إثبات نسب ثلاثة اشقاء بعد أكثر من 12 عام

في الوقت الذي ينعم فيه أي طفل حديث الولادة في الأردن بحقوقه الأساسية، حَظِي ثلاثة أشقاء بها بعد ما يزيد الـ12 عاما من الحرمان والعذاب وطول الانتظار؛ إثر كسب مركز العدل للمساعدة القانونية دعوى قضائية بثلاثة أركان، والتي نتيجتها حفظت للأطفال حقهم بالنسب والسير في إجراءات إعادتهم إلى المدرسة بشكل نظامي.


واصدرت محكمة عمان الشرعية قرار بإثبات زواج والدي الثلاثة أشقاء، ونسبهم إليهما، وطلاقهما، ليصار بعد ذلك، رفع دعوى بالمحكمة النظامية؛ لإثبات قيد ولادة، وبناء عليها سيتم إصدار شهادات ميلاد.

تروي تفاصيل الحكاية، المحامية التي تبنت قضيتهم في مركز العدل آيات النوايشة للأسف فإن «مستقبلهم وقف على ورقة»، الورقة التي ينظر لها الجميع بأنها إجراء روتيني أساسي في كل أسرة، ولكن لهؤلاء الأشقة قصة خاصة بهم حالت دون الحصول عليها، ما حرمتهم التمتع بأبسط حقوقهم».

وتذكر النوايشة أن معاناة الأطفال الثلاثة -أكبرهم ذو الـ15 عاما، والثاني 14 عاما، وأصغرهم يبلغ 12 عاما-، بدأت بقرار عودة الوالدين المطلقين بطريقة غير رسمية، أي بزواج عُرفي، بالرغم من أنهما مطلقين بنظر المحكمة؛ لتوثيق ذلك فيها.

أنجبت الأم أطفالها داخل المنزل، تحت إشراف «الداية»، والتي هي عمّة الزوج، دون لجوء الأسرة إلى تسجيلهم وإخراج أوراق ثبوتية لهم؛ ما حرمهم التمتع بأبسط حقوقهم من تعليم صحة وغيرها..، حسب النوايشة.

تفاصيل كثيرة ومريرة حوتها هذه القضية، إذ انفصل الزوجان، وتزوجت الأم من أجنبي عام 2013 وتعيش معه خارج الأردن، أما الأب دخل مراكز الإصلاح والتأهيل أكثر من مرة، ما اضطر بأن يعيش الأطفال مع عمة الزوج إلى عام 2017، والتي توجهت بدورها، إلى وزارة التنمية الاجتماعية؛ لترعى الأطفال داخل إحدى دور الرعاية التابعة لها، لأنها لم تعد تقوى فعل أي شيء دون أوراقهم الثبوتية وفق النوايشة.

وكان للشراكة ومذكرة التفاهم بين مركز العدل للمساعدة القانونية ووزارة التنمية الاجتماعية، الدور الأكبر في تحويل القضية إلى المركز من قبل الوزارة، وبالرغم من التحديات الكبيرة التي واجهت المحامية آيات النوايشة، إلا أنها استطاعت من خلال المركز، إثبات زواج الوالدين ونسبهم إليهما واثبات الطلاق. لتكمل مشوارها عبر رفع دعوى بالمحكمة النظامية؛ لإثبات قيد ولادة، وبناء عليها سيتم إصدار شهادات ميلاد.

تحديات كبيرة ومتشابكة ترويها النوايشة بالقول «لا يوجد مكان إقامة فعلي للزوج، فضلا عن وجود تعميم عليه، ما شكل ذلك عائقا لحضوره لتوقيع الوكالة، ما اضطروا الى إحضاره من خلال المدعي العام الشرعي، والذي بدوره ألزمه على توقيع الوكالة للعمّة؛ لتستطيع التعاون وإكمال الاجراءات، والتواصل معها من خلال وزارة التنمية الاجتماعية».

وتذكر النوايشة أن المدعي العام أصدر كتبا للمدارس وتم تسجيلهم مؤقتا لغاية استصدار أوراق رسمية، فضلا عن أنه قد تعاون على أن يكون هناك وصي مؤقت، وهو أحد الموظفين في وزارة التنمية الاجتماعية؛ لغاية إكمال إصدار الأوراق. وبناء على ذلك تم تسجيل الأطفال في المدارس، فضلا عن أنه وصي عليهم أيضا فيما إذا احتاجوا الرعاية الصحية أيضا.

ووفق النوايشة «سجلت العمة تواريخ ولادات الأطفال على قصاصة أحضرتها معها إلى المحكمة»، لافتة هنا إلى جملة من التحديات المرتبطة بخوف الشهود من الإدلاء بشهادتهم، بالإضافة إلى صعوبة تنقل العمة، ما تضطر الوزارة إلى إيصالها للحضور.

