الذكرى الواحدة والاربعون لاستشهاد وصفي التل

جراءة نيوز -عمان:

تصادف اليوم الذكرى الواحدة والاربعون لاستشهاد وصفي التل الذي غادرنا أخضر يانعا «قبل الاوان»، مؤديا ضريبة الشرف والموقف التي دفعها بدمه الارجوان، عندما نالت منه رصاصات الشيراتون الموسادية الصدئة في القاهرة يوم 28 تشرين الثاني 1971، ليعانق عطر الشهادة وقد أزهر دمه الارجوان شيحا ودحنونا فوق الارض الطيبة، وقد خيم الحزن على الوطن على امتداد الوجع والجغرافيا.. فيما كانت اذاعة عمان التي اسسها «وصفي» على «تقوى الاردن»، تبث رائعة فيروز الغنائية «موطن المجد».. وقلنا لهم فيما بعد لماذا هذه الاغنية تحديدا؟.. فقالوا ان الشهيد كان يعشق هذه الرائعة الغنائية الوطنية.. لأن الاردن في عرفه «موطن المجد». منذ تلك اللحظة.. أطلق الناس على مواليدهم اسم «وصفي» تأسيا بفارس الشهادة وعميدها، ومزهريات الورد في البيوت هنا تحيط بصورته في برواز القلب، وهو يثني شماغه على كتفه، دون ألوان.. «بالابيض والاسود»، ونظرته تشي بفروسية الموقف ورجولة فارس لن يتكرر.. لنردد رائعة شاعر الدولة والوطن «حيدر محمود» التي جاء فيها:



لا زالَ داليةً فينا نَفيءُ الى

ظِلالِها بنَدى «الأُردن» نَسْقيها

«وَصْفي!» ويكفي بأنّا حينَ نذَكُرُه

نَزْدادُ فخراً ونَزْهو باسْمِهِ: تيها

فقد أَضاءَ «الدَّمُ الغالي» الدَّروبَ لِمَنْ

ضَلَّوا الدَّروبَ وغابوا في دَياجيها!!

وَلَسْتُ أبْكيهِ؟! بل أَبكي «لغاليةِ»

كانَ «الشّهيدُ» لها أَغْلى مواضيها!



معروف البخيت

ولا شك أن ثمة رجالَ دولة ووطن عرفوا قيمة وصفي التل ومدى تضحياته الجسام في سبيل الوطن والامة، حيث اعتبر العين الدكتور معروف البخيت تجربة الشهيد وصفي التل وفكره العسكري تمس تاريخنا الوطني والمواقف التاريخية للاردن، مؤكدا أن تجربة الشهيد ووضع فكره ومواقفه في سياق وطني، والتي لو تم الاخذ بها في حينها لتغير الكثير ولما وصلت الامة لما هي عليه الآن.

وأوضح العين البخيت أن الشهيد وصفي التل اعتبر أن أي زعزعة لأمن الاردن مصلحة للعدو الصهيوني، مؤكدا أن سيرة الشهيد التل ابتداء من نعومة أظفاره في بلدة عرب كير في شمال العراق ومرورا بمراحل دراسته وانضمامه الى جيش الانقاذ والمعارك التي خاضها وأثر هزيمة العرب في حرب 1948 والمراجعات الشجاعة والجريئة التي قدمها الشهيد حول أسباب الهزيمة في حينها، تؤكد حقيقة الرجل ومدى شجاعته ووطنيته وصدقه وثباته على مواقفه المشرفة الخالدة في تاريخ الوطن والأمة.

وجزم العين البخيت بعدم وجود أي مسؤول سياسي أردني رفيع بحث ودرس وحلل وكتب ونشر حول قضايانا الوطنية أكثر مما فعل الشهيد وصفي التل، إضافة الى تمحور جل كتاباته حول القضية الفلسطينية من موقعه كصاحب مشروع قاتل وناضل وجادل واستشهد من أجله، معتبرا أن ثقافة ومعارف الشهيد وصفي التل العسكرية جاءت حصيلة تدريبة العسكري واهتمامه الشخصي وقدراته الذهنية وتوفر دافعية ذاتية لديه.

وحول فكر الشهيد وصفي التل الاستراتيجي، أبرز العين البخيت تركز أبحاث الشهيد ومحاضراته وندواته حول القضية الفلسطينية وكيفية الاستعداد للوقوف بوجه المشروع الصهيوني، مشيرا الى إيمانه بفكر القوة والارادة واهمية التعليم والانضباط، وضرورة فرض الاصلاح على المجتمع.

وأشار الى أان الشهيد وصفي التل آمن بحتمية الصراع مع العدو الصهيوني، معتبرا أن المشروع الصهيوني ليس مشروعا استعماريا بل هو مشروع احتلالي يهدف الى تغيير الاوضاع القائمة جغرافيا وبشريا وجذريا وأبديا، والهيمنة على المنطقة بالاستغلال السياسي والاقتصادي، ومشيرا الى أن الشهيد حمل قناعة راسخة مفادها أن عنصر الزمن ليس لصالح العرب.

