بعد زيارة عراقجي لدول المنطقة .. ما هي الرسائل التي تسعى إيران لإيصالها؟
في ضوء الضربات الإيرانية الإسرائيلية المتبادلة وتصاعد الأزمة بعد الحرب الصهيونية الدامية على غزة ولبنان واستمرار مسلسل اغتيال القادة، توجه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الأربعاء الماضي، إلى عمان، في زيارة هي الأولى له إلى الأردن منذ توليه منصبه في آب (أغسطس) الماضي، بهدف بحث التطورات الإقليمية.
وقالت وكالة "رويترز" إنه كان من المقرر أن تشمل الجولة مصر وتركيا أيضا، في إطار جهود دبلوماسية تهدف لتهدئة الأوضاع المتوترة في المنطقة.
وآنذاك، صرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، بأن هذه الزيارات تأتي لـ"تعزيز الدبلوماسية الإيرانية، ولتحقيق السلام والاستقرار الإقليميين، في ظل تصاعد المخاوف من اتساع دائرة الصراع".
وفي عمان، حذر جلالة الملك عبدالله الثاني من أن استمرار القتل والتدمير سيبقي المنطقة رهينة العنف وتوسيع الصراع.
وشدد جلالته على ضرورة وقف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان كخطوة أولى نحو التهدئة، مجددا التأكيد أن الأردن لن يكون ساحة للصراعات الإقليمية.
وأكد محللون سياسيون أن طهران أرادت إيصال جملة من الرسائل التي من بينها أنها غير معنية بتصعيد الحرب بالإضافة إلى أنها لا تريد أن تسمح أي دولة في المنطقة باستخدام أجوائها لعبور الطائرات الحربية الإسرائيلية نحو إيران.
وفي هذا السياق، أكد الباحث في الدراسات الأمنية والإستراتيجية د.عامر السبايلة: يمكن النظر لهذه الزيارات المكوكية من زاويتين اثنتين.
ولفت السبايلة إلى أن الزاوية الأولى، تكمن باستشعار إيران بأن الضربة الإسرائيلية حتمية، وبالتالي فإن الزيارات هي محاولة للاحتواء عبر تفعيل الدبلوماسية وعزل المحيط الجغرافي وممارسة ضغط من قبل هذه الدول.
وأكد أن هذا قد يؤدي لحرب شاملة وبالتالي محاولة التواصل مع الأطراف جميعها، وعدم تحويل إيران إلى هدف للجميع.
وأوضح أن الزيارة ترسل رسائل على صعيد هذه الدول أنها لا ترغب في التصعيد وغير معنية بحرب شاملة وغير معنية أيضا بأن تدخل المنطقة في هذه الحرب.
وفي الوقت نفسه، بين السبايلة أن الزاوية الثانية، هي محاولة طهران أن تقول للدول الواقعة في جغرافيا الصراع فيما بين إسرائيل وإيران، أن ردودها في النهاية يمكن أن تطال الجميع وهي ترى في هذا الموضوع رغبة بتخفيف التصعيد وتحويل هذه الدول إلى ضاغط على الولايات المتحدة لمنع الاستهداف.
إلى ذلك، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية الأردنية الدكتور بدر الماضي، أن إيران ما تزال تعتقد أنه بإمكانها ترميم علاقاتها مع دول المنطقة لكن بشرط الحفاظ على وكلائها بحجة المقاومة.
وأضاف الماضي "في كل الزيارات التي تمت، هناك فهم مختلف من الدول المستضيفة وإيران حيث تريد طهران أن تسوق نفسها كدولة عاقلة وفاعلة ضمن الحدود المتعارف عليها في التنافس الإقليمي".
وتابع "لكن الدول التي استضافت وزير الخارجية الإيراني لديها مخاوف وعدم اطمئنان من عدم صدقية الموقف الإيراني لأن كل التقديرات السياسية والإستراتيجية تقول إن طهران لا تملك خيارات كثيرة".
وأوضح الماضي أن هذه التقديرات تدور حول محاولات وقف تدخلاتها السافرة في بعض الدول العربية وبالتالي وقف حالة عدم الاستقرار التي تدعمها إيران، أو أنها تستمر بنفس السياسات وبالتالي عليها وعلى المجموعات التابعة لها أن تتحمل تبعات مثل هذه المواقف.
وقال "لن تتوقف دولة الاحتلال ومن خلفها الولايات المتحدة من ممارسة أقصى الضغوط على إيران في هذا الظرف بالذات لأن الفرصة المتاحة لن تتكرر في الخلاص من مصادر التهديد على الأمن القومي الإسرائيلي من قبل الأدوات الإيرانية في المنطقة وخاصة حزب الله"، كما يعتقد الكيان الصهيوني.
بدوره، قال رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د.خالد شنيكات، إن زيارة عراقجي لدول في المنطقة لها عدة أسباب وتحمل ملفات مختلفة.
وأشار شنيكات إلى أن الملف الأول هو التأكيد على استمرارية العلاقة بين إيران ودول المنطقة، مبينا أن طهران تريد إبقاء حلقة تواصل أو اتصال ما بينها وبين الدول في محيطها وبشكل خاص مع الأردن ومصر ودول الخليج.
ولفت إلى أن القضية الأخرى، ترتكز حول التحذير من مغبة توسع الصراع لأن إيران حتى منذ بدء معركة طوفان الأقصى، كانت تشدد في كل سياستها على أنها لا ترغب بالتوسع في الصراع لسبب أو آخر.
وقال إنه عقب الرد الصاروخي الإيراني بعد اغتيال حسن نصر الله وإسماعيل هنية، كان هناك خشية من ضربة إسرائيلية تدفع طهران للانخراط بشكل كلي في الحرب.
وبين شنيكات أنه لهذا تحذر إيران وتريد إيصال رسائل سواء بشكل مباشر عبر إعلامها أو عبر أطراف غير مباشرة أو عبر الاتصال حتى بالولايات المتحدة ودول أخرى في المنطقة، أنها لا تسعى للحرب.
وأضاف أن القضية الأخرى التي تسعى طهران هي التأكيد على أنها سترفض استخدام أجواء دول المنطقة لعبور الصواريخ الإسرائيلية عبر أجوائها باتجاه إيران.
وقال إن إيران تعتبر أن هذا السلوك لا يمكن التسامح معه وقد يواجه برد.
وأشار شنيكات إلى أن القضية الأخيرة التي تود إيران التأكيد عليها هي بالضغط قدما على كل دول العالم المعنية بالصراع في المنطقة من أجل وقف إطلاق النار في غزة ولبنان.
وقال إن إيران ومنذ البداية وبحسب تصريحات دبلوماسييها، تؤيد وقف إطلاق النار ووقف الحرب في قطاع غزة.
وأكد شنيكات أن هذا ما تود طهران التأكيد عليه على الأقل في ضوء الرسائل التي ينقلها إعلامها او تصريحات الدبلوماسيين لديها من الرئيس الإيراني ووزير الخارجية أو غيرهم.
وأضاف "من جهة أخرى، نجد أيضا تهديدات لإسرائيل بان الرد الإيراني هذه المرة قد يكون ساحقا. وقد يكون كارثيا بالنسبة لدولة الاحتلال".
ولفت إلى أن هذه التحذيرات تأتي أيضا من أجل الضغط على تل أبيب لثنيها عن القيام بضربة على إيران.
الغد