ديفيد هيرست: الحلم بوطن لليهود في الشرق الأوسط يتحول الآن إلى كابوس

بدأ الحلفاء المخلصون الذين يطلقون على أنفسهم أصدقاء إسرائيل يدركون أنهم أيضا أصدقاء لقتلة عمال الإغاثة الغربيين، وأصدقاء لمنفذي الإبادة الجماعية الفاشيين والفصل العنصري وللمستوطنين الذين يشعلون النار في القرى العربية.

هكذا استهل رئيس تحرير الموقع البريطاني "ميدل إيست آي" ديفيد هيرست مقالا له ينتقد فيه بشدة تأييد سياسيين وكتاب وصحفيين غربيين لإسرائيل في حربها على قطاع غزة.

وقال هيرست إنه بعد 6 شهور، فإن الصرح الذي سمح للقوات الإسرائيلية بقتل أكثر من 33 ألف فلسطيني وجرح 75 ألف آخرين، وتشريد أكثر من 2.3 مليون نسمة ثم تجويعهم، وهدم شمال غزة، وتفكيك الخدمات الصحية، والإشارة إلى أنها ستفعل الشيء نفسه في رفح خلال الأشهر الستة المقبلة، هذا الصرح قد بدأ بالانهيار.

وأضاف أن القادة السياسيين الذين اعتبروا هذه المذبحة حقا لإسرائيل في الدفاع عن نفسها، والصحفيين الذين روّجوا لقصص رعب خيالية عن أطفال مقطوعي الرؤوس واغتصاب جماعي في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والمحررين الذين تجاهلوا يوما بعد يوم قصصا عن قوافل الإغاثة التي تستهدفها القوات الإسرائيلية، يسعون الآن للتراجع.

وكل الحجج التي استخدموها للحفاظ على هذه المذبحة تنهار في أيديهم، مثل: هذه حرب عادلة، وأنه يجب السماح لإسرائيل بإنهاء المهمة، وأن الإجراء المتخذ متناسب، وأن العملية القانونية في محكمة العدل الدولية تعرقل محادثات السلام ويمكن تجاهلها، وأن بريطانيا وأميركا يمكنهما توجيه اللوم لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفي الوقت نفسه مواصلة تسليحه.

وانتقد الكاتب وزير الخارجية البريطاني اللورد ديفيد كاميرون، قائلا: لقد انفجر السد، ولم يعد بإمكانه الاستمرار في المراوغة ولعبة القط والفأر مع رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان المختارة أليسيا كيرنز، التي كشفت قبل بضعة أيام أن المحامين الحكوميين يعرفون أن إسرائيل انتهكت القانون الإنساني الدولي.

وأشار إلى توقيع أكثر من 600 محام وأكاديمي وقاض سابق، من بينهم رئيسة المحكمة العليا السابقة ليدي هيل وقاضيان سابقان آخران في المحكمة، رسالة تحذر فيها حكومة المملكة المتحدة من أنها تنتهك القانون الدولي من خلال الاستمرار في تسليح إسرائيل.

كما أشار إلى سؤال وزير الخارجية السابق السير آلان دنكان (من حزب المحافظين) عن مشروعية اعتبار إسرائيل حليفا للمملكة المتحدة، داعيا (أي دنكان) لمحاسبة مؤيديها وداعميها الرئيسيين.

ونسب إلى دنكان أيضا أنه قال إن أي شيء يدعم ما أصبح كارثة كاملة في قطاع غزة غير مقبول أخلاقيا، وإن ما يجب ألا نقبله ليس خطأ إسرائيل الحالي، بل ما ظلت تفعله لسنوات، لأن الجيش الإسرائيلي لا يتبع القانون الدولي.

وقال دنكان إن هذا الجيش يؤيد ويدعم المستوطنين غير الشرعيين في الضفة الغربية الذين يسرقون الأراضي الفلسطينية، موضحا أن سرقة الأراضي وضم فلسطين هما أصل المشكلة، التي أدت إلى ما قامت به حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمعارك التي نشهدها حاليا.

واستمر هيرست يقول إن المزاج قد تغير بالفعل، مضيفا أن استطلاعا للرأي أجرته مؤسسة يوغوف أظهر أن 56% من الناخبين البريطانيين يؤيدون الآن فرض حظر على تصدير الأسلحة وقطع الغيار، في حين قال 59% إن إسرائيل تنتهك حقوق الإنسان في غزة.

وقال إن كاميرون، بعد أن تمت تعريته، عليه أن يختار: الاعتراف بأن حكومته تنتهك بالفعل القانون الدولي، ويمكن مقاضاتها على هذا النحو -بمن في ذلك هو شخصيا- أو وقف تجارة الأسلحة.

وأورد هيرست العديد من الانتهاكات الفظيعة للجيش الإسرائيلي في الفترة الأخيرة مثل إعادة اقتحام مستشفى الشفاء، وقتل العاملين في الإغاثة، وتدمير القنصلية الإيرانية في دمشق.

وحول تعهد نتنياهو بإغلاق المكتب الإقليمي لـقناة الجزيرة في إسرائيل، قال هيرست إن الأمر بدا وكأن رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد محو سجل مثل هذه المشاهد المروعة.

وعن قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، قال إن هذا الهجوم يمثل خطا أحمر آخر تم تجاوزه، مضيفا أن إسرائيل، وعلى الخط نفسه الذي ادعى أن مشفى الشفاء ليس مستشفى بل مركز قيادة لحماس، قال المتحدث العسكري الإسرائيلي "هذه ليست قنصلية وليست سفارة، هذا مبنى عسكري لقوات القدس متنكرا في زي مبنى مدني في دمشق".

وفسر هيرست ذلك بقوله إن إسرائيل كانت تعرف بالضبط ما فعلته، وتعرف الخط الذي كانت تعبره، إنها تريد استفزاز إيران للدخول في الحرب، وتعرف أنها لن تستخدم المنطق نفسه عندما يضرب وكيل إيراني كنيسا يهوديا أو مركزا يهوديا انتقاما منه، ولن تعلن أي مسؤولية عن تعريض حياة اليهود في جميع أنحاء العالم للخطر، "ولكن هذا هو بالتأكيد ما تقوم به".

وأشار أيضا إلى رد فعل الصحافة الغربية، قائلا إن الصفحات الأولى في بريطانيا وكندا وبولندا وأستراليا (البلدان الأصلية لعمال الإغاثة القتلى) كانت غاضبة، "وحتى صحيفة تايمز الموالية بقوة لإسرائيل، المملوكة لعائلة مردوخ، غضبت بشدة".

وقال إن الهجوم المتكرر على قافلة الإغاثة لا يختلف عن جميع الهجمات الأخرى على قوافل الأونروا والتي أسفرت عن مقتل المئات، وعلى مستشفى الشفاء، إلا بكون أن القتلى السبعة كانوا بريطانيين وبولنديين وأستراليين وكنديين، وأن المؤسس كان طاهيا مشهورا.

ووصف الكاتب رد فعل الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي عبر عن سخطه من قتل إسرائيل عمال الإغاثة، بأنه "سخط مزيف". ودعا هيرست إلى تجاهل تصريحات القلق القادمة من البيت الأبيض ووزارة الخارجية، وإلى التركيز فقط على تصرفات بايدن.

وذكّر بأن بايدن لديه القدرة على وقف جميع الأسلحة، بما في ذلك توريد قنابل 2000 رطل، أو في الواقع القدرة على وضع قيود صارمة على استخدامها، لكنه لم يفعل أيا منهما.

وحذر من أنه إذا اعتقد بايدن أنه وسط الفوضى التي خلقتها حرب إسرائيل، فإن التوقيع على قطعة من الورق سيكون كافيا لوقف الغضب الذي يعتمل في قلوب العرب من عمان إلى المغرب، فهو أكثر توهما مما يعتقده مراقبوه المحترفون في الكابيتول هيل.

وختم هيرست مقاله مؤكدا أن الأمر يتطلب الكثير للاعتراف بأن الحلم مدى الحياة بوطن لليهود في الشرق الأوسط يتحول الآن إلى كابوس.