كفـــانا فخراً ...

مع قرب إشراقة عام ميلادي جديد، إخترنا أن نبتعد عن هموم السياسة وآهاتها قليلاً، لنبحر مع دواخلنا في سطورنا القادمة، لنجد الريــاح تهب بقوة، الغيـــوم تتفتح، وتنهمر الأمطـــار، أمطار شوق لقاء قريـــــب، رياح تهب لتنزع القلب وتذهب به بعيــــــداً، بعيداً إلى هناك، هناك إلى موعده المرتقب، ويذهب القلب طوعاً

 

فقد إعتاد رياح الشوق وإعتادت عليه، ها أنت يـــا رباه في كل مرة تحيل الحزن قوة، والضعف صلابة، لتتجدد في أعماقنا الذكرى، ذكرى الطهارة والشرف والحنان، ذكرى دمعة طاهرة ذرفت من عين تدعو ربها، ذكرى شرف تشرف بصاحبه ولازمه حتى في رحيله معه، ذكرى لمسة حنان داوت جراحنا طويلاً، فموعد لقاء الروح اليوم يتجدد، ليتجدد معه الوفاء والوعد من جديد، لتنتعش معه ذكرى أجمل بسمة، أرق لمسة، وأصدق دعــــاء

 

نتذكر اليوم دمعة لحظة الوداع، دمعة العين التي كانت تعدنا بلقاء قريب، رسالتنا إليها اليوم لنطمئنها أننا على وعدنا ووفائنا مازلنا قائمين، وننتظر جميعاً لحظة اللقاء هناك، في دار القرار، لا نعلم يومها من سينتصر على الآخر، هل هو دمع الفرح بلقائك، أم دمع الحزن على طول فراقك، لا نعلم يومها هل ستنتصر قوة صبرنا على طول الفراق، أم سينتصر ضعفنا للحظة اللقاء، بقيتي في مقلة العين وأنتي بجانبنا، ومقلة العين لا ترى غيرك في مكانك بعد البعد والفراق، بقيتي صمام القلب النابض وأنتي بجانبنا، وسيبقى القلب نابضا بإسمك ورسمك دائماً، بقيتي تاج الجبين وأنتي معنا، وستبقين تاجا للرأس وأنتي بعيدة عنا

 

إطمئني فلن تطول غربتنا عنك كثيراً، فمهما طال المقام نحن بك لاحقين، إلى دار المقام نازلين، ونسأل من سينزلنا تلك الدار بإذنه أن نكون جيرانك فيها، كما كنا معاً في هذه الفانية أن نكون معا في تلك الباقية، لا نعلم متى سيكون ذلك، ولكننا متأكدين بأنه سيكون بإذن الله، فلا تقلقي، ولا تقلقي مقامك هناك بالتفكير، فكلنا لك يوماً عائدون، لا تذرفي علينا الدمع، فكل دمعة منك جوهرة، لا نملك ما يقابلها عندنا، وما أغلى الجواهر عندما تأتي منك، فنرجوك أن تمسكي دمعك إلى أن يحين يوم اللقاء، لنجمعه بأيدينا ونمنعه من السقوط، بل ونزين به معاصمنا وأفئتدنا

 

نطمئنك فهاهو العزيز المخلص قد لحق بك على إخلاصه، كم كان صامداً بعد الفراق، وكم كان رقيقاً بعد المصاب، وكم كان مخلصاً بعد الوداع، وكم كان صلباً يوم كتب عليه بك اللحاق، وهاهي زهرتك التي تركتها بيننا، تنمو وتكبر، وتزداد رونقاً وجمالاً وإزدهاراً كل يوم، وورودك المزهرة تحيطها من كل جانب بالعطف والحنان، كبرت الزهرة وكبر معها شوقها إليك، وكبر معها إيمانها بصدق اللقاء بك يوما بإذن الله.

لا نعلم إن كنت ستقرأين هذه الرسالة أم لا، ولسنا متأكدين إن كانت ستصلك أم لا، لكننا متأكدين من أننا مازلنا نحمل في داخلنا الأمنية ذاتها، تلك الأمنية بأن نعانق الشمس، وأن نقبل القمر يوماً ما، تلك الشمس التي هي أنت أيتها الغالية، وذلك القمر الذي هو يدك الطاهرة، يا أجمل بسمة، وأرق لمسة، يا أشرف دمعة، وأصدق وفاء، نجدد لك اليوم العهد أمام الخالق الكريم، عهد لا نرجع عنه حتى لقائنا بإذن الله، عهد علينا بأن نبقى على الفخر بك دائماً، فكفــــانا من دنيانا بأنك لنا أم، وكفــــــانا بأنك لنا أم فـــــخراً.