الفساد وحب الفاسدين
خليفة المسلمين الاول أبوبكر الصديق رضي الله عنه يقول : والله لو أن إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله , لأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الكافرون .
لقد بدأت حديثي بهذا القول للصحابي الجليل ابو بكر الصدّيق رضي الله عليه لأبين ان النفس أمّارة بالسوء والشيطان عدو رجيم لخلق الله بدأ من آدم عليه السلام وحتى الان والابتعاد عن الشبهات هي احدى الفضائل التي يتصف بها الانسان العاقل .
ولكن النفاق والتملّق والمصلحة قد تجذب الانسان للوقوع في حبائل الشبهات لآفات معيّنة ومن تلك الآفات هو الفساد ومن تلك الشبهات هو حب الفاسدين والتودّد لهم والتعامل معهم ممّا يزيد ثقة الفاسدين في فسادهم وينعكس ذلك سلبا على المجتمع وتنميته وعلى ثقافة وتفكير الشباب والاطفال .
ولا شك ان الحكومة تلعب دورا رئيسا في منهجة الفساد وتعلية شأنه في المجتمع وذلك من خلال انتهاج سياسة الشلليّة والمحسوبيّة في التعيينات والضبابيّة في الحساب والعقاب وهذا النهج اتبعته الحكومات المتعاقبة والذي يكتوي بناره الشعب من خلال ارتفاع كلفة المعيشة بالارتفاع المتكرّر للاسعار وانخفاض القيمة الشرائيّة للدينار وارتفاع نسبة البطالة وزيادة عدد المواطنين الذين ينضوون تحت طبقتي الفقر والمعدمين .
وبعد صحوة الربيع اكتوت الحكومة بذلك النهج من خلال انعدام الثقة بين الحكومة والشعب وزيادة الاعباء الامنيّة ومحاولة السير في نهج الاصلاح الذي يتعثّر لأن الادارة الاردنيّة لم تجد امامها سوى نفس الاشخاص للقيام بالاصلاحات بمن يضمُّون من فاسدين ومترهلين وغير مؤهّلين هذا من جهة ومن جهة اخرى عدم ثقة الشعب ببرامج الحكومة الإصلاحية والتصحيحيّة بل ويعتبرها كالوعود السابقة التي تحقّق مزيدا من المكاسب للفاسدين واهل الحظوة على السواء .
والحديث هنا عن دوائر حب الفاسدين التي كانت تسع باستمرار بقصد او بدون قصد وتبتدأ من الفرد نفسه وميله للاختلاط مع اهل الحظوة وهو يعرف ان من بينهم فاسدين وثم دائرة الاسرة وما تحويه من تعدّد بسيط في الوظائف والميول الفكرية والثقافية وبعد ذلك تاتي دائرة العشيرة او الرابطة او الجمعية وهنا تتسع الافكار والاساليب وقد تختلط فيها مصالح العمل والقرابة والنسب والزمالة في الدراسة والعمل وما الى ذلك من علاقات اجتماعيّة منوّعة وموزّعة على مناطق جغرافيّة اوسع والاسوأ في هذه الدائرة هو لغة الامر في بعض الاحيان للتساهل او للتغطية او لتمرير بعض القرارات او التعليمات او الصفقات او الاخبار التي تفوح منها رائحة الفساد او تتستّر تحتها .
والدائرة الأخطر في ذلك هي الدائرة التي تحوي الصالونات السياسية والاجتماعية وجلسات المزارع والنوادي وغير ذلك من اماكن التجمّع المختلط بحيث يجتمع الاردني وغير الاردني والرجل والمرأة والشيخ والشاب والعامل والعاطل عن العمل والمسؤول والمطلوب والغني والفقير والمثقّف والجاهل والمتعلّم والأمّي والشريف والفاسد والعسكري والمدني وتكون جلسات حماعيّة او ثنائيّة او غير ذلك وكل له هدف او مصلحة او طلب او استفسار او بقصد السماع وكتابة تقرير او لتمضية وقت ليس إلاّ .
وقد عايشت تلك الجلسات في مزرعة والدي رحمه الله ولولا انني اعرف انّه كافل للايتام ومُساعد للفقراء والمحتاجين ولم يبخل في تقديم العون والمشورة لاي كان وانّه كان يعطي الاولويّة لابناء الايتام قبلا منّا نحن ابناؤه وكان يتجمّع عنده من عليّة القوم وكبار الموظّفين من مختلف الاديان إضافة لمن سبق ذكرهم الكثير يتناقشون ويتداولون احاديث الساعة وهموم الوطن لولا ذلك لاعتقدت انه كان يُشجّع الفاسدين على فسادهم ولكنّه كان اطهر من ذلك ولم يكن يحب جمع المال ولا يُقطّر في صرفه كما انّه كان لا يبسعى وراء منصب مع انّه اقدر عليه
وقد كان ذو فراسة يميّز الاشخاص وانتمائاتهم بل وميولهم واهدافهم من التواجد وغرضهم المباشر واهم ما كان يفكّر به ان لا يأتي اي ضرر للاردن من اي شخص وكان رحمه الله يردع اي من النوايا نحو ذلك ان وجدت .
وكم كنت ارى الكثير من الحضور يتملّقون لوزراء ومدراء مخابرات ورؤساء حكومات ومدراء دوائر وكل امام ناظريه ماذا سيستفيد ويُحقّق من ذلك المسؤول وهل يستطيع ان يتقرّب منه اكثر وكان لا يهم الشخص ان كان المسؤول فاسدا ام لا وافلح الكثير منهم ان اصبح فاسدا او وزيرا او مديرا .
وذاك الشعب المنافق لم ولن يفرز إلاّ الفاسدين والضعفاء قي ادارة البلد إلاّ من رحم ربّي ......
وحيث انّنا لم نغيّر ما بانفسنا وما نشئنا عليه فإنّ الله لن يُغيّر ما بنا
ولن نستطيع تغيير ما بنا إلاّ إذا صدقنا مع انفسنا ثم مع الله وتجاوزنا مصالحنا الضيّقة الى مصالح الوطن الكبرى ونركز على النشأ الجديد حيث ان جيلنا لم يعد فيه خيرعلى الاغلب لأننا سبب بلائنا كفاسدينا فكل واحد خبير في فساده سواء بقصد او غير قصد وكلّنا مُقصّر مع الوطن فالفاسد رأس الخراب والحكومة سبب البلاء والمواطن الذي يحب الفاسدين ويتملّق لهم ينطبق عليه انّ الساكت عن الفساد شيطان اخرس فلا تلوموا الوطن اذا اصبح آيلا للسقوط فالبناء الذي يُبنى على اساس غير حصين من الفساد لا بدّ ان يبقى عرضة للهزّات وان عملية الاصلاح تزداد كلفتها مع مرّْ الايّام وكما ان الهادم لا يمكن ان يكون بنّاء فالفاسد لا يمكن ان يكون مُصلحا .
إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) صدق الله العظيم