انها اغلى ما أملك
قبل ان اذهب للنوم، ادخل غرفتها واطمئن عليها واغطيها بالغطاء الجديد المزركش والمكشكش، وفي الصباح اعود للاطمئنان عليها، واوصي اهل المنزل ان يعاملوها بلطف ولايتعبوها كثيرا اثناء غيابي عن المنزل. وخلال وجودي بالعمل اتصل بالهاتف عدة مرات باهل المنزل لاطمئن عليها وعن صحتها وعن كيفية عملها وادائها، ولكن مساء امس استأت كثيرا وحزنت انا واسرتي عليها عندما لاحظنا انها بدأت تضعف بهدوء وسكون ودون ان تشتكي لاحد وجعلنا نفكر في صعوبة فراقها ونحن بالكاد بدأنا بالتعود عليها والاستئناس بها وبوجودها لدينا وكيف انها تحرق نفسها لخدمتنا وتؤثرنا على نفسها وذاتها.
والان وبعد ان فارقتها الروح واصبحنا ملزمين باستبدالها تبدأ ازمتنا الثانية هي في كيفية توفير وتأمين ثمن شقيقتها، وعلى حساب اي مصروف او اي نفقة من نفقات المنزل سنقوم بتفضيلها عليه، كونه لايمكن الاستغناء عنها وبالامكان الاستغناء عن رغيف الخبز اما هي فهي تعتبر فردا من افراد ولا نفرق بينها وبين احد ابنائنا في المعزة والغلاة.
ولم لا فقد اصبح ثمنها عشرة دنانير الان، ونحن مضطرون لدفع هذا المبلغ لاسيما الان وفي الشتاء كل يوم بعد يوم او كل ثلاثة ايام باحسن الاحوال، وعلى هذا المنوال فنحن بحاجة الى ما لايقل عن مائة دينار شهريا ثمنا لاسطوانات الغاز.
نعم انها هي اسطوانة الغاز، هي اغلى ما نملك بالمنزل حاليا، فهي تدفئنا من برد الشتاء القارص، وتستنزف مايتبقى لدينا من الراتب وكثيرا ما نستدين من الجيران لدفع ثمنها لنرده اليهم بنهاية الشهر على الراتب نظرا لان بائع الغاز اصبح ارستقراطيا ولانستطيع طلب منه اسطوانه على الدفتر لابل اصبح يتربع في محله وعلينا نحن الذهاب اليه لشراء واحضار الاسطوانة من مقره ولم لا فانه مع الاسعار الجديدة لم يعد تعجبه نسبة الربح ايضا ويريد رفع السعر ايضا، علما انه سابقا لم يكن يحضر الا عندما يتقاضى فوق ارباحه نصف دينار اضافية والا عليك النزول على مدخل المبنى لاستقبال اسطوانتك ورفعها بنفسك الى المنزل، وربما على الحكومة تحديد سعر التوصيل ايضا مع التمييز بين التوصيل للطابق الارضي والاول والثاني وحتى الطابق الاخير، وتحديد الفرق بالسعر بين الاسطوانة الجديدة اللامعة والقديمة الصدئة لانهما لاتستويان. مع اننا فكرنا ودرسنا كل الطرق لطلاق اسطوانة الغاز ونفيها من اسرتنا نهائيا مع هذا السعر الذي لايمكن احتماله ولم نجد من احتمالها بديلا فبدونها سنضطر لحرق اثاث منزلنا قطعة قطعة لتوفير الدفء ولطهو الطعام ولن يكف الاثاث سوى لبضعة ايام وسنعود للبداية.
على كل حال انتهت مأساتنا حيث زارنا جيراننا مساء اليوم للاطمئنان على صحة زوجتي بعد عملية جراحية اجريت لها مؤخرا وقد احضروا لنا معهم (طلة) وهي اسطوانة غاز جديدة خضراء تسر الناظرين.