عودة (معلقة) للسوريين من الأردن لبلادهم


في الساعات الأولى من صباح الأحد الماضي، تجمع اللاجئون السوريون في مخيم الزعتري وهم يرقصون ويغنون ويهتفون في أجواء احتفالية، تزامناً مع وصول نبأ سقوط حكم بشار الأسد، بعد 13 عاما من المعاناة بحثاً عن الحرية؛ غير أن السؤال المطروح هنا: هل سيعود السوريون إلى ديارهم؟

والحال أن ثمة مشاعر متباينة تتقاذف اللاجئين، لكن غالبيتهم تنوي العودة، فيما يظل موعد تلك العودة معلقا باحتياجات متنوعة، بين من ينتظر أن يكمل أطفاله سنتهم الدراسية، ومن ينظر إلى حين استقرار الأوضاع الاقتصادية في سورية، خصوصا وأنه يعمل في الأردن ولديه اكتفاء في سائر متطلبات المعيشة، بحسب الغد.

أبو علي وزوجته اتخذا قرارا نهائيا بالعودة "بس أجيت على الأردن كنت مفكر أسبوع وبرجع، ومرق 12 سنة وأنا بمخيم الزعتري، والعودة لسورية أصبحت قرارا نهائيا”، يقول أبو علي.

غير أن عودة أبو علي لا تعني بأنه سيفقد رباطه بالأردن، وذلك بعدما تزوجت ابنتاه من أردنيين، حيث يقول: "بيتي الثاني الأردن”، لكنه سيعود برفقة زوجته لإكمال ما تبقى من عمره في سورية التي حلم بها، بحسب وصفه.

وأما محمد خلف فهو شاب في العشرينات من عمره، ينحدر من مدينة درعا السورية، ويعيش في مخيم الزعتري، ويصف فرحته قائلاً: "ما بعرف طعم النوم من الفرحة، الآن تذوقت طعم الحرية”، فالجميع يشعر بهذه الفرحة، لكن اتخاذ القرار بالعودة مختلف.

تزوج محمد، ولديه ثلاثة أطفال، ورغم إخباره لأبنائه عن سورية وسبب قدومهم إلى الأردن، لكنهم يرفضون العودة، ويقول: "ابني الكبير بقلي أنا أردني وأصحابي هون، ليش لأروح سورية؟”.

ويكمل محمد حديثه : "ذهبت لإقناع ابني الأصغر، ولكن صُدمت من الرد حين قال لي: نروح زيارة ونرجع أو إذا بدك ارجع لحالك”، ورغم صدمته من موقف أبنائه إلا أن موقفه لا يختلف كثيراً، قائلا "نرغب بالعودة، ومتمسكون بحق العودة، لكن هناك وضع اقتصادي يمنع ذلك”.

وفي هذا الشأن، يفسر الخبير الاجتماعي حسام عايش موقف أبناء محمد، بقوله إن الأطفال ومن هم في سن المراهقة يمكن أن يتأثروا بشكل أكبر من الكبار بالوسط الذي عاشوا فيه، وهناك أطفال لا يعرفون بلدا غير الأردن.

ويضيف عايش: "هؤلاء تلقوا تعليما مختلفا، وبالتالي يمكن أن يؤثر ذلك على فكرهم وثقافتهم وتوجهاتهم السياسية وتطلعاتهم المستقبلية، وربما تكون صدمتهم بالعودة إيجابية أو سلبية اعتمادا على كيفية إدارة النظام الجديد للعلاقات المجتمعية”.

وأشار إلى أن عودة السوريين ستخلق نوعا من الفراغ العاطفي، لأن حضورهم في المشهد الأردني أصبح اعتياديا، ولكن هناك نسبة ستفضل البقاء في الأردن عن العودة حتى تتضح الأمور بسبب صعوبة البنية التحتية التي تحتاج إلى ترميم أو إعادة البناء.. "ولكن رغم ذلك فهم يفضلون العودة”.

ويضيف: "هم بحاجة لدعم نفسي واجتماعي في حال عادوا”، فعودتهم بعد هذه الأحداث الصعبة، بالإضافة إلى ما تم نشره مؤخراً عن سجون المعتقلين، تضعهم في دائرة غير آمنة، وسيحتاجون وقتا لنسيان هذه الأحداث وللاندماج مرة أخرى في بيئة شهدت ظلما.

