ما علاقة "ضم" الضفة الغربية بالحاجز الامني على الحدود مع الاردن؟ تقرير يوضح ..
بعد إعلان وزارة جيش الاحتلال الإسرائيلي مؤخرا شروعها في وضع مخطط هندسي لبناء ما أطلقت عليه "حاجزا أمنيا" على الحدود مع الأردن، ازدادت التساؤلات عن الدوافع الفعلية لإقامة هذا الجدار، الذي يأتي في مرحلة تُصعّد فيها حكومة الاحتلال مشاريعها وخطواتها على مختلف الصعد سعيا إلى تنفيذ مخططات ضم الضفة والأغوار.
كما يأتي في مرحلة يتجه فيها الاحتلال إلى فرض وقائع على الأرض لا يمكن تغييرها لتحقيق أهدافه في الضفة الغربية ومن أهمها الضم.
ويبلغ طول الحدود مع الأردن 335 كيلومترا، 238 كيلومترا منها مع الاحتلال، و97 كيلومترا مع الضفة الغربية.
أهداف سياسية
ويؤكد الأمين العام للحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والأبارتهايد رمزي عودة، أن مشروع إقامة جدار على الحدود مع الأردن يحمل أهدافا سياسية بالدرجة الأولى، وهذه الأهداف شديدة الخطورة على القضية الفلسطينية، من خلال جعل احتلال الضفة الغربية احتلالا دائما، على الرغم من أن القرارات الدولية تقر أنه احتلال مؤقت.
ويسوق الاحتلال في إطار التمهيد لهذا المشروع العديد من المزاعم المتمثلة في التخوفات من التسلل عبر الحدود، وتهريب الأسلحة، أو حدوث عمليات.
ويضيف عودة، أن هذه الذرائع ليست إلا مجرد حجج يسوقها الاحتلال لتسويغ إقامة الجدار أمام المجتمع الدولي، مضيفا أن الاحتلال يطبق سيطرته الأمنية أساسا على الحدود مع الأردن من خلال وجود منظومة أمن ومراقبة متطورة، وهو ما يعني أن هذا الجدار لن يقدم مزيدا من "الأمن" لإسرائيل، والهدف من ورائه هو الضم وفرض السيادة.
وتابع: إقامة الجدار تؤدي بالمحصلة إلى ضم منطقة الأغوار والضفة فعليا وعمليا، وتحويل ذلك من مخططات إلى أمر واقع، كما أنه من المتوقع أن يؤدي خلال المرحلة الأولى من بنائه إلى الاستيلاء على آلاف الدونمات الإضافية من الأراضي الفلسطينية التابعة للقرى القريبة من الحدود، أي أنه سيزيد من قضم الأراضي وطرد سكانها، وهو ما يعني ضما جزئيا للأغوار وصولا إلى الضم الكامل.
مخططات قديمة
وتُعتبر مشاريع الضم ومخططاته من المشاريع القديمة المترسخة في العقلية الإسرائيلية، إلا أن الحكومة اليمينية الحالية بقيادة نتنياهو تسابق الزمن وتتخذ الخطوات اللازمة كافة لإنجاز هذا الملف بشكل نهائي، ويتضح ذلك جليا من خلال إسناد مهمات وصلاحيات كبيرة بهذا الصدد إلى الوزير المتطرف وزعيم حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش، الذي يقود أيضا "خطة الحسم" التي تعمل على فرض الوقائع الجديدة على الأرض، كما أنها تعمل على تحويل مخططات الضم إلى أمر واقع.
ويوضح عودة أن "الجدار الأمني" الذي يتم التخطيط له حاليا يعد من أهم أدوات الحسم التي تلغي إمكانية انسحاب الاحتلال من الضفة باعتباره احتلالا مؤقتا وفقا للقرارات الدولية، وتحويله إلى احتلال دائم، وبالتالي القضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية.
ويتابع: "لتنفيذ مشروع الضم، يعمل الاحتلال منذ سنوات طويلة على عدة خطوط، ومنها: الاستيلاء على الأراضي في مناطق الأغوار بذرائع ومسميات عديدة ومنها "المحميات الطبيعية"، التي كثفت سلطات الاحتلال اللجوء إليها منذ نهايات العام الماضي وخلال العام الحالي، واستولت من خلالها على آلاف الدونمات الإضافية من أراضي الأغوار، كما أن الاحتلال عمل على توسيع المستعمرات لتقطيع أوصال الأغوار وفصلها عن باقي مناطق الضفة، وأخيرا يأتي مخطط "الجدار الأمني" على الحدود ليتكامل مع الإجراءات السابقة لتحويل مخططات الضم إلى حقيقة".