وتشير النوايشة إلى أن الأطفال ما زالوا في دور الرعاية إلى أن يطالب أحد أقربائهم برعايتهم شريطة أن يكون كفؤا وقادرا على رعايتهم دون تعريضهم للخطورة.

بدورها، تقول المحامية في مركز العدل للمساعدة القانونية إلهام أبو لبدة من الصعب أن يعيش الأطفال وكأنهم غير مرئيين، ومحرومين من أبسط حقوقهم، وبالأخص التعليم والصحة.

وتبين ان الدستور الأردني كفل حماية الطفولة في المادة 6 والتي تنص على «يحمي القانون الأمومة والطفولة والشيخوخة ويرعى النشء وذوي الإعاقات ويحميهم من الإساءة والاستغلال».

وتتابع أن الدستور أيضا أكد على مبدأ المساواة، لافتة هنا إلى أن الممارسات والتطبيق الخاطئ للنصوص الدستورية والقوانين تؤدي إلى التمييز. كما تشدد أيضا على «مبدأ عدم التمييز الوارد في اتفاقية حقوق الطفل، مبدأ مهم جدا، ويجب الالتزام به».

وتذكر أن اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها الأردن كفلت حقه بالرعاية، وفي اسم يميزه، وأن ينسب لوالديه كحق للبقاء والنماء؛ لأن الطفل إذا لا يملك أوراقا ثبوتية لن يستطيع الحصول على حقه بالتعليم والصحة؛ ما يجعله إنسانا غير مرئي.

وتلفت إلى أن الطفل عندما لا يملك أوراقا ثبوتية فإنه يواجه مشاكل متعددة منها الاجتماعية من خلال تعرضه للتنمر والتمييز، فضلا عن مشاكل قانونية وإنسانية.

ووفق أبو لبدة «إن المركز يقدم خدمات قانونية بشكل تشاركي مع وزارة التنمية الاجتماعية وإدارة حماية الأسرة، خدمة لهؤلاء الأطفال؛ ليحصلوا على حقوقهم على أكمل وجه، بالإضافة إلى السعي لئلا ينتقص المجتمع منهم أو أن يفقد الأطفال قيمتهم أو تقديرهم لذواتهم». مشددة على أنهم يسعون للمصلحة الفضلى للطفل.

وتشير أبو لبدة إلى أنه سيتم رفع دعوى إثبات قيد ولادة لأن أعمار الأطفال تزيد عن سنة، ووفق قانون الاحوال المدنية لا يجوز إصدار شهادة ميلاد لطفل عمره أزيد عن سنة، إلا بقرار من محكمة الصلح المختصة بقضايا الأحوال المدنية.

من جانبه، يقول الناطق الإعلامي باسم وزارة التنمية الاجتماعية أشرف خريس ان الدور الإيوائية للأطفال فاقدي السند الأسري تقدم العديد من الخدمات.

ويذكر خريس، بعض هذه الخدمات التي تتمثل بمساعدتهم للالتحاق بالتعليم الأساسي والثانوي في المدارس، التي تبدأ من مرحلة ماقبل المدرسة في صفوف رياض الأطفال وحتى الصفوف الثانوية، وتوفير جميع متطلبات التحاقهم بالمدارس، من الأوراق الثبوتية والملابس والقرطاسية، ومتابعة تحصيلهم الأكاديمي في مدارسهم.

ويبين خريس أنه ممن لم يسبق لهم الالتحاق بتعليمهم المدرسي، قبل دخولهم إلى الدور الإيوائية، فيجري التنسيق مع مديرية التربية والتعليم المعنية، ويتم إلحاقه ببرنامج التعليم الاستدراكي، حتى يتمكن الطفل من استئناف دراسته في الصفوف المدرسية.

ويشدد خريس على أن مؤسسات الرعاية الإيوائية تعمل على توفير بيئة دافعة لتشجيع الأطفال على تحسين تحصيلهم الأكاديمي من خلال الكوادر العاملة في الدور وتحديداً من المعلمات المتخصصات ذوات الخبرة، من خلال المتابعة المستمرة لهم في المدارس، وأثناء وجودهم في الدور.

ويشير إلى أن الحالات التي تتطلب مزيداً من الاهتمام بالأطفال من ناحية التعليم، تتم الاستعانة بمتطوعين متخصصين، أو من خلال معلمات لمساعدتهم على تنمية تحصيلهم الأكاديمي، بالإضافة إلى أن الدور توفر غرفا صفية ملائمة لكافة الأعمار، من أجل توفير بيئة متكاملة لهم من ناحية التعليم.

الرأي