتوشوب' لم يسلم منهم ومن ألاعيبهم، ليقعوا في أحضان الإعصار 'فتحية' الذي لم تصمد يافطاتهم وصورهم أمام أولى هباته طويلاً، ليبقى الأمل 'الضئيل' في بعض الأسماء الجديدة
من أصحاب المسيرات البيضاء التي لم تتلطخ يوماً بما يشوبها أو يسئ لها، إضافة لبعض الأسماء القديمة ممن لم تتلوث أيديهم بشبهات فساد، وكانت لهم مواقف وطنية مشهودة، وآخرين ترشحوا وأضحوا 'فاكهة الانتخابات' بترشحهم، حيث منحونا إيجابية الضحك والابتسام قبل انعقاد الانتخابات، بشعاراتهم التي تشبه من يعد بدق المسامير في نعش الهواء !!
وحقيقة لا نلوم من يؤيدهم من أبناء الوطن، ممن أثقلهم الإحباط السياسي حتى أصبحوا يشتاقون لسماع أي شعارات تلامس أحلامهم وآمالهم، حتى وإن كانت ضرباً من الخيال، أو ممن يتصورون بأنهم قادرين على ضرب الخيال بأيديهم !!
من أجل كل هذا كان على كل مشارك في هذه الانتخابات أن يعلم بأنه يشارك في رسم خارطة الإصلاح في الأردن في المستقبل، فصوته هو من يمكن أن يخرج مجلساً قوياً قادراً على تغيير قانون الانتخاب، وإرادته هي من يمكن أن تخرج مجلساً قوياً بنهج سياسي جديد، ولو بعد حين.
ويبقى على الحكومة النقطة الأهم، بمنع تزوير إرادة المواطنين هذه المرة بأي شكل من الأشكال، والوقوف في وجه المال السياسي، الذي أصبح حضوره واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار، لأن ذلك إن لم يحدث سيكون 'القشة' التي ستقصم ما تبقى لدى المواطنين من ثقة بالعملية الانتخابية برمتها.
رأى أحدهم أنه كان يسير في أدغال إفريقيا يوماً، حيث الطبيعة الخلابة، وبينما هو مستمتع بالمناظر الطبيعية، إذا به يسمع صوت قادم بسرعة، فالتفت إلى الخلف ليجد حيوانا مفترساً قادماً إليه بسرعة هائلة، أخذ يجري بسرعة هارباً، وعندها رأى بئراً أمامه فقفز فيها، وأمسك بحبل البئر الذي يسحب به الماء، وأخذ يتأرجح داخل البئر، وعندما بدأ بالتقاط أنفاسه، إذا به يسمع صوت ثعبان ضخم الرأس بجوف البئر، وفأرين أبيض وأسود يصعدان إلى أعلى الحبل لقرض الحبل !!
ارتجف الرجل هلعاً، وأخذ يهز الحبل بيديه بكل قوة حتى يذهب الفأرين، فأصبح يتأرجح بداخل البئر، ويصطدم بجانبيه، وفيما هو كذلك، شعر بشيء رطب لزج ضرب بمرفقه، وإذا به عسلاً، ليبدأ بتذوق العسل ناسياً الموقف الذي هو فيه من شدة حلاوة العسل !
وليقوم بعدها الرجل مفزوعاً من حلمه المزعج، مقرراً الذهاب فوراً لمفسر للأحلام لسؤاله عن تفسير ما رأى، ضحك المفسر، ثم قال له: أما الحيوان المفترس الذي يجري وراءك فهو ملك الموت، وأما البئر الذي به الثعبان فهو قبرك، وأما الحبل الذي تتعلق به فهو عمرك، وأما الفأرين الأبيض والأسود فهما الليل والنهار يأخذون من عمرك، فقال الرجل: وماذا عن العسل؟ فأجابه المفسر: هو الدنيا التي تنسيك نفسك من فرط حلاوتها، فجعلتك تنسى أن وراءك موت وحساب.
لذا فعلى كل مشارك في العملية الانتخابية، مرشحاً كان، أو ناخباً، أو حتى مراقباً، أن لا يترك لحلاوة عسل المناصب، والمصالح الدنيوية، فرصة إغفاله عن الأمانة الثقيلة التي يحملها في عنقه، والتي سيسأل عن حفظه لها بين يدي الخالق عز وجل يوماً، فنزاهة الانتخابات ستبقى محصورة بين خيارين لا ثالث لهما، فإما أن نحفظ الأمانة، أو نغرق في العسل.