قراءة في قرار محكمة امن الدولة باحتساب مدة اقامة شاهين في الخارج من مدة محكوميته

حسمت محكمة امن الدولة الاردنية مؤخراً الجدل القانوني الذي احتدم قبل فترة بشأن مدى جواز اعتبار المدة التي قضاها السيد خالد شاهين خارج الاردن محسوبة من مدة محكوميته تبعاً لقرار وزير الداخلية السماح له بالانتقال للعلاج في احد المستشفيات البريطانية على اعتبار ان مثل ذلك يعد قراراً ضمنياً باعتبار ذلك المكان بمثابة مركز اصلاح وتأهيل.
وقد حسمت محكمة امن الدولة الخلاف السابق بقرارها الصادر باحتساب مدة اقامة السيد خالد شاهين الخارج من مدة محكوميته، واذا كان لي ان اعلق على قرار محكمة امن الدولة الموقرة فإنني اقرر بملئ الفم عدم تأييدي لاحتساب المدة التي قضاها السيد شاهين في الخارج من مدة محكوميته باعتبارها مدة مقضَّاةً بمركز اصلاح وتأهيل.
ونقطة البدء في استعراض رأينا القانوني هذا تتمثل في تفسير النص القانوني المتمثل في المادة (3) من قانون مراكز الاصلاح والتأهيل لسنة 2004 والتي نصت على ان [للوزير بتنسيب من المدير ان يقرر اعتبار اي مكان في المملكة مركزا للاصلاح والتاهيل باعلان صادر عنه او ان يقرر الغاءه بالطريقة ذاتها]. وبالرجوع الى المادة (2) من ذات القانون المذكور نجدها تعرف "الوزير" وحيثما ورد لفظها في ذلك القانون بانه يقصد بها "وزير الداخلية".
ومن خلال قراءتنا للنص السابق نقول بما يلي:
أولاً: ان مجرد الاستناد الى المادة (3) ذات النص اعلاه من القانون المذكور لا يخول اعتبار اي مكان كمنزل للمحكوم عليه او مستشفى يقيم به بمثابة مركز اصلاح وتاهيل، ذلك انه اذا كانت قراءة ذلك النص وحده وبمعزل عن باقي النصوص يوصلنا الى ذلك التفسير، فإن من مسلمات التفسير السليم والصحيح لنصوص القانون الا يفسر كل نص باعتباره جزيرة منعزلة ومنبتة الصلة عن باقي نصوص القانون

فمبدأ وحدة القانون توجب على من يتعامل مع النص القانوني ان يقرأه كوحدة واحدة مع جميع نصوص القانون ذي الصلة في المقام الاول ومع جميع القواعد القانونية المكونة لجسد النظام القانوني في الدولة على اختلاف طبيعتها ومصادرها في مرتبة تالية، وكل ذلك سعياً وراء تجنب محذور واحد ووحيد هو التناقض الظاهري الذي توقعنا به قراءة كل نص قانوني على حدة دون النصوص الاخرى التي تتزاحم حكم ذات العلاقة او ذات المركز القانوني.


وعليه، فلا بد ولتفسير عبارة "مركز اصلاح وتأهيل" الواردة في المادة (3) من ذلك القانون الا تقرأ بمعزل عن باقي نصوص القانون المذكور، والتي من اهمها المواد (4-7) والمادتين (10 و13) من ذات القانون والتي لا يمكن بحال ان تتفق طبيعتها مع التفسير المراد منه اعتبار اي مكان –أياً كانت طبيعته وان كان بيتاً او مستشفىً- بمثابة مركز اصلاح وتأهيل.

وعليه، فإن التفسير السليم والقويم للمادة (3) من قانون مراكز الاصلاح والتأهيل يكون بصلاحية وزير الداخلية اعلان اي مكان (مؤهل ومعد سلفاً ومجهز لهذه الغاية) باعتباره مركز اصلاح وتأهيل، حيث يتوجب ان يكون المكان الذي يملك وزير الداخلية اعتباره مركز اصلاح وتأهيل ان يكون كما قلنا مكاناً خاصاً مؤهلاً ومعداً سلفاً ومجهزاً لهذه الغاية تحديداً اي للاضطلاع بمهام الاصلاح والتاهيل، بدليل مهام المركز في المادة (4) من ذلك القانون والادارة والحراسة والتفتيش والادخال وحقوق النزلاء الواردة في المواد (5، 6، 7، 10، 13) منه،

وجميع الاحكام السابقة التي اسندها المشرع في تلك المواد الى "مراكز الاصلاح والتأهيل" لا تتناسب البتة مع التفسير السابق بصلاحية وزير الداخلية في اعتبار اي مكان (وان لم يكن معداً اصلاً لهذه الغاية) بمثابة مركز للاصلاح والتأهيل.

