خلال 22 عامًا .. تضاعف موجودات البنوك العاملة في الأردن 5 مرات
يستذكر الأردنيون في كل عام العناصر التي أدت إلى تحقيق الاستقلال في عام 1946 والمكتسبات الجديدة التي تلت الاستقلال وتم البناء عليها، خصوصاً المكتسبات الاقتصادية؛ والتي كان الجهاز المصرفي أحد أبرز المساهمين فيها طيلة العقود الماضية؛ بدءًا من الاستقرار النقدي ودوره في توفير بيئة داعمة للنمو الاقتصادي وجذب الاستثمار الأجنبي، وقوة وسلامة القطاع المصرفي وقدرته على تجاوز الصدمات الاقتصادية.
وشهدت الخدمات والمنتجات والحلول والعمليات المصرفية تقدماً وواكبت التطور التكنولوجي الحاصل، الذي انعكس على جودة وطبيعة الخدمات التي يقدمها القطاع المصرفي للأفراد والقطاعات الاقتصادية كافة، علاوة على رفد القطاع المالي بالكفاءات والخبرات البشرية الأردنية التي جعلت من القطاع نموذجاً يحتذى به بين القطاعات الاقتصادية.
ويعتبر الجهاز المصرفي الأردني من أقدم القطاعات الاقتصادية تنظيماً وعملاً في المملكة، حيث بدأ التفكير بإصدار عملة وطنية مع إعلان الأردن مملكة مستقلة عام 1946، وصدر القانون المؤقت رقم (35) لسنة 1949 والمعدل بالقانون رقم (53) لسنة 1949، الذي تم بموجبـه تشكيل مجلس النقد الأردني الذي أصبح السلطة الوحيـدة المخولـة بإصـدار أوراق النقـد والمسكوكات في المملكة.
تلاه في عام 1964، تأسيس البنك المركزي تحت إشراف ورعاية من المغفور له جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه، ليقوم البنك المركزي بإصدار أول قانون للبنوك في عام 1966، ليصل عدد البنوك بعد مباشرة البنك المركزي أعماله رسمياً إلى 8 بنوك في مطلع سبعينيات القرن الماضي.
ومن ذلك الوقت، أصبح واضحاً تطورات القطاع المصرفي وتعمقه في الاقتصاد الأردني، فقد بدأ القطاع المصرفي عمله بنحو 22 فرعاً، مقارنة مع 941 فرعاً ومكتباً نهاية العام 2022، فيما كانت موجودات القطاعين نحو 76 مليون دينار في تلك الفترة، أي قرابة 33.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، لتصل إلى 64 مليار في مطلع عام 2023 والتي تشكل قرابة 192 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وارتفع رصيد الودائع لدى البنوك المرخصة في المملكة من 57.7 مليون دينار عـام 1970 إلى نحو 42 مليار دينار في مطلع عام 2023، لتشكل نسبة 162 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومنذ مطلع الألفية الجديدة، واكب القطاع المصري الأردني عناصر النمو والازدهار الاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته المملكة، حيث تم إصدار قانون جديد للبنوك رقم 28 في عام 2000 بهدف تحقيق الممارسات الفضلى في العمل المصرفي، والسماح للبنوك مواكبة مستجدات العمل المصرفي العالمية، حيث قدم القانون مفهوم البنك الشامل الذي يتيح للبنوك تقديم خدمات متنوعة كإدارة المحافظ الاستثمارية، والاستشارات المالية، وإصدار الأوراق المالية، إضافة إلى القيام بعمليات الوساطة والتأجير التمويلي، وعدم حصر نفسها بالخدمات المالية التقليدية، إضافة إلى السماح للبنوك بإنشاء مؤسسات مالية غير مصرفية كشركات التأمين وغيرها.
كما استمر القطاع المصرفي بتحقيق النقلات والقفزات النوعية التي تظهر مدى عمق القطاع في الاقتصاد الأردني، ودوره في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام، فمنذ عام 2000 إلى عام 2022 تضاعف إجمالي موجودات البنوك العاملة في الأردن بحوالي 5 مرات، كما نمت التسهيلات الائتمانية الممنوحة من البنوك بحوالي 7.2 ضعف، إضافة الى نمو الودائع بأكثر من 5 أضعاف.
ولا بد من الإشارة الى أن مؤشرات المتانة المالية للقطاع المصرفي حققