لك الله يا غزة
لك الله يا غزة
غزة تحت القصف .. غزة تحترق .. أشلاء رجال ونساء وأطفال تتطاير، وبيوت تُهدم على رؤوس ساكنيها، نساء وأطفال يتصارخون خوفاً ورعباً وهلعاً، يركضون في كل الاتجاهات بحثاً عن مكان، لا مكان في غزة يحميهم، لا مفر، العدو أمامهم وخلفهم وحولهم وفوقهم، دباباته وبوارجه تدك القطاع دكا، وتتصيد بيوت غزة بيتاً بيتاً، طائراته تصول وتجول، ليس في سماء غزة فقط، وإنما أيضاً في أجواء عربية عديدة، تضرب أهدافاً عربية متى شاءت وكيفما شاءت، تُمرغ أنوفنا في الوحل، وتعود سالمة غانمة إلى قواعدها، لا يعترضها أحد، وربما .. ربما لا يلحظها أحد، أو ربما لا تظهر على شاشات الرادارات العربية، والله تعالى أعلم.
عادة ما يختار العدو الزمان والمكان ليضرب ضربته، ويبدو أن كل الأزمنة والأمكنة في هذا الوطن العربي من محيطه إلى خليجه مناسبة للعدو وتحت تصرفه وطوع بنانه، ومع ذلك فهو يختار الزمان المناسب ليضرب في المكان المناسب، ليس خوفاً من الحكومات العربية وجيوشها الجرارة، وإنما خوفاً من الشعوب العربية التي إذا ما انتفضت، فلن يقف في طريقها أحد، وستتهاوى عندها كل المعاهدات والاتفاقات التي كبَّلت نخوتنا وعزتنا وكرامتنا، ومكَّنت العدو منا، فأصبحنا كالخراف تُساق إلى الجزار مستكينة صاغرة، لا تدري من أمرها شيئا.
مفردات الإدانة والشجب والاستنكار، التي دأبنا على استخدامها ردحاً من الزمن قبل أن تختفي ليحل محلها مفردات كالسلام والوئام والتعايش وحسن الجوار وغيرها، عادت لتظهر من جديد في قاموسنا وأدبياتنا، ربما بفعل الربيع العربي الذي طارت معه رؤوس لطالما انحنت ذلاً وخنوعاً للعدو، وإرضاءً للعم سام وأطماعه ومخططاته الشجب والاستنكار والإدانة ما عادت تكفي للرد على اعتداءات العدو وغطرسته، ولا حتى سحب السفراء أو فتح المعابر لعلاج الجرحى.
الرد يجب أن يكون ما يراه العدو لا ما يسمعه، تماماً كما فعل هارون الرشيد مع ملك الروم عندما نقض المعاهدة مع المسلمين. قد لا تكون الدول العربية أو بعضاً منها مهيأة للحرب مع العدو الصهيوني في الوقت الحاضر، لكن هنالك ألف وسيلة وسيله لردع العدو وإيقافه عند حدة، أقلها إلغاء المعاهدات وقطع العلاقات والاتصالات معه نهائياً والعودة من جديد إلى المقاطعة العربية، والإعداد والاستعداد بعد ذلك ليوم لا بد منه، يومٌ تُستعاد فيه الأرض والكرامة، ويعود الحق إلى أصحابه كاملاً غير منقوص.