شهادات

** العين عبدالهادي المجالي قال: أنا إذْ عرفت الشهيد وصفي التل بحكم علاقته بشقيقي عبدالسلام المجالي وعبدالوهاب رحمه الله، فان لي تجربة شخصية معه عندما كنت قائدا لسلاح الهندسة، حينها استدعاني الى اجتماع حكومي، وطلب مني أن أنشئ سوقا في العقبة، فسألني كم من الوقت تحتاج لبناء السوق فأجبت ثلاثة أشهر، فنظر الى أحد وزراء حكومته وقال ألم تقل إنك تحتاج الى سنة ونصف السنة، فعاد بنظره وطلب مني أن نبدأ من فورنا في العمل، فنفذنا المشروع وعدة مشاريع أخرى.

وكان الشهيد التل يثق تماما بقدرات ابناء القوات المسلحة على تنفيذ المشاريع بكافة المحافظات لايمانه دوما على قدر المسؤولية الوطنية.

** رئيس الديوان الملكي الأسبق وزير الإعلام في حكومة الشهيد التل عدنان ابوعودة قال: الحديث عن وصفي ليس أمرا سهلا، تعرفت إليه عام 1966 في معركة السموع وبقيت الصلة وزادت عمقا بعد حرب حزيران 1967. ووصفي شخصية جدلية مركبة متعددة الأبعاد صاحب رؤية، وكان ينظر الى رئاسة الحكومة أنها تعني قيادة وإصلاحا وليس تميزا اجتماعيا، مشيرا الى أن الشهيد التل كان يريد تنظيم العمل الفدائي كورقة ضغط على إسرائيل كما كانت قناة السويس ورقة ضغط لمصر.

** الوزير السابق الزميل عبدالله أبو رمان يقول: إن الشهيد وصفي التل كان رجلا بتفكير علمي ويرفض تسمية نكبة ونكسة ويصر أنها هزيمة، مبينا أن اغتيال وصفي كان اغتيالا لمشروع مجابهة العدو الصهيوني.

** الوزير الاسبق مروان دودين: فور وصول نبأ استشهاد وصفي التل.. كان الإذاعيون الكبار.. أكبرهم وأشدهم عاطفة وبراءة المرحوم إبراهيم الذهبي، جميعهم النجباء إنهم هنا.. عدت إلى مكتبي بالاذاعة.. فهجموا على المكتب يقدمون التعازي لأنفسهم ولي بوقار واحترام.. «شددت حيلي» ووقفت خاشعا لموقف جليل رافعا رأسي بمؤسسة عظيمة تمثل الوطن أفضل تمثيل، كان من أعظم بُناتها وصفي التل، وكيف لا أرفع رأسي ولي شرف إدارة مؤسسة كان هو يوما رئيسها وقائدها.

** العلامة الدكتور ناصر الدين الاسد: إن وصفي كان يرى قضية فلسطين هي قضية الاردن وقضيته الشخصية وقضية كل عربي، مؤمنا إيمانا جازما أن الحل الوحيد هو خوض غمار الحرب دون تباطؤ، مشيرا إلى أن وصفي كثيرا ما كان يردد «الحرب ضرورية الان.. الان» وليس بعد حين، مرددا أيضا أن الوقت ليس في مصلحتنا إذ ربما تحدث أحداث ووقائع تستغلها اسرائيل لمصلحتها، فيزداد الامر تعقيدا على العرب، لا سيما أنه كان ينعت الوجود الصهيوني في فلسطين بالسرطان الذي يجب استئصاله واقتلاعه من جذوره.

** الوزير السابق حمدي الطباع: في هذه المناسبة نتذكر وصفي الفتى الاردني العربي، المتقد حماسا لقضايا أمته، وفي مقدمتها قضية فلسطين، فلم يكتف بالتنظير وسفسطة الكلام كما فعل الكثيرون، بل سارع بدون تردد لينخرط في صفوف المتطوعين العرب في جيش الانقاذ في حرب عام 1948، وتولى قيادة فوج اليرموك الرابع في جيش الانقاذ، ليشارك في الدفاع عن أرض فلسطين العزيزة على قلبه وقلوب العرب والمسلمين كافة، وبقي حتى آخر حياته يؤمن أن المقاومة هي السبيل الوحيد لاسترجاع فلسطين.

وأشار الطباع الى أنه بعد استشهاد التل قرر المغفور له الملك الحسين أن يسدد كافة الديون المترتبة على ذمة الشهيد، فأوكل القيام بذلك الى صديق وصفي الوفي المرحوم الاستاذ محمد عودة القرعان مدير الاقراض الزراعي حينها، وتبين أن مجموع الدين على ما أذكر بحدود ثلاثة وتسعين ألف دينار، وشاءت الاقدار أن أكون موجودا في مكتب الاستاذ القرعان عندما التقى بجميع الدائنين وأخبرهم بأن المغفور له الملك الحسين سيتكفل بالدين، وكانت المفاجأة التي أذهلتني أن الديون كانت عبارة عن أثمان إطارات تراكتور وبكب بدفورد وطرمبة ماء ومحراث وثمن بذور وديزل.