أردنيون أبدعوا في خدمة الوطن فوضع الملك أوسمة غالية على صدورهم
لا تُبنى الأوطان بالقول فقط، بل إنَّ العمل الصَّالح الخالص المرافق للقول هو من يبنيها، تمامًا هذا ما حدث على مدار أكثر من 100 عام من عمر الأردن الحديث، فإنَّ هناك رجالا صدقوا بحب الوطن قولا وفعلًا، فكان التكريم الملكي بوضع أرفع الأوسمة وأغلاها على صدورهم يوم الاستقلال.
فخلال احتفال الأردنيين بيوم الاستقلال في السَّاحة الأمامية لقصر رغدان العامر، والذي صادف يوم الخميس الماضي 25 أيَّار، أنعم جلالة الملك عبدالله الثاني بأرفع الأوسمة على عدد ممن أبدعوا في خدمة الوطن قولا وفعلا وفي الحقول كافة، بحضور جلالة الملكة رانيا العبد الله، وسمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني ولي العهد.
اختيار هؤلاء الأشخاص لهذا التكريم وفي هذا اليوم لم يكن صُدفة، فإنَّ رصدًا مستمرًا لكل مبدعي ورياديي هذا الوطن أفرز هؤلاء لهذا التكريم وهذه الأوسمة في حقول اللغة والدين والأدب والتعليم والرياضة والموسيقى ولكل منهم قصَّة.
الدكتور هيثم سكرية أستاذ الموسيقى في الجامعة الأردنية، الحاصل على تكريم جلالة الملك عبد الله الثاني له بمنحه وسام الملك عبدالله الثاني ابن الحسين للتميز من الدرجة الأولى؛ تقديرا لدوره الكبير في مجال الموسيقى، وتقديمه عروضا متنوعة في مختلف المحافل الثقافية والفنية المحلية والإقليمية والعالمية؛ أعرب عن شكره وتقديره لهذه اللفتة الكريمة من جلالته، مشيرا إلى أنَّه سيعمل على تحقيق المزيد من الإنجازات التي تسهم في تقديم صورة مثالية للمملكة الأردنية الهاشمية على الصعيد الفني.
وبين أنَّ هذه الجائزة شكَّلت حافزًا كبيرًا على التقدم والإبداع، وكون الاهتمام الكبير بالفن والإبداع جاء من لدن رأس الدولة؛ فغدا ذلك من أكبر المحفزات له للمضي قدمًا، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على المكانة المرموقة التي يحظى به الفن الأردني.
وقال إنه حصل على هذا الوسام لمشاركاته الفعالة في الأنشطة الفنية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، لا سيما تمثيل المملكة بالأعمال السيمفونية المغايرة للنمط العربي التقليدي إيقاعًا وأسلوبًا؛ بهدف الارتقاء بالفن العربي عمومًا والأردني على وجه الخصوص، لأن تلك الأعمال تحمل دلالات وطنية وسياسية تساهم في تعزيز الولاء والانتماء وترسيخ قيم المواطنة، إذ كانت تلك الأعمال تندرج تحت قوالب سيمفونية عالمية لكن بمضمون عربي، كاستخدام ملامح موسيقية عربية بنكهة أردنية من خلال توظيف الموروث الشعبي الأردني ليبدو في حلة جديدة، وهي القالب العالمي (السيمفوني) الذي تؤديه أوركسترا كلاسيكية كبيرة تضم جميع الآلات الموسيقية (النفخية والنحاسية والخشبية والوترية -الكلاسيكية العالمية-)، إضافة إلى دمج الآلات الموسيقية الشعبية الأردنية بلباسها الشعبي الذي يمثل النسيج الأردني من شتى الأصول والمنابت.
ولفت إلى العمل الأخير المتمثل في السيمفونية ذات المحاور الخمس، التي تحكي تاريخ المملكة الأردنية الهاشمية منذ قيام الثورة العربية الكبرى حتى يومنا هذا، فتم توظيف الفلكلور الأردني بما يخدم العنصر الدرامي كتصوير النسيج الأردني في مرحلة تاريخية معينة تضم الشمال والجنوب، والبادية والريف، والأصول الشامية، والأصول الفلسطينية، والشركسية، والأرمنية، فكان العازف يلبس لكل لحن يمثل أي نسيج من تلك الأنسجة اللباسَ الفلكلوريَّ الذي يناسبه.
وقال إنَّه حصل على 16 جائزة إقليمية وعالمية، والمركز الأول في مسابقة التأليف العالمية للتأليف السيمفوني في بلجراد عام 2018 وهو أهم التكريمات التي كان قد حصل عليها إطلاقًا، كما حصل على جوائز محلية عديدة تُعنى بالموسيقى السيمفونية، ومهرجان الأغنية الأردنية، والعديد من المسابقات في مجال التوزيع الموسيقي وأغاني الأطفال والموسيقى التصويرية على خشبة المسرح، كما حصل على العديد من الجوائز في معظم مجالات الفنون، وكذلك الجوائز الثلاث الأولى في أحد المهرجانات (محليًا وعربيًا وفي استفتاء الجمهور).
وحول أهدافه المستقبلية، قال الدكتور سكرية إنه يعمل على عشرين عملاً سيمفونيًّا تحمل مدلولات وطنية مثل: الشروق في وادي رم، والغروب في وادي رم، وسمفونية البتراء، وعروس الشمال، والثورة العربية الكبرى، وميلاد ملك هاشمي، والعرس الأردني، ومرثاة الحسين، والفجر الجديد الذي يصور عهد الملك عبد الله الثاني.
وبين أن معظم أعماله تحمل دلالات وطنية، وهي ذات طابع دولي أيضًا، شارك بها في المحافل الدولية، إذ كان يقود بعضها بنفسه، كما كان بعض القادة العالميين يقودون بعض أعماله أيضًا.
وشارك أيضًا في بعض الحفلات الدولية التي كانت تُعنى بالموسيقى العالمية في دول أوروبية مثل فنلندا وروسيا وألمانيا، كانت تضم برامج موسيقى عالمية فقط، لكن الافتتاح كان يتم بتقديم عمل عربي؛ فتم ترشيح أعماله، والتي احتوت مادتها: البتراء، وأغنية أوركسترا: حبيتك عمان، والعرس الأردني، حيث لاقت جميعها صدىً كبيرًا، لاستيحائها من البيئة الأردنية وابتعاده فيها عن الصيغة الغربية، لأنه يؤمن أنَّ سر التميز يكمن في الانطلاق من البيئة المعيشة، والابتعاد عن التقليد الأعمى للغرب.
وأضاف أن أمامه هدفًا كبيرًا يطمح لتحقيقه، هو عمل أوبرا أردنية متكاملة تجمع مفردات الفنون جميعها من تأليف موسيقي وعزف وأوركسترا وغناء وتمثيل وإخراج وديكور وإضاءة وسينوغرافيا وكيوغرافيا باللهجة الأردنية، تجمع بين السيمفونية والنكهة العربية والنكهة المحلية.