تفاصيل الغرامات المفروضة على الافراد والشخصيات الاعتبارية المشمولة بالعفو العام
نشر معهد القانون والمجتمع رسالة توضيحية حول بعض النقاط في قانون العفو العام وتحديدا فيما يتعلق بالإعفاء من الغرامات المفروضة على الافراد والشخصيات الاعتبارية على حد سواء.
وقدم المعهد تحليلا مفاهيميا للإعفاء من الغرامات في إطار قانون العفو العام، وهل شمل جميع الغرامات المتحققة على الافراد والشخصيات الاعتبارية على غرار مخالفات قانون السير؟.
اولا: وبالرجوع الى نصوص قانون العفو العام (5) لعام (2024) ورد في نص المادة (2) من القانون:
"1- باستثناء ما هو منصوص عليه في المادة (3) من هذا القانون ووفقا للشروط الواردة فيها تعفى إعفاء عاماً جميع الجرائم الجنائية والجنحية والمخالفات والأفعال الجرمية التي وقعت قبل تاريخ 19/3/2024 وبحيث تزول حالة الإجرام من أساسها وتسقط كل دعوى جزائية وعقوبة أصلية كانت أو فرعية تتعلق بأي من تلك الجرائم.
2- تعفى القضايا المشمولة بأحكام هذا القانون من الغرامات والرسوم المفروضة بكاملها أو تلك التي ستفرض في الجرائم الجنائية والجنحية والمخالفات أو في أي إجراءات جزائية."
وباستقراء النص من قبل أي شخص غير مختص في المجالات القانونية يتبادر لذهنه أن أي غرامه مفروضة بموجب احكام القوانين سيتم الغائها استناداً لصدور قانون العفو العام ولكن الامر بحاجة الى نظره مختصة لتوضيح اللبس الذي أحاط بقانون العفو العام وتوضيحه فيما يتعلق بالغرامات.
ثانيا: ان الغرامات التي يتم فرضها بموجب احكام القانون- اي قانون- تختلف بأنواعها وقد ميز بينها الفقه القانوني الذي حصر أنواع الغرامات التي يتم فرضها بأربعة أنواع على النحو الاتي:
1- الغرامة الجزائية: وهي التي نص عليها قانون العقوبات كعقوبة أصلية، أو كعقوبة تبعية، وفى كلا النوعين تخضع لمبدأ الشرعية الجنائية، وحيث أنه لا جريمة و لا عقوبة الا بنص فأيضا لا غرامة بدون نص، وهي تخضع لكل قواعد تنفيذ العقوبة مثل العفو العام، والتقادم، او وقف التنفيذ و غيرها ، كما انه لا يجوز تطبيقها على غير الفاعل(المسؤول) عن ارتكابها و لا تنتقل الى ذمة الورثة ، بالإضافة الى تطبيق الغرامة الاشد في حالة تعدد الغرامات المفروضة على ذات الفعل.
2- الغرامة الضريبة: وهي التي نص عليها في قانون الضريبة و قانون الجمارك، ومثالها: - ما نصت عليه المادة 206 من قانون الجمارك/ عقوبات التهريب و التي نصت على :
يعاقب على التهريب وما في حكمه وعلى الشروع في اي منهما بما يلي:
أ.1. بغرامة لا تقل عن (1000) دينار ولا تزيد على 10000) دينار وعند التكرار يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن (5000) دينار.
2.تستثنى من الحكم بالحبس في حالات التكرار المنصوص عليها في البند (1) من هذه الفقرة حالات التهريب الحكمي المتعلقة بإخفاء القيمة أو العدد أو الوزن أو القياس أو المنشأ شريطة ان يكون قد تم التصريح عن نوع البضاعة بتسميتها الحقيقية وفق بند التعريفة الرئيسي.
ب. غرامة جمركية بمثابة تعويض مدني للدائرة على النحو التالي:
- من ثلاثة امثال القيمة الى ستة امثال القيمة عن البضائع الممنوعة المعينة.
- من مثلي القيمة الى ثلاثة امثال القيمة اضافة للرسوم عن البضائع الممنوعة او المحصورة.
- من مثلي الرسوم الى اربعة امثال الرسوم عن البضائع الخاضعة للرسوم اذا لم تكن ممنوعة او محصورة على ان لا تقل عن نصف قيمتها وعلى ان لا تقل الغرامة عن ثلاثة أمثال الرسوم إذا كانت البضاعة خاضعة لرسوم باهظة.
- من نصف القيمة إلى مثل القيمة عن البضائع غير الخاضعة لأي رسوم أو ضرائب ولا تكون ممنوعة أو محصورة.