** آثار اقتصادية

المختص الاقتصادي مازن ارشيد، يؤيد مخاوف محمد وغيره من اللاجئين ذات العلاقة بوضعهم الاقتصادي، ويقول إن هذا الوضع الصعب الذي يواجهه السوريون يلعب دورًا حاسمًا في قرارهم بالعودة إلى وطنهم.

وأكد ارشيد، أن الاستقرار السياسي والاقتصادي في سورية سيكون أهم متطلب لتشجيع عودة اللاجئين إلى ديارهم، وإذا تحقق سيكون بداية جيدة لدوران عجلة الاقتصاد السوري من جديد بشكل يحقق نموا مستداما يحسن من نوعية الحياة هناك؛ مدفوعاً بتحويلات المغتربين السوريين.

"عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم ستؤثر على الاقتصاد الأردني بطرق متعددة”، يقول ارشيد؛ حيث يتأثر سوق العمل سلباً، وتحديداً في القطاعات التي يعتمد فيها أصحاب العمل على العمالة السورية، مثل الزراعة والبناء، وهذا يؤدي إلى نقص في العمالة وزيادة في تكاليف الإنتاج، ما يؤثر على الاقتصاد بشكل عام.

ومن جهة أخرى، يرى ارشيد أن عودة اللاجئين ستخفف من الضغط على البنية التحتية والخدمات العامة مثل الصحة والتعليم، ما قد يؤدي إلى تحسين جودة هذه الخدمات للمواطنين الأردنيين.

** المفوضية: تضارب بالعودة

من جهتها، أكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ، أن اللاجئين السوريين يتابعون عن كثب تطورات الأحداث في بلدهم، ومن المهم أن تتاح لهم المساحة والوقت لتقييم ما تعنيه الحقائق الناشئة على الأرض، من حيث الأمن والأمان وظروف المعيشة، قبل أن يتمكنوا من اتخاذ قرارات مستنيرة حول ما إذا كان الوقت مناسباً لعودتهم أم لا؛ "فالبعض متحمس للعودة، بينما يتردد آخرون”.

وأضافت أن من الواضح أن السوريين سيحتاجون إلى دعم دولي مستمر، سواء في الدول المضيفة مثل الأردن، أو من خلال جهود التعافي المبكر في المناطق داخل سورية التي يعودون إليها، فالأمر ليس اختيارا بين أحدهما، بل إن كليهما ضروري.

وترى "أن الوضع على أرض الواقع شديد التقلب وغير مستقر”، ومع ذلك، فالمفوضية وأسرة الأمم المتحدة ملتزمتان بالبقاء وتقديم الدعم الإنساني لجميع السوريين الأكثر احتياجاً.

وتأمل المفوضية أن تسهم التطورات الأخيرة بانتهاء واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم، قائلة: "بالنظر إلى استمرار حالة عدم اليقين، فإن اللاجئين السوريين يقيّمون بعناية مدى أمان العودة إلى وطنهم”.

وأكدت المفوضية على نقطتين أساسيتين: أولاً، أن لكل لاجئ الحق الأساسي بالعودة إلى وطنه في الوقت الذي يختاره، وأن تكون هذه العودة طوعية وآمنة وتحفظ كرامته، وثانياً، أن الدول التي تستضيف اللاجئين ستظل بحاجة إلى دعم مستمر في أداء مهمتها النبيلة.

بدوره، اعتبر وزير الداخلية مازن الفراية، في تصريحات سابقة "أن الظروف أصبحت مهيأة إلى حد كبير” لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم بعد إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.

وأكد الفراية "أن عودة السوريين إلى بلادهم كانت وما تزال مفتوحة في أي وقت”، مشيرا إلى أن "الأردن يسهل حركتهم بالتنسيق مع المعارضة المسلحة الموجودة على الطرف الآخر من المعبر”.

أبو مزهر، لاجئ سوري يعيش في مخيم الأزرق، وبالنسبة له ولعائلته فالعودة متاحة، لكن ما يمنعه من التفكير بذلك هو الوضع الاقتصادي؛ حيث يقول: " لا بيت ولا شغل، وعيلتنا كبرت بعد الزواج، كيف وليش نرجع؟”.

ويقول أبو مزهر إن طفله عمره 13 سنة، ولد بالمخيم ولا يعرف سوى الكرفان وهواء المخيم: "كيف آخذه لسورية وأقله هاي بلدك؟”.

يذكر أنه يوجد في الأردن 1.3 مليون سوري منذ بداية الأزمة السورية في 2011، بينهم 660 ألف لاجئ مسجل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.