مخاطر ممتدة
وبالإضافة إلى التبعات السياسية الخطيرة لإقامة هذا الجدار على الجانب الفلسطيني، فإن مخاطره تمتد أيضا إلى الأردن، وفقا لعودة، مشيرا إلى أن وجود حدود صناعية دائمة للاحتلال مع الأردن يشكل تهديدا مباشرا ومستداما للأمن القومي الأردني، ففي الوضع الحالي تعد إسرائيل دولة قائمة بالاحتلال للضفة الغربية، وحسب القانون الدولي يجب أن تنهي احتلالها، ولكن إذا أقيم هذا الجدار تصبح هناك قوات معادية دائمة الوجود على الحدود مع الأردن.
وتوقع عودة أن يواجه تنفيذ هذا الجدار العديد من العراقيل وألا يتم بسهولة، وقد يواجه رفضا كبيرا بالدرجة الأولى من الأردن، فمن المتوقع أن تتوتر العلاقات الأردنية الإسرائيلية، وأن يمارس الأردن ضغوطا دبلوماسية كبيرة، وكل ذلك من الممكن أن يؤثر في مسار عمل الجدار.
من جهته، يشير المحلل المختص بالشأن الإسرائيلي عصمت منصور إلى أن كل خطوة أمنية يقوم بها الاحتلال لها أبعاد سياسية، خاصة عند النظر إلى طريقة تفكير الحكومة اليمينية الحالية وتنكرها لحل الدولتين، وسعيها إلى حسم الصراع بالقوة، وتعزيز الاستعمار، ونظرتها إلى كل ما يتعلق بالأراضي المحتلة عام 1967، مضيفا أن سلطات الاحتلال من خلال كل ما تقوم به تؤسس لوجود دائم في الضفة الغربية وليس كدولة قائمة بالاحتلال.
ويوضح أن سلطات الاحتلال من خلال هذه المخططات تخلق وقائع على الأرض بذرائع أمنية، مشيرا إلى أن حدود الضفة الغربية مع الأردن هي أساسا حدود فلسطينية أردنية محتلة وليست حدودا إسرائيلية أردنية، وإقامة جدار بهذا الشكل الذي يخطط له الاحتلال تعني التعامل معها بحكم الأمر الواقع وكأنها أراضٍ إسرائيلية، وهذا له أبعاد سياسية وقانونية خطيرة، وفقا لمنصور.
تكريس الضم
وينوه إلى أن إقامة جدار على الحدود تعزز مساعي الاحتلال إلى ضم الأغوار والضفة، كما أنها تأتي في إطار خلق وقائع تكرس الضم وتحوله إلى أمر واقع، وخاصة بالنظر إلى أنه لا يمكن الفصل بين أي أمر تنفذه سلطات الاحتلال على الأرض وبين أيديولوجيا الحكومة اليمينية ونظرتها إلى الضفة.
ويؤكد، أن الاحتلال سبق هذه الخطوة بإطلاق حملات إعلامية كبيرة وتسويقها للعالم بأن هذه الحدود غير آمنة وأنها مخترقة، كما أنه يستغل أي حدث لتمرير ذلك الادعاء وتسويق الأمر على أنه ضمن الصراع بين إيران وإسرائيل وليس بين أصحاب أرض ودولة قائمة بالاحتلال.
ويحذر منصور من خطورة كل ما يجري من خطوات ومخططات إسرائيلية في الوقت الراهن بهذا الصدد، "وخاصة أن هناك اجتماعات تجري على مستوى أحزاب الاحتلال ومؤسساته للتفكير في كيفية استغلال فترة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب القادمة، وتعزيز الأمر الواقع المؤدي إلى الضم، فالمخططات والإرادة الإسرائيلية لذلك موجودتان، كما أن التمويل لهذه المشاريع متوفر، فوزارة المالية من خلال سموتريتش تضخ مليارات الدولارات لمشاريع الاستعمار والضم وحسم الصراع، وإذا جاءت إدارة أمريكية موالية ودعمت هذا التوجه فلا شيء سيمنع الاحتلال من إنفاذ هذه المخططات".
وكان وزير جيش الاحتلال "يسرائيل كاتس"، قد أعلن نهاية الشهر الماضي البدء بعمل مخطط هندسي لبناء "جدار أمني" على الحدود الشرقية مع الأردن.