ج. مصادرة البضائع موضوع التهريب او الحكم بما يعادل قيمتها مشتملة على الرسوم الجمركية والضريبة على المبيعات العامة والخاصة والرسوم والضرائب الأخرى عند عدم حجزها او نجاتها من الحجز.
د .1- الحكم بمصادرة وسائط النقل والادوات والمواد التي استعملت في التهريب او بغرامة لا تقل عن (25%) من قيمة البضائع المهربة بحيث لا تزيد على قيمة واسطة النقل وذلك فيما عدا السفن والطائرات والقطارات ما لم تكن قد اعدت او استؤجرت لهذا الغرض او الحكم بما يعادل قيمتها عند عدم حجزها أو نجاتها من الحجز.
2- إذا تعذر تنفيذ الحكم القضائي القطعي بمصادرة واسطة النقل والأدوات والمواد التي استعملت في التهريب، أو كان مالكها غير محكوم عليه بجرم التهريب فللدائرة استيفاء ما يعادل قيمة أي منها حسب قيمتها السوقية بتاريخ ارتكاب الفعل.
ومن خلال القراءة و التمحيص في نص المادة 206 من قانون الجمارك تثار مسألة هامة , هل الغرامة هنا عقوبة جنائية أم مدنية؟ أم غرامة ذات طبيعة خاصة؟ حيث ذهب القضاء الفرنسي إلى أن هذا النوع من الغرامة له طبيعة خاصة مختلطة و تتمتع بخصائص العقوبة المدنية والجنائية، حيث ينطق بها القاضي، ويتم الإجبار على تنفيذها، وتخضع لمبدأ الشرعية، باعتبارها تعويض مدني لا تخضع كقاعدة عامة لنظام وقف التنفيذ.
ثالثا: الغرامة المدنية: وهي التي تصدر وفقاً لأحكام القانون المدني وقانون اصول المحاكمات المدنية، وقوانين خاصة اخرى، وغالباً ما يصدر بها الحكم بها في حالة عدم تنفيذ واتخاذ الإجراءات القانونية في موعدها ومثال ذلك التأخير في اصدار شهادة الولادة للطفل او تثبيت عقد الزواج خلال فترة محددة، أو عدم اصدار اذن إقامة ضمن المدة المحددة أو عدم توكيل مستشار قانوني لشركة ملزمة بتوكيل مستشار قانوني.
رابعا : الغرامة التأديبية: وهي التي يتم فرضها نتيجة عدم قيام عامل او صاحب مهنة على بعض الأخطاء المرتكبة نتيجة قيامة بعملة أو أي مهنة معينة منظمة مثل المحاماة، الطب، الهندسة.
وبالتالي فإن الغرامات التي تم شمولها بموجب احكام قانون العقوبات هي الغرامات التي تم تعريفها في المادة (22) من قانون العقوبات التي ورد فيها.
الغرامة، هي إلزام المحكوم عليه بان يدفع الى خزينة الحكومة المبلغ المقدر في الحكم، وهي تتراوح بين خمسة دنانير ومائتي دينار إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك:
1. إذا لم يؤد المحكوم عليه بالغرامة المبلغ المحكوم به عليه، يحبس في مقابل كل عشرة دنانير أو كسورهما يومًا واحدا على ان لا تتجاوز مدة الحبس في هذه الحالة سنة واحدة.
2. عندما تصدر المحكمة قرارا بفرض غرامة ينص في القرار المذكور نفسه على وجوب حبس المحكوم عليه المدة التي تقابل الغرامة المفروضة بالنسبة المقررة في الفقرة السابقة عند عدم تأديتها وفي حالة عدم النص تستبدل الغرامة بقرار خاص تصدره النيابة العامة.
3. يحسم من أصل هذه الغرامة بالنسبة التي حددها الحكم كما ورد في الفقرة الاولى من هذه المادة، كل اداء جزئي قبل الحبس او في اثنائه وكل مبلغ تم تحصيله.
ومفاد ما ورد أعلاه من تمييز لأنواع الغرامات وتحديد النوع المقصود شموله بموجب احكام قانون العفو العام ولتحديد نوع الغرامة هل هي مشمولة ام لا فيجب ان يتوافر بها عنصر أساسي ورئيسي وهو ان تكون الغرامة بمثابة عقوبة على فعل مجرم بموجب احكام القانون. وبالتالي ان أي غرامة مفروضة بموجب احكام القانون نتيجة القيام بفعل أو الامتناع عن فعل بحيث لا يعتبر هذ الفعل جريمة بموجب احكام القانون لا تكون مشمولة بأحكام قانون العفو العام ومثال على ذلك:
• ورد في قانون (قانون الاقامة وشؤون الاجانب وتعديلاته) في نص المادة (34/أ) " كل أجنبي دخل المملكة بطريقة مشروعة ولم يحصل على اقامة مؤقتة او تجاوز مدة تلك الاقامة الممنوحة له، او لم يتقدم بطلب تجديد اذن اقامته السنوي خلال مدة شهر من تاريخ انتهائها يغرم بمبلغ قدره خمسة واربعون دينارا عن كل شهر من أشهر التجاوز او الجزء من الشهر بواقع دينار ونصف الدينار عن كل يوم من ذلك الجزء."
وعليه فان النص أعلاه لم يجرم عدم الحصول على إقامة مؤقته او تجاوز مدة الإقامة و لم يعتبر عدم القيام بالحصول على اقامة او تجاوز الاقامة جريمة بأي شكل وحدد القانون فقط انه يستحق على الأجنبي مبلغ دينار ونصف كغرامة مدنية يلزم بدفعها نتيجة مخالفته لشروط الإقامة على أراضي المملكة والتي يمكن اعتبارها كتعويض مدني للدولة قد يكون نتيجة الإقامة على أراضيها.
• ورد في قانون (قانون نقابة المحامين النظاميين وتعديلاته) في نص المادة (43/4) " إذا لم تقم اية شركة او مؤسسة من الشركات والمؤسسات الملزمة بالتوكيل بموجب الفقرة الاولى من هذه المادة بتعيين وكيل عام او مستشار قانوني لها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون. او من تاريخ تأسيسها او تسجيلها فيترتب عليها دفع مبلغ خمسة دنانير الى صندوق النقابة عن كل يوم تتأخر فيه عن ذلك التعيين."
وأيضا بالنظر الى النص أعلاه سنجد بأن النص لم يجرم عدم تعيين مستشار للشركة الملزمة بتوكيل مستشار قانوني بل فرض التزام مدني على الشركة تلزم بدفعة الى صندوق نقابة المحامين.
وبناءً على ما تقدم سابقاً فإن شرط تجريم الفعل هو المعيار الأساسي للتوصل فيما إذا كان سيشمل بموجب احكام قانون العفو العام ام لا فإن كان الفعل جرماً شمله احكام قانون العفو العام وان لم يكن جرماً لم يشمله.
ولغايات التمييز بين النصوص التجريمية عن غيرها من النصوص فقد اتبع المشرع الأردني نموذجاً عاماً في النصوص التجريمية ولكنه اورد عليه بعض الاستثناءات التي يمكن اعتبارها النموذج الاوسع في التطبيق في النصوص التي تتعلق بتجريم فعل معين بحيث تكون المادة القانونية تتضمن شقين الشق الأول يرد فيه وصف لفعل معين و شروط يجب توفرها في الفعل و الشق الثاني يرد فيه العقوبة على الفعل بشكل واضح و صريح حيث ان اغلب المواد الواردة في قانون العقوبات جاءت بهذا النموذج على سبيل المثال: من اخذ او نزع او اتلف اتلافا تاما او جزئيا اوراقا او وثائق اودعت خزائن المحفوظات او دواوين المحاكم او المستودعات العامة او سلمت الى وديع عام بصفته هذه، عوقب بالحبس من ستة اشهر الى ثلاث سنوات .واذا اقترف الفعل بواسطة فك الاختام او الخلع او التسلق او بواسطة اعمال العنف على الاشخاص ، كانت العقوبة الاشغال المؤقتة .
وعليه فإننا في معهد القانون و المجتمع نوصي الجهات اصحاب العلاقة من الحكومة و المؤسسات الوطنية بضرورة الاخذ بعين الاعتبار عدم قدرة المواطن العادي و غير المختص بالشأن القانوني على فهم النص القانوني الذي قد يتسبب بإشكالات ذات طابع قانوني اجتماعي وبأن أي مبالغ تفرضها السلطة تعتبر بالنسبة له عقوبة ويفترض ان تشمل بقانون العفو العام ويفترض الغائها بمجرد صدوره وهذا الامر غير دقيق ويجب على الجهات المعنية توضيحه بشكل جلي للمواطنين لتحقيق الشفافية و اعادة النظر بالمسار الوطني التعليمي في المدارس و الجامعات بتوفير مساقات قانونية من شأنها بناء الوعي القانوني لدى المواطنين و ضرورة التشبيك مع مؤسسات المجتمع المدني بشرح مضامين القوانين بلغة بسيطة وسهلة بحيث يفهمها عموم الناس بما يؤدي الى تعزيز ثقة المواطن بالنظام القانوني و تقوية مبدأ سيادة القانون و الحفاظ على الحقوق و الحريات العامة بما في ذلك حقوق الاشخاص الاكثر عرضة للانتهاك.