نص كلمة جلالة الملك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
هكذا يحيي المسلمون والعرب، الآخرين، بالدعوة لهم بالسلام والرحمة من الله.
جاء ديننا برسالة للسلام، فالعهدة العمرية، التي صدرت على عتبات بوابات القدس قبل ما يقرب 15 قرنا من الزمن وقبل أكثر من ألف عام من صدور اتفاقيات جنيف، أمرت الجنود المسلمين بألا يقتلوا طفلا، ولا امرأة، ولا كبيرا في السن، وألا يقطعوا شجرة، وألا يؤذوا راهبا، وألا يدمروا كنيسة.
هذه قواعد الاشتباك التي يجب على المسلمين تطبيقها والالتزام بها، كما يتحتم الالتزام بها على كل من يؤمن بإنسانيتنا المشتركة، فحياة كل المدنيين ثمينة.
أصدقائي،
تغضبني وتحزنني أعمال العنف التي استهدفت المدنيين الأبرياء في غزة والضفة الغربية وإسرائيل.
إن حملة القصف العنيفة الدائرة في غزة في هذه الأثناء هي حملة شرسة ومرفوضة على مختلف المستويات.
إنها عقاب جماعي لسكان محاصرين لا حول لهم ولا قوة.
إنها انتهاك فاضح للقانون الدولي الإنساني.
إنها جريمة حرب.
ومع ذلك، كلما تزداد وحشية الأحداث، يبدو أن اهتمام العالم يقل شيئا فشيئا.
ففي أي مكان آخر، كان العالم ليدين استهداف البنى التحتية للمدنيين، والحرمان المتعمد للسكان من الغذاء، والمياه، والكهرباء، والاحتياجات الأساسية. وبالتأكيد كانت لتتم مساءلة الفاعل فورا.
وهكذا كان الحال فعلا في الفترة الأخيرة، في صراع آخر.
لكن ليس في غزة، فقد مر أسبوعان منذ فرضت إسرائيل حصارا كاملا على قطاع غزة، ويستمر مع ذلك الصمت الدولي من غالبية البلدان.
ولكن الرسالة التي يسمعها العالم العربي عالية وواضحة: حياة الفلسطينيين أقل أهمية من حياة الإسرائيليين. حياتنا أقل أهمية من حياة الآخرين. وتطبيق القانون الدولي انتقائي، وحقوق الإنسان لها محددات، فهي تتوقف عند الحدود، وتتوقف باختلاف الأعراق، وتتوقف باختلاف الأديان.
هذه رسالة خطيرة جدا، وعواقب اللامبالاة والتقاعس الدوليين المستمرين ستكون كارثية علينا جميعا.
أصدقائي،
لا يمكننا أن ندع العاطفة تملي علينا كيفية التعامل مع هذه اللحظة، فأولوياتنا اليوم واضحة وعاجلة:
أولا: الوقف الفوري للحرب على غزة، وحماية المدنيين، وتبني موقف موحد يدين استهدافهم من الجانبين، انسجاما مع قيمنا المشتركة والقانون الدولي، الذي يفقد كل قيمته إذا تم تنفيذه بشكل انتقائي.
ثانيا: إيصال المساعدات الإنسانية والوقود والغذاء والدواء بشكل مستدام ودون انقطاع إلى قطاع غزة.
ثالثا: الرفض القاطع للتهجير القسري للفلسطينيين أو التسبب بنزوحهم، فهذه جريمة حرب وفقا للقانون الدولي، وخط أحمر بالنسبة لنا جميعا.
هذا الصراع، أصدقائي، لم يبدأ قبل أسبوعين، ولن يتوقف إذا واصلنا السير على هذا الطريق الملطخ بالدماء. ونحن جميعا ندرك جيدا أن ذلك لن يؤدي إلا إلى المزيد من دوامات الموت والدمار والكراهية واليأس.
وبينما تقوم إسرائيل اليوم بتجويع المدنيين في غزة حرفيا، فإنه لطالما تم تجويع الفلسطينيين لعقود عن الأمل والحرية والمستقبل.
وعندما يتوقف القصف، لن تتم محاسبة إسرائيل، وسيستمر ظلم الاحتلال وسيدير العالم ظهره، إلى أن تبدأ دوامة جديدة من العنف. إن سفك الدماء الذي نشهده اليوم هو ثمن هذا الفشل في تحقيق تقدم ملموس نحو أفق سياسي يحقق السلام للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
ويتعين على القيادة الإسرائيلية أن تدرك أنه لا يوجد حل عسكري لمخاوفها الأمنية، وأنها لا تستطيع الاستمرار في تهميش خمسة ملايين فلسطيني يعيشون تحت احتلالها، محرومين من حقوقهم المشروعة، وأن حياة الفلسطينيين لا تقل قيمة عن حياة الإسرائيليين.
وعلى القيادة الإسرائيلية أن تدرك أيضا، وبشكل نهائي، أنه لا يمكن لدولة أن تزدهر أبدا إذا بنيت على أساس من الظلم.
على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، رأينا كيف تحولت أحلام حل الدولتين وآمال جيل كامل إلى يأس. هذه هي سياسة القيادة الإسرائيلية المتشددة، التي بنيت على الأمن بدل السلام، وفرض حقائق جديدة غير شرعية على الأرض تجعل هدف الدولة الفلسطينية المستقلة غير قابل للتطبيق، وفي هذه الأثناء، تسببت بتمكين المتطرفين من الجانبين.
ولكنه لا يمكننا غض النظر عن هذا الصراع باعتبار حله بعيد المنال، من أجل الفلسطينيين والإسرائيليين.
إن رسالتنا الموحدة للشعب الإسرائيلي يجب أن تكون أننا نريد مستقبلا من السلام والأمن لكم وللفلسطينيين، حيث يعيش أبناؤكم وأبناء الفلسطينيين دون خوف.
ومن واجبنا كمجتمع دولي أن نفعل كل ما هو مطلوب لإعادة إطلاق عملية سياسية هادفة يمكنها أن تأخذنا إلى سلام عادل ومستدام على أساس حل الدولتين.
إن السبيل الوحيد لمستقبل آمن لشعوب الشرق الأوسط والعالم أجمع، للمسلمين والمسيحيين واليهود على حد سواء، يبدأ بالإيمان بأن حياة كل إنسان متساوية في القيمة، وينتهي بدولتين، فلسطين وإسرائيل، تتشاركان في الأرض والسلام من النهر إلى البحر.
لقد حان الوقت للعمل بجدية.
شكرا لكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.