ثانياً: وبالتناوب مع ما سبق، فإنه وحتى بفرض صحة التفسير الذي لم نقره في (أولاً) اعلاه (والمتمثل في جواز اعتبار بيت المحكوم خالد شاهين بمثابة مركز اصلاح وتأهيل)، فإننا نرى بأنه ولجواز احتساب المدة التي قضاها شاهين خارج مركز الاصلاح والتأهيل لا بد من توافر ثلاثة شروط مجتمعة هي:


1) ان يصدر القرار باعتبار مكان معين بمثابة مركز اصلاح وتأهيل قبل المدة موضوع البحث، بحيث لا يجوز ان يسري مثل ذلك القرار بأثر رجعي على المدد التي سبقت صدوره، ومثل هذا الشرط امر مفترض عقلاً ومنطقاً لكي لا تستخدم سلطة وزير الداخلية كوسيلة او غطاء لمجاوزة القانون والتحايل على احكامه.


2) واما الشرط الثاني فيتمثل في ضرورة ان يكون مثل ذلك المكان المحدد داخل الاراضي الاردنية، ومثل هذا الشرط مفترض عقلاً ومنطقاً ايضاً، فليس لوزير الداخلية الاردني اعتبار اي مكان خارج حدود الاقليم الاردني بمثابة مركز اصلاح وتأهيل، ببساطة لأنه لا ولاية لاية سلطة اردنية خارج حدود الاقليم الاردني، وذلك احتراماً لسيادة الغير على اقليمه والذي نطالبه في المقابل من ذلك احترامه لسيادتنا على اقليمنا.


3) واما الشرط الثالث فيتمثل بضرورة التقيد بالاقامة في المكان المحدد كمركز اصلاح وتأهيل، ومثل هذا الشرط مفترض ايضاً عقلاً ومنطقاً، والا فلا يجوز اعتبار المدة التي قضاها المحكوم عليه هارباً من منزله ليتنقل بين ارجاء اوروبا بمثابة مدة منفذة من مدة محكوميته بل بمثابة مدة تهرب خلالها من تنفيذ العقوبة الصادرة بحقه. وذلك قياساً من باب اولى على هروب النزيل من مركز الاصلاح والتأهيل (الاصيل)

فالمدة التي قضَّاها متهرباً من تنفيذ العقوبة بحقه هنالك لا تحتسب من اجمالي مدة العقوبة الصادرة بحقه، وبالتالي فمن باب اولى انطباق ذات الحكم في حالة تهرب المحكوم عليه وتملُّصه من تنفيذ العقوبة بحقه في حالة مركز الاصلاح والتأهيل (الحكمي) اي البيت او المستشفى كما قلنا، اذ لا يجوز احتسابها من اجمالي المدة المحكوم بها عليه، لعلة هي اقوى في الحالة الثانية وهي ان هروب المحكوم عليه من بيته او مستشفاه يكون في الغالب اسهل من هروبه من المكان المعد اصلاً لان يكون مركزاً للاصلاح والتأهيل، ووجه تحقق هذه العلة يتمثل في ضرورة ان يجازى من تتوافر لديه الظروف المسهلة لمخالفة القانون بشكل اكبر من غيره ممن لا تتوافر لديه مثل تلك الظروف.


ثالثاً: اما عما اثاره جانب من اساتذتنا الكرام والذين نكن لهم كل تقدير، من الاستناد الى المادة (25) من قانون مراكز الاصلاح والتأهيل لتبرير اعتبار المدة التي قضاها المحكوم عليه هنالك مدة محتسبة من اجمالي مدة محكوميته. فنرد عليه بالقول بأنه وبالرجوع الى نص المادة (25) من القانون المذكور نجده تنص على انه [اذا استدعت حالة النزيل علاجاً في مستشفى تتولى ادارة المركز وبناء على تقرير طبيب المركز نقل النزيل الى المستشفى وتتم اعادته الى المركز بعد الانتهاء من علاجه].

