إقرار أميركي بصواب رؤية الملك الساعية لتفادي غزو العراق

بثت قناة "المملكة"، الجزء الأول من سلسلة وثائقي "العهد" الذي يتحدث عن مسيرة جلالة الملك عبدالله الثاني خلال ربع قرن مضى، والذي كشف إلحاح الملك في محاولاته الحثيثة لتجنب الخيار العسكري قبيل الغزو الأميركي للعراق عام 2003، لكن الإدارة الأميركية كانت مصممة على خيار الحرب في التعامل مع الأزمة العراقية، ليكشف مسؤولون أميركيون لاحقا عن صواب رؤى الملك في هذا الملف.

وأجرى الملك لقاءات عدة في سعي منه لتحذير الإدارة الأميركية من عواقب الحرب على بلاد الرافدين والفوضى المتوقعة.

"نتائج وخيمة"

وحذر الملك من أن الحرب ستفتح الباب على فوضى لا يمكن لواشنطن التعامل معها، وحاول الملك بكل جهد منع وقوع مثل هذه الحرب، بحسب المعشر.

والتقى الملك الرئيس الأميركي في حينه جورج بوش في 1 آب/أغسطس 2002، للحديث عن موضوعين، أحدهما العراق وتحذير الولايات المتحدة من أن الحرب ستأتي بنتائج وخيمة، وكذلك القضية الفلسطينية، بحسب المعشر.



يقول عضو تجمع أصدقاء الأردن في الكونغرس تشارلز بستاني: "لقد كان محقا في التنبؤ بما سيحدث".

"الملك أصاب الهدف"

كما يقول نائب قائد القوات الأميركية في 2003 مارك كيميت، إن "الأردن حذر من حل الجيش العراقي ... وأنا أدرك سبب اتخاذ الملك لهذا القرار وذلك لعدم السماح باستخدام الأردن كمنصة انطلاق لهجوم بقوة 25 ألف جندي على العراق، وأعتقد أن معظم الأشخاص في المستويات العليا في الحكومة الأميركية تفهموا هذا القرار".

وتبين أن الكثير مما قاله الملك آنذاك كان صحيحا، وأصبح الوضع في المنطقة أكثر اضطرابا وذلك بسبب الأنشطة الإيرانية في المقام الأول وبالطبع من خلال العمليات والأنشطة الإرهابية، بحسب كيميت.



ويشرح المعشر أن الملك حذر مبكرا من مغبة حل الجيش العراقي وتسريحه ومن حل الإدارة والبيروقراطية العراقية باعتبار أن ذلك سيخلق فوضى أمنية وفوضى إدارية وفوضى سياسية، لكن الجانب الأميركي لم يستمع إلى ذلك، وكان يستمع بشكل أساسي إلى أشخاص محددين كانت لهم علاقات وثيقة مع بعض أركان الإدارة الأميركية في عهد الرئيس بوش الذي "اعترف بعد الحرب بأن نصيحة الأردن كانت صادقة وحقيقية".



مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق ديفيد شينكير يستذكر نقاشا بين الملك ووزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد حول تداعيات الحرب، والملك أصاب الهدف، وربما كان يدرك أن إيران قد تستفيد بطريقة أو بأخرى من ذلك، لكنه بالتأكيد كان يدرك تداعيات ذلك على الأردن.

"زيارة سرية"

يروي رئيس الوزراء السابق علي أبو الراغب أن الملك طلب منه نقل رسالة للرئيس العراقي في حينه صدام حسين في زيارة سرية، ويضيف أبو الراغب أن العراق قريب جدا من الأردن الذي يرتبط بعلاقة خاصة مع بلاد الرافدين وهناك حاجة للأردن أن يكون بعدا استراتيجيا للعراق.

يستذكر وزير الدولة لشؤون الإعلام السابق والمدير الأسبق للإعلام العربي في الديوان الملكي الهاشمي أمجد العضايلة، أن الملك هيأ الرأي العام الأردني بأن الخطوة التي ستجري في العراق قاسية وصعبة ومهمة، وأن "الأردن ضد احتلال العراق، وضد غزو العراق، ولن تكون الأراضي الأردنية مسرحا لأي عمليات تستهدف العراق"، ولذلك لا بد من المحافظة على أمن واستقرار الأردن ومساعدة العراق قدر الإمكان.



أبو الراغب يقول: "حاولنا أن نركز على مصالح الأردن وفعلا قمنا بذلك وخزنا نفطا بكميات كبيرة جدا تبلغ قرابة 700-800 ألف طن، وتحسبنا لأي إشكالات اقتصادية أو أي أمور معينة ممكن أن تؤثر علينا".

آثار صعبة

يصف مدير مكتب جلالة الملك عبدالله الثاني جعفر حسان آثار الحرب على العراق في 2003 على الأردن بأنها كانت صعبة من حيث اللجوء وتأثيرها على كلف الطاقة والقدرة على استيعاب الصدمة الأولى خلال السنوات الأولى بعد الحرب من حيث التزود بالطاقة وأسعار النفط.

يقول رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، إن الأردن تحمل تبعات الحصار الاقتصادي على العراق وانعكاساته عندما كان هناك هجرة كبيرة من العراقيين للأردن.



ويضيف الكاظمي أن انتقال أكثر من مليون عراقي إلى الأردن خلق وضعا صعبا جدا، وانعكس على الوضع الاقتصادي في الأردن وعلى الوضع الاجتماعي، ومع كل ذلك رأينا الملك والشعب الأردني يحتضن العراقيين في هذا الظرف.



يقول رئيس تيار الحكمة العراقي عمار الحكيم، إن الملك لديه رؤية خاصة تجاه العراق، وأخبره في لقاء سابق: "نحن في الأردن عين على الأردن وعين على العراق ... لأن أي مشكلة تحصل في العراق تمتد للمنطقة برمتها"، كما يقول رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي، إن "الملك كان لديه استعداد كبير لدعم العراق وأي دولة تحتاج الدعم".

إطفاء النيران

ويقول الكاظمي إن الأردن ملكا وحكومة وشعبا كان له دائما موقف مشرف مع قضايا الشعب العراقي بكل الظروف التي مر بها العراق، والأردن كان له محاولات لمنع الحرب لكن قرار الحرب كان متخذا في واشنطن ومن بعض الدول في الغرب.

ويشير الكاظمي إلى أن الأردن حاول مساعدة العراقيين والملك ينظر إلى أن استقرار الأردن نابع من استقرار العراق، فعمل بكل قوة على استقرار العراق وإطفاء النيران حتى ينعكس إيجابا على وضع الأردنيين.