بيت الدرج ..!


بُحَ صوت السيد ناصر اللحام مراسل فضائية " الميادين " في فلسطين المحتلة وهو يرسل التقرير تلو التقرير طوال أيام العدوان الأخير على قطاع غزة لينقل للمشاهدين جانبا من ردود الأفعال ، والإنعكاسات الداخلية ، التي أصابت الكيان الصهيوني على أكثر من صعيد

المراسل وفي كل إطلالة كان يتعمد التركيزعلى الهلع ، والجزع ، و الرعب الذي أصاب المستوطنين من قطعان هذا الكيان والذي قلب حياتهم رأسا على عقب ، فصواريخ المقاومة الفلسطينية التي كانت تتساقط فوق رؤوسهم شلت وأوقفت مختلف جوانب حياتهم ، وحرمتهم مما كانوا ينعمون به من إمتيازات .


بيت الدرج ، هو الحكاية التي كان يسعى مراسل هذه الفضائية إلى تسليط الأضواء عليه مع كل ظهور له على الشاشة ، فبيت الدرج وحسب ما هو شائع ودارج في أوساط الكيان الصهيوني يقصد به الملجأ ، أو مكان الحماية والإختباء ، فما أن تدوي صفارات الإنذار معلنة وصول الصواريخ حتى يسارع الجميع إلى بيت الدرج خوفا من الضرر الذي يمكن أن يلحق بهم .


طائرات الموت الصهيونية التي لم تتوقف غاراتها المجرمة على القطاع الصامد والمقاوم ، كانت تترك خلفها ملايين من الصهاينة المرعوبين الذين وقعوا في دائرة الرعب التي جرتهم إلى داخلها صواريخ المقاومة التي فرضت نفسها أيضا على قيادات هذا العدو السياسية والعسكرية وكمتغير نوعي وجديد في معادلة الصراع الذي لن ينتهي إلا بزوال وكنس هذا الإحتلال عن أرض الوطن الفلسطيني ، فكل الشكر لبيت الدرج هذا الذي تحول وبشكل غير مباشر إلى سلاح صديق للنضال الوطني التحرري الفلسطيني .


كل من يعرف عدونا الصهيوني يعلم جيدا أنه قادر ويمتلك كل الإمكانيات لتعويض كل أنواع الخسائر التي يمكن أن تصيبه ، فالسلاح ، وكل منشآت البنى التحتية الإقتصادية التي يمكن أن تتضرر من السهل عليه تعويضها وبأسرع وقت ممكن بقوة المال ، وبدعم الكثير من الدول المنحازة له ولجرائمه التي لا يتوانى ولا يتردد في إرتكابها ، ولكن ، وكما ثبت من جولة المنازلة الأخيرة بيننا وبينه ، فإن عليه أن يحسب ألف حساب لبيت الدرج ، الذي لم يكن مهيئاً لإستيعاب جميع الفارين ، حيث لجأ البعض منهم إلى قنوات المجاري ، و الصرف الصحي ، ليختبئ بداخلها و هو يصب غضبه على نتنياهو و براك و ليبرمان و قبتهم الحديدية الفاشلة .


من يراجع التاريخ ، سيكتشف مقدار الجهد والعناء الذي بذلته ولا تزال منظمات الهجرة الصهيونية لتزويد ومد كيانها المصطنع بالعنصر البشري ، لأنهم على قناعة راسخة بأنهم ومهما حشدوا ووفروا من مقومات وعوامل البقاء ، فلا شيء يغني عن البشر ، فهم الأساس الذي يقوم عليه مبدأ مواصلة الحياة حتى ولو كانت مبنية على الكذب والتزوير وإحتلال وإغتصاب أوطان الشعوب الأخرى .


وأي إختلال قد يصيب الرابط بين هذا العنصر البشري وبين الكيان سيؤدي حتما إلى نتائج وخيمة وكارثية على الطرفين ، خصوصا إذا ما علمنا أن كل أواصر هذا الرابط إنما تقوم بالأساس على تبادل المنفعة ، والمصلحة الذاتية الضيقة ، والتي لا علاقة لها أبدا بفكرة ومبدأ وجود الوطن والمواطنة وما يتطلبه ذلك من إنتماء .


عصابات ، وقطاع طرق ، بشرلاعلاقة لهم بالإنسانية ، قتلة ، ومصاصين دماء ، جماعات منبوذة ومطرودة من حيث كانت ، وها هم يظهرون على حقيقتهم ، فلا مكان لهم على وجه هذه المعمورة سوى بيت الدرج يندسون إلى داخله كالجرذان ، فعلى أرض فلسطين لا شمس لهم ولا قمر ، على أرض فلسطين ليس لهم ليل أو نهار ، على أرضها لا تراب لهم و لا شجر، فليستعدوا لما تحمله لهم الأوقات القادمة لأنها ستكون أصعب وأشد من ذلك الذي مروا به جراء رشقات صواريخ لا شك أبدا في أنها سوف تتطور أكثر في مداها وفي قدرتها التدميرية .


في رواية ( زمن الخيول البيضاء ) كتب الشاعر والروائي إبراهيم نصر الله على لسان بطل الرواية قوله : " أنا لا أقاتل كي أنتصر، بل كي لا يضيع حقي " ، وهذا ما فعلته غزة ومقاومتها وهي تتصدى للعدوان الغادر والجبان ، فهي لم تقاتل كي تنتصر علي الجيش الذي لا يقهر ، ولكنها بلحمها ودمها قاتلت وصمدت دفاعا عن الحق الفلسطيني الذي لن يضيع ، وهذا ما كان لها بعد أن فرضت عليهم الإختباء في بيت الدرج ، نعم ، لقد قاتلت وانتصرت غزة ومقاومتها في معركة الدفاع عن الحق التاريخي الذي ستحمله الأجيال وتمضي به نحو شمس النهار التي سوف تشرق على الأرض الفلسطينية وعندها لن يكون لهم مكان أو متسع حتى في بيت الدرج لأنه لنا وحدنا ، فنحن أصحابه وإلينا سيعود .