وبقراءة هذا النص نجد بخصوصه ما يلي:
1) لم ترد في المادة (25) من القانون المذكور اية اشارة الى احتساب المدة التي يقضيها النزيل في المستشفى من ضمن اجمالي مدة محكوميته، مما يعني ضرورة تفسير ذلك في اطار القواعد العامة التي تقتضي عدم احتساب مثل تلك المدة الا اذا بقي المحكوم عليه في قبضة (وضمن سلطة وتحت تصرف) السلطة العامة وان كان بداخل المستشفى، مما يعني ان ترك المحكوم عليه حراً للذهاب والسفر الى بريطانيا وان كان بقصد العلاج الا انه لم يعد اذاك والحالة كهذه في قبضة السلطة العامة وتحت تصرفها، اي ان عقوبة الحبس او الوضع في الاشغال الشاقة

وان كان يقبل تجاوزاً ان يكون خارج مبنى مركز الاصلاح والتاهيل اي بمستشفى او غيره، فلا يجوز ان يكون ذلك بأي حال دون قوة مسلحة تقيد حركة المحكوم عليه والا فقدت مثل هذه العقوبة جوهرها ومعناها الحقيقيين بل وفقدت قوامها الذي لا تتحقق ماهيتها الذاتية الا به الا وهو "معنى تقييد الحرية"، ومثل هذا المعنى فقدته السلطة العامة ولم يتوافر في حالة السيد شاهين الذي فلت من اطار اية سلطة مهما كان نوعها للاردن بخروجه من اطار الاقيلم الاردني وذهابه الى بريطانيا حراً دون اي قيد، فاين نجد (في كل ذلك) او حتى نتلمس ايَّ معنىً لاي تقييد للحرية والذي ترتكز عليه عقوبة الحبس في ماهيتها وحقيقتها اصلاً كما سبق وأسلفنا؟


2) اما القول بأن لفظ "مستشفى" في المادة (25) قد جاء عاماً ومطلقاً دون ان يخصص او يقيد بضرورة ان يكون مثل ذلك المستشفى اردنياً ام لا، فنقول بشأنه أن المقصود بلفظ "مستشفى" الوارد في المادة (25) من القانون المذكور هو "المستشفى الاردني" لا غير، ودليلنا في هذا التفسير يتمثل في انه حتى وان كان لفظ "مستشفى" جاء عاماً مطلقاً، الا ان هنالك العديد من القرائن التي تخصص مثل هذا اللفظ لتحصره بالتالي يضرورة ان يكون مثل ذلك المستشفى الوارد النص عليه في النص السابق اردنياً اي داخل حدود الاقليم الاردني، وقرائن او دلائل التخصيص هذه منها ما هو داخلي (اي ورد النص عليه بذات المادة) ومنها ما هو خارجي اي بمادة اخرى. ومثل هذه الدلائل والقرائن لا بد من مراعاتها كلها احتراماً لمبدأ "وحدة النظام القانوني" كما سبق وقدمنا.

ومن الممكن مناقشة وعرض هذه الدلائل كما يلي:
أ‌- فأما دلائل التخصيص الداخلية فتتمثل في كل من عبارة "تتولى ادارة المركز ... النزيل الى المستشفى ..." وعبارة "... وتتم اعادته الى المركز بعد الانتهاء من علاجه"، فكل من الحكمين المتضمنين في تلكما العبارتين لا يمكن ان يستقيم تطبيقهما الا اذا كان المشرع قصد من لفظ "المستشفى" المستشفى الاردني فقط لا غير، فكيف نضمن لادارة مركز الاصلاح ان تتولى نقل النزيل الى المستشفى واعادته منه اذا كان مثل ذلك المستشفى خارج البلاد، واية سلطة يمكن ان يمارسها مثل ذلك المركز خارج نطاق الاقليم الاردني؟

حتى اننا نجد دليل تخصيص في ذات اللفظ المستخدم من قبل المشرع في المادة (25) من القانون المذكور حيث سماه المشرع في ذلك النص "بالنزيل" ويفهم من هذه التسمية انه يبقى نزيلاً ولا يفرج عنه حيث لم يرد النص بعبارة "الافراج" بل بعبارة "نقله الى مستشفى" بما يفيد بالتالي ضرورة بقائه تحت قبضة السلطات العامة وتحت تصرفها وضمن سلطانها.


ب‌- واما دليل التخصيص الخارجي فيتمثل في نص مادة اخرى خلاف المادة (25) من قانون مراكز الاصلاح والتاهيل والتي نتولى تفسيرها في هذا الموضع من المقال، تتمثل في المادة (28) من ذات القانون والتي نصت على ان [يسمح بزيارة النزيل المريض وفق تعليمات يضعها مدير المركز لهذه الغاية]. والحكم المتضمن ايضاً في هذه المادة لا يستقيم تطبيقه ولا يمكن احترام إنفاذ ما ورد فيه الا اذا كان المستشفى المقصود في المادة (25) من القانون المذكور مستشفى اردنياً فقط

واذا ما سعينا الى تحقيق مقصد ضرورة احترام ارادة المشرع كوحدة واحدة لا تقبل التجزئة فلا بد من تفسير لفظ "مستشفى" الوارد في المادة (25) في اطار ضمان انفاذ واحترام الاحكام المتضمنة في المواد الاخرى، والتي من ضمنها المادة (28) من ذات القانون، والا فكيف يكون للتعليمات المذكورة في المادة (28) والتي يصدرها مدير المركز لهذه الغاية كيف يكون لها اي نفاذ خارج حدود الاقليم الاردني؟ وكيف يستقيم انطباق واحترام الحكم الوارد بشأنها في المادة (28) من القانون اذا كان المقصود بلفظ "مستشفى" الوارد في المادة (25) يتسع ليشمل المستشفى الاجنبي ايضاً لا الاردني فقط.


رابعاً: وأما بشأن ما قال به البعض من ان خروج السيد شاهين من الاردن كان بموافقات خطية من الجهات المختصة فإن كل الموافقات الخطية وغير الخطية الممكن تصورها لا يمكن بحالٍ ان تحدث اثراً في مواجهة مخالفة صريحة بل وصارخة لحكم القانون، اذ ان مثل تلك الموافقات تفتقر لجميع اركان القرار الاداري المعروفة، فأية جهة يمكن ان تختص بمنحه مثل تلك الموافقة؟

وما هو النص الذي يحددها ويسند اليها مثل تلك السلطة بترك محكوم عليه حراً طليقاً قبل انقضاء مدة محكوميته، وليس هذا فحسب بل والسماح له بمغادرة البلاد، واين كذلك محل هذا القرار؟ وانى له ان يكون مشروعاً ولو بالمظنة؟ وعلى اية قاعدة قانونية يمكن ان يكون استند؟ وكيف نبرر له مخالفة احكام القانون الصريحة وقطعية الدلالة والثبوت على خلاف المذهب الذي نحى اليه؟

وما هو السبب الذي يمكن ان يبرر اصدار مثل هذا القرار؟ وما هي الغاية التي يمكن ان تحيط باصداره؟ لجميع ما سبق، لا يمكن لاية موافقة واياً كان نوعها ومن اية جهة كانت ان تصحح اجراء كهذا او ان تسبغ المشروعية على مخالفة صارخة وصريحة لمبدا المشروعية بما جعل هذه الموافقات تتجاوز مرحلة البطلان وتنحدر بتلك الموافقات الى مراتب الانعدام الذي لا تتحصن مع مرور المدة ولا تستفيد حتى من قرينة المشروعية بل وحتى لا يكون تنفيذها واجباً على احد ولا مقاومة تنفيذها او الامتناع عنه جريمة او حتى مخالفة تأديبية يمكن ان تسند الى اي شخص كان وان كان مرؤوساً.


وتوافقاً ما اوردناه في هذه الفقرة نقول بأن قرار وزير الداخلية بالسماح للسجين خالد شاهين بالسفر للعلاج ليس هو الذي يحدد ما اذا كانت مدة خروجه من البلاد تدخل ضمن مدة محكوميته ام لا, ولا يرد القول بأن قرار السماح له بالخروج قد يكون تضمن اتفاقاً على هذا الموضوع. لسبب بسيط يتمثل في انه ليس من سلطة وزير الداخلية عقد اي اتفاق بخصوص تنفيذ المحكوم عليه لعقوبته

وبالتالي فأي اتفاق يمكن ان يوجد بهذا الخصوص يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً بل ومنعدماً ولا يرتب اي اثر من اي نوع كان، بل كان خطأ بيّناً وجسيماً، ومن المعلوم ان الخطأ لا يمكن ان يرتب حقاً ولا ان يكون سنداً لحق يدعيه من اشترك في ارتكاب مثل ذلك الخطأ. هذا بالاضافة الى انه لا سلطة اطلاقاً لوزير الداخلية في التدخل بكيفية تنفيذ المحكوم عليه لعقوبته، لأن من المبادئ المقررة في العقاب ان قاضي الحكم اي القاضي الذي اصدر قراره بالعقوبة هو نفسه المختص بتبيان كيفية تنفيذها وحل الاشكالات التي تعترض مثل ذلك التنفيذ، دون ان تكون لاية سلطة اخرى خلاف سلطة القضاء (التي صادرها وزير الداخلية الاسبق بقراره ذلك) في البت بذلك الخصوص.

خامساً: واخيراً فعما اشار اليه البعض من انه لم يصدر قرار عن اي جهة قضائية لاخلاء سبيله بسبب المرض فإن قانون التنفيذ هو الذي يطبق في هذه الحالة وهو يجيز لرئيس التنفيذ اخلاء سبيل المحكوم اذا كان مريضاً، فنقول بشأنه أنه قياس فاسد لا يمكن ان نقر اصحاب ذلك الراي عليه لاسباب كثيرة من اهمها ان قانون التنفيذ يعالج تنفيذ قرارات الحبس التنفيذي وهو مختلف تماماً

ومن جميع النواحي عن الحبس الجزائي موضوع البحث، هذا بالاضافة الى انه اذا كان رئيس التنفيذ هو من يتولى البت في الاشكالات التي تعترض تنفيذ قرار الحبس التنفيذي الصادر من قبله فغن قاضي العقوبة اي الذي اصدر الحكم بالعقوبة هو من يتولى البت في الاشكاليات التي تعترض تنفيذها، ومن المعلوم ان وزير الداخلية لا يمكن بحال ولا يتصور ان يكون رئيساً للتنفيذ ولا قاضياً جزائياً ولا حتى منتمياً الى الجسم القضائي اصلاً... مما يترتب عليه فساد القياس الذي حاول البعض الاستناد اليه لتصحيح قرار وزير الداخلية بهذا الشأن.


سادساً: بالاضافة الى كل سبق، فإن مما يدعم وجهة نظرنا (بعدم احتساب مدة اقامة السيد خالد شاهين في الخارج ضمن مدة محكوميته) الحقيقة المتضمنة ان جميع الاعتبارات التي تستهدف العقوبة تحقيقها لم تتحقق في حالة السيد خالد شاهين، فاعتبارات العدالة التي تستهدف العقوبة الجزائية تحقيقها كاحد وظائف العقاب تقتضي عدم احتساب مدة قضاها السيد خالد شاهين في اوروبا من ضمن اجمالي المدة المقررة لعقوبته، كيف يستقيم ذلك مع مبدا المساواة اذا علمنا ان آلافاً غيره قضوا مدد عقوبتهم داخل مراكز الاصلاح والتاهيل بكل الاشكالات التي يواجهها المحكوم عليهم في تلك المراكز (ومن ضمنهم زملاء السيد شاهين والمحكوم عليهم بذات الحكم معه)؟

بل وكيف تؤدي العقوبة الجزائية وظيفة الردع العام والردع الخاص اذا احتسبنا للمحكوم عليه مدة اقامته في اوروبا ضمن المدة المحددة لعقوبته؟ بل وكيف ويتحقق اصلاح المحكوم عليه اذا لم يخضع وكيف يمكن لمحكوم عليه خارج المملكة ان يخضع لبرامج التوعية التوجيه التي يفترض في مركز الاصلاح اخضاع المحكوم عليهم لها تبعاً للمادة (4) من قانون مراكز الاصلاح والتاهيل والتي نصت على انه [تناط بالمركز مهمة الاحتفاظ بالنزلاء وتامين الرعاية اللازمة لهم وتنفيذ برامج اصلاحية تساعدهم على العودة الى المجتمع واخرى تاهيلية تمكنهم من العيش الكريم].


وعليه، ولكل ما سبق، نقرر بملئ الفم عدم تأييدنا لقرار محكمة امن الدولة الاردنية الموقرة، ونؤكد انه واحتراماً لمبدأ المشروعية وضرباً على ايدي العابثين بها وحرماناً لهم من قطف ثمار انتهاكها، فلا يجوز في رأينا بأي حال اعتبار المدة التي قضاها السيد خالد شاهين خارج الاردن (سواء هارباً او ملتزماً بالاقامة في مستشفاه البريطاني او الالماني) محسوبة او محسومة باعتبارها منفذة من كامل مدة محكوميته.

ذلك ما كان من أمر اجتهادي في هذه المسألة، ورأيي يبقى صواباً يحتمل الخطأ ورأي غيري يحتمل الصواب، فإن أصبت فمن الله وتوفيقه، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، فعسى أن أكسب باجتهادي هذا الأجرين لا الأجر الواحد، والله من وراء القصد، وشكراً.
نقلاً عن: العرب اليوم