تقرير: أكثر من ثلث المشتغلين أجورهم تقل عن الحد الأدنى أو تساويه

أصدر المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال" اليوم الجمعة تقريره السنوي بمناسبة اليوم العالمي للعمل اللائق والذي يحتفل به في السابع من تشرين أول ويصادف يوم غد السبت، والذي يشمل وفقا لمنظمة العمل الدولية مفاهيم تعزيز فرص التشغيل وتحقيق التكافؤ والمساواة في المعاملة بين الرجال والنساء، وضمان أجور عادلة مقابل الاستخدام، وتحسين الحوكمة والحوار الاجتماعي، وتعزيز الحماية الاجتماعية.

وأشار التقرير إلى التحديات التي تواجه سوق العمل الأردني، والإنحسار الملموس في قدرة الإقتصاد الوطني على استحداث فرص العمل، واستمرار معدلات البطالة في مستوياتها المرتفعة خلال السنوات الأخيرة بصورة غير مسبوقة في تاريخ المملكة، رغم التعافي التدريجي للإقتصاد العالمي وسوق العمل في الأردن والتحسن النسبي في معدلات البطالة في الأردن، والتي انخفضت قليلاً لتصل إلى 22.9% في نهاية عام 2022، بعد أن وصلت إلى 25% خلال عام 2020، وما يواكب ذلك من زيادة تكلفة المعيشة وانخفاض مستوى الدخل فئات واسعة من العمال، بما يؤثر بشكل مباشر على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للعمال والمواطنين في المملكة.

وشدد التقرير على أنه من الضروري في ظل هذا الوضع العمل بجد لإصلاح الواقع الاقتصادي وتحسين واقع سوق العمل، ورفع درجات التنسيق بين أطراف الإنتاج، ومراجعة خدمات التشغيل والتدريب الحكومية وتقييمها، وتحسين ظروف وبيئة العمل والحمايات الإجتماعية، وتحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، وتحفيز المشاركة الاقتصادية للمرأة لا تتجاوز منذ سنوات نسبة 15%، وتحسين مستويات الأجور خاصة للفئات الضعيفة من العمال والمراجعة الدورية للحد الأدنى للأجور والذي يقل كثيرا عن خط الفقر للأسرة المعيارية، فضلا عن تنظيم ملف العمالة الوافدة ضمن ظروف عمل نموذجية للجميع خالية من الاستغلال، والتنفيذ الفعال لبرامج الإنتقال من الإقتصاد غير المنظم إلى الإقتصاد المنظم وتوفير الحمايات اللازمة للعاملين فيه، إضافة إلى توفير التأمين الصحي الشامل، وإيجاد حلول لمشاكل النقل العام.

وبين المركز الأردني لحقوق العمل بأن سوق العمل الأردني يعاني من انخفاض شديد في معدل المشاركة الإقتصادية، ففي حين يشكل السكان في سن العمل حوالي (7.419 مليون) نسمة، تبلغ نسبة الأردنيين الناشطين اقتصادياً (33.4%) فقط، وأن عدد المتعطلين عن العمل يشكل تحديا كبيرا أمام سياسات الحد من البطالة في ظل ضعف إمكانيات استحداث فرص عمل جديدة، فمجموع القوى العاملة الأردنية يبلغ (1.8 مليون)، منهم حجم (420 ألف) متعطل عن العمل.

وتابع أنّ معدل البطالة بين الشباب بات مرتفعا بشكل ملفت، حيث بلغ (47.0%)، ويعود ذلك إلى مجموعة من الأسباب، أهمها؛ ارتفاع أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل سنويا كباحثين عن عمل والذين يبلغ عددهم حوالي 130 ألف شخص في كل عام، وذلك نتيجة لتزايد أعداد السكان، إضافة إلى ظروف الاقتصاد الكلي وضعف الاستثمار، وغياب البرامج التي تستهدف مساعدة الشباب للإنتقال من مقاعد الدراسة إلى العمل وخلق فرص العمل اللائقة لهم.

وأشار التقرير إلى أنه قد تزايدت في السنوات القليلة الماضية نسبة من يتعرضون للبطالة طويلة الأمد والتي تضعف مهاراتهم، وتزيد من الأعباء الإضافية على كاهل الدولة، فهناك (65.5%) من المتعطلين عن العمل بلغت مدة تعطلهم أكثر من 11 شهر متصلة، وكانت الإناث أكثر عرضة للبطالة طويلة الأمد من الذكور، حيث بلغت نسبة الإناث (72.3%) من إجمالي المتعطلات، مقابل (62.7%) للذكور، وما يثير القلق أيضا أن هناك (195,489) متعطل لم يسبق لهم العمل نهائيا، (45.2%) منهم من الإناث، وهذا يعني أن نسبة كبيرة من المتعطلين يملكون المهارات والخبرات إلا أنهم لا يجدون فرص عمل لائقة تناسب مؤهلاتهم.

وفيما يتعلق بظروف العمل، بين التقرير بأن نسبة العمال الذين يعملون ساعات عمل فعلية أكثر من 49 ساعة أسبوعياً بلغت (36.8%) من إجمالي العاملين في الأردن، وهناك (48.0%) من العاملين يعملون من 40 – 60 ساعة أسبوعياً يتقاضون أجوراً تتراوح بين 200 – 299 دينار شهريا، كما أن حوالي (8.3%) من العاملين يتقاضون أجوراً تقل عن 200 دينار شهريا أي أقل من الحد الأدنى للأجور، وترتفع النسبة بين الإناث لتصل إلى (14.4%)، وبالمجمل فإن أكثر من ثلث المشتغلين يتقاضون أجوراً تقل عن الحد الأدنى للأجور أو تساويه، وهذه جميعها مؤشرات تدل على أن نسبة كبيرة من العمال لا تتمتع بشروط وظروف عمل لائقة.

وفيما يتعلق بحمايات الأجور، أوضح المركز الأردني لحقوق العمل بأنه ورغم صدور قرار الحد الأدنى للأجور في شهر شباط 2020 برفع الحد الأدنى للأجور إلى 260 دينار، وعلى أن يتم رفعه على مدى ثلاثة سنوات بما ينسجم مع معدل التضخم، إلا أن الحكومة لم تلتزم بذلك ولم يتم رفع الحد الأدنى منذ ذلك الوقت رغم الإرتفاعات المتتالية في نسب التضخم والأسعار، وهي بذلك تخالف قانون العمل من ناحية، ومن ناحية أخرى تخالف أحكام المادة (23) من الدستور الأردني التي توجب أن تضمن الدولة تقاضي العمال أجوراً عادلة، ناهيك عن الآثار السلبية التي تنعكس على الإقتصاد الوطني نتيجة إضعاف القوة الشرائية للشريحة الأكبر من المواطنين.

وفي مجال شؤون السلامة والصحة المهنية، أشار التقرير بأن هناك ضعف في الرقابة الرسمية، وكذلك في تدابير الحماية المقدمة من قبل أصحاب العمل، حيث بلغ عدد حوادث العمل المسجلة لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي عام 2021 (21,176) حادث، وزادت حوادث العمل بنسبة (53.6%) عن العام 2020، وتزايدت أعداد إصابات العمل والأمراض المهنية عام 2021 عن عام 2020 بمعدل (48.0%)، وقدرت نفقات مؤسسة الضمان الاجتماعي في تأمين إصابات العمل عام 2021 بـ(35.5 مليون) دينار، ويعزى ذلك إلى مجموعة من العوامل، من أهمها وجود فجوات تشريعية وتنظيمية في مجال السلامة والصحة المهنية، وأن أكثر من نصف مليون عامل و69% من المؤسسات غير مشمولين بالضمان ولا يتم رصد حوادث العمل التي يتعرضون لها، وأن الرقابة على التزامات السلامة والصحة المهنية من قبل أجهزة تفتيش العمل لا تشمل سنويا سوى خمسة آلاف مؤسسة من أصل أكثر من 180 ألف مؤسسة عاملة في المملكة، وهي أمور تؤدي أيضا إلى خسارة 4% من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة تكاليف الإصابات.

ولفت التقرير إلى أنه وعلى الرغم من الحماية التي كفلتها ورعتها الاتفاقيات الدولية والتشريعات المحلية في الأردن لحماية الأطفال من العمل لا زال هناك ما يقرب من مئة ألف طفل عامل، بعد أن كان عدد الأطفال العاملين في عام 2016 ما يقرب من (76) ألف طفل عامل، من بينهم (44,917) يعملون في أعمال خطرة، ولا يمكن تعليل ذلك بمعزل عن العوامل الإقتصادية التي تعاني منها الأسر وارتفاع معدلات الفقر.

ولمواجهة الإختلالات ذات العلاقة بمدى توفر شروط العمل اللائق، قدم المركز الأردني لحقوق العمل مجموعة من التوصيات، من أهمها ضرورة العمل على تطوير المنظومة التشريعية لتنسجم مع متطلبات وشروط العمل اللائق وفق المعايير الدولية، وضمان تنفيذها من خلال تعزيز قدرات الأجهزة الرقابية واستخدام وسائل الرقابة المحوسبة واستخدام التكنولوجيا الحديثة في ذلك، وتنفيذ حملات توعوية لدى العمال وأصحاب العمل بقواعد وشروط العمل اللائق.

وكذلك أوصت الورقة بضرورة العمل على تعزيز قدرات شبكات الأمان الإجتماعي وزيادة مخصصاتها وتوجيهها لمختلف الفئات الضعيفة من المواطنين ومختلف الأسر منخفضة الدخل، وتوسعة الشمول بالتأمين الصحي، وتخفيض قيمة الإشتراك في الضمان الإجتماعي، وكذلك توفير الدعم اللازم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة للحفاظ على ديمومة عملها وحماية فرص العمل التي توفرها، وزيادة القدرة الشرائية للمواطن وإعفاء السلع الأساسية التي يحتاجها من الضريبة بهدف إنعاش الحركة الإقتصادية.

ونظرا لأن المرأة العاملة أكثر عرضة للصعوبات والإنتهاكات وفقدان الوظائف، في ظل الإنخفاض المزمن في نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة الأردنية، فقد شدد التقرير على ضرورة تفعيل تطبيق المعايير الدولية ذات العلاقة بعمل المرأة وحماياتها وحقوقها، والتفاعل بين الحكومة ومنظمات القطاع الخاص لتوفير متطلبات تعزيز وضع المرأة في سوق العمل، وتوسيع الخيارات المهنية لها، واكسابها المهارت والتدريب اللازم، ورفع وعيها بفرص العمل المتاحة، ونشر الوعي بحقوق المرأة العاملة لدى أصحاب العمل، وقواعد المساواة بين الجنسين، وتكافؤ الفرص في إجراءات التعيين والترقية والتدريب، وتفعيل آليات ميسرة ومحفزة لتطبيق أشكال العمل المرن، وتوفير بنية تحتية للعناية الاجتماعية للمرأة العاملة بجودة وكلفة مناسبة (خدمات ومرافق، حضانات، مواصلات...).

وعلى مستوى السياسات الاجتماعية شدد المركز في تقريره على أهمية العمل على تطوير سياسات الحد من الفقر، وتحسين الظروف الاجتماعية لأسر الأطفال العاملين أو المعرضين للإنخراط في سوق العمل، ودعم الأسر المعرضة للمخاطر الاجتماعية والنفسية وربطها بشبكات الأمان الاجتماعي وتعزيز دور المجتمع المحلي في تحسين ظروف الأسر المعرضة وحماية الأطفال المعرضين، وإعادة تأهيل الأطفال العاملين الذين تعرضوا لمشكلات اجتماعية أو نفسية ودمجهم في المجتمع وحمايتهم من الإساءة أو الإيذاء النفسي والجسدي أو العنف.