وقفات مع رفع الأسعار
لقد صدم الجميع بإجراءات الحكومة في رفع الدعم عن المنتجات النفطية دون سواها من البدائل لمواجهة الظروف الصعبة وما أعقب ذلك من رد فعل تنوعت بين مظاهرات هادئة وأخرى وقع فيها صدامات استخدم الأمن فيها الشدة ضد المحتجين مما أوقع إصابات بين المحتجين وثالثة قام فيها بعض الناس بإحراق الإطارات وسد الطرق والتعرض لبعض المؤسسات بالحرق فضلاً عن قتل بعض رجال الدرك وغيره وهذه الأحداث لابد لها من عدد من الوقفات تتثمل:
أولاً : إن سعة الرزق ووفرة المال ورغد العيش أوضح سبيله ربنا سبحانه إذ قال :(ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) وقال (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ....) إن سبيل سعة الرزق أرض تنبت وكنوز تخرج وسماء تدر ورغد عيش كل ذلك سبيله بالإيمان والتقوى والعمل الجاد المصلح.
لكن أين نحن من كل هذا ؟ كم تنتشر بين المسلمين معالم اضمحلال التقوى وضعف الإيمان ، ضياع للأمانة وأكل للحقوق، تفريط في الوظيفة وتضييع لحقها، استغلال للمنصب وأكل للمال العام، تبرج النساء وتفريطهن بالحجاب، فزع لأبراج الحظ واستعانة بالسحرة ، أكل للربا، وزنا وخمور، وألوان للمعاصي، إن ما يصيب الفرد و المجتمع إنما هو بسبب الذنوب والخطايا قال تعالى : (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) إن أول أسباب سعة الرزق ووفرة الخيرات طاعة الله سبحانه والإقلاع عن الذنوب والخطايا والقيام بحق الأمانة على مستوى الأفراد والجماعات .
ثانيا : إن الابتلاء بنقص الأموال والأنفس والثمرات نوع من أنواع الاختبار للناس حتى يعلم الصابر من غيره بل إن الله يضيق على العباد حتى يعودوا اليه ويرجعوا عن ذنوبهم قال تعالى : (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يتذكرون )، وقال ( ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون ) فهل من متضرع وهل من متذكر وهل من صابر.
ثالثا : إذا عف الكبار عف الصغار وإذا عف الراعي عفت الرعية لقد عف النبي عليه الصلاة والسلام فعف الصحابة ، لقد عف عمر الفاروق فعف أمراؤه ، لقد عف عمر بن عبد العزيز فعفت رعيته إذا عف الملك عفت بطانته وإذا عف رئيس الوزراء عف الوزراء وإذا عفت الحكومات عفت الشعوب إن أول واجب على المسؤلين أن يبدأوا بأنفسهم وسيكون الناس تبعا لهم .
رابعا : مكافحة الفساد وأهله دعوة بدأها الأنبياء والرسل فمنهم من نهى قومه عن إتيان فاحشة اللواط ومنهم من نهاهم عن قطع الطريق أو تطفيف الكيل والميزان وكذلك الأمر في الكتاب والسنة وهذه الدعوة لا يكفي أن تكون شعاراً بل لا بد أن تكون منهجاً تنبثق عنه الأنظمة والقوانين وعدم التفريق في تطبيق ذلك بين أحد من الناس ، وذلك لإعادة مقدرات الأمة وممتلكاتها .
خامساً : لا بد للدولة من الجدية في اجراءات تقشفية حقيقية كالذي أعلنته وأكثر وتحديد ذلك بمدد زمنية وتعيين المراقبين على سير ذلك فكم علا سقف رواتب بعض المتنفذين وكم من الآليات سخرت لمصالح أصحاب الرتب وهذا كله من إهدار مال المحاويج من المواطنين، هذا بالإضافة إلى إقامة الدورات التأهيلية للناس في كيفية إدارة المال وتكييف المعيشة مع مستوى الدخل فكم ضاعت أسر بسبب اهدار معيلها الأموال بشكل غير متوازن.
سادساً : فتح باب التبرع لإخراج الدولة من هذه الأزمة وهو أسلوب نبوي استعمله إمام الأمة وقائدها فقال: (من يشتري بئر رومة وله الجنة ) فاشتراه عثمان وسقى المسلمين بعدما كان يملكه يهودي حبس ماءه عن المسلمين فما المانع أن تخصص الدولة يوماً مفتوحاً بالتعاون مع جميع المؤسسات الرسمية والخيرية والمؤسسات الإعلامية وبالتعاون مع علماء الشريعة تجمع فيه الأموال التي تكون ظاهرة بينة في جمعها ووسيلة صرفها بكل شفافية ووضوح .
سابعاً : تفعيل فريضة الزكاة بالطرق الرسمية كما هو معمول به في بعض الدول المجاورة كالسعودية إذ تؤخذ الأموال من المشاريع وأرباحها قصراً حتى تصرف في مصارفها .
ثامناً : اعتناء الدولة بتقليل النفقات أمر مهم لكن الأهم منه اعتناؤها بتكثير الموارد بإقامة المشاريع التنموية النافعة ولو كانت على أساس شراكات مع القطاع الخاص دون اجحاف بحق الدولة ممايقلل العجز والمديونية ثم إن المساواة بين الفقراء وغيرهم من أصحاب الملايين والأثرياء في الضرائب بأشكالها أمر غير صحيح لابد من النظر في آلياتٍ تحمل من يستطيع وتخفف كاهل من لايستطيع .
تاسعاً : إنه من المقرر في قواعد الشريعة التي نص عليها العلماء أن انكار المنكر إذا أورث منكراً أكبر منه فإنه لا يجوز، فهل قطع الطرق بالإطارات المحروقة ازالة للمنكر ،وهل احراق المؤسسات وقتل رجال الأمن انكار للمنكر، ماذا سيقول لربه من قتل والله يقول : ( ومن يقتل مؤمناً متعمدا فجزاؤه جهنم خالداَ فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً ) وهل هذه الأفعال توسع الأرزاق أو تقلل المديونية وكم من الأموال تنفق في التأهب والإجراءات الأمنية وغيرها ، إن هذا الكلام لا يعني عدم مطالبة الناس بالحقوق ومناصحة المسؤلين واتخاذ جميع أشكال الوسائل المباحة التي تعيد الحقوق وتحفظ البلاد . وكم كان جميلاً تبرؤ جميع الحراكات من هذه الأفعال وإدانتها حتى لا يستغل المجرمون الظرف للإفساد مما يترتب عليه إشعال فتنة عظيمة وقانا الله شرها.
عاشراً : إن الأمن والأمان نعمة عظيمة امتن الله بها على قريش فقال : ( أو لم يروا انا جعلنا حرما آمناً ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرن ) وقال :(فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف )بالأمن تحفظ الأعراض والدماء والأموال ، بالأمن يأمن الناس وترتاح النفوس ، بالأمن يحقق الابداع والتقدم وبدونه سفك الدماء وانتهاك الأعراض وزوال النعم ، إن الحفاظ على أمن البلاد عبادة عظيمة وواجب في عنق كل مواطن ومسؤول، إن الناظر في أحوال الدول حولنا كالعراق وسوريا وغزة وفلسطين ، وغيرها يذكر هذه النعمة ويقدر قدرها ، إن هذه البلاد مستهدفة من اليهود تارة والتشيع والرفض أخرى وهكذا فهل نفوت الفرصة على أعدائنا أم نكون يداً لهم على بلادنا.
وكذلك ينبغى على المسؤولين أن يتقوا الله في شعبهم، فلا يحل لهم ضربهم ولا اطلاق القنابل المسيلة للدموع واعتقالهم دون وجه حق مادامو لا يخربون الممتلكات ولا يدمرون، وليعلموا أنهم سيسألون عن رعيتهم يوم القيامة وسيقتص منهم بين يدي الجبار، فحذار من الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، الأردنيون جميعاً مع معاقبة المجرم والمفسد، لكن ليس هذا مبرراً لظلم الناس بالجملة ولو صدر منهم خلاف الأولى، فالمعالجة الأمنية الخشنة ويبلة العواقب "وما كان الرفق في شيء إلا زانه".
وأخيراً فإن ما يصيبنا اليوم جاء الوحي الإلاهي ببيانه منذ مئات السنين فهاهو رجل يأتي للنبي عليه الصلاة والسلام فيقول : (استعملني كما استعملت فلاناً ) يريد إمارة فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها ، قالوا : فمايصنع من أدرك ذلك يا رسول الله ، قال : أدوا الحق الذي عليكم واسألوا الله الذي لكم ) وفي رواية ( فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) أداءٌ للحقوق، وحفظ للأمانة وعدم تفريط في الواجبات ،مع صبر،والفرج مع الصبر،وتضرع وسؤال لله أن يعيد الحقوق ويزيل الظالم المستأثر بالمال والسلطان والدنيا ، هذه سبل النجاة فهل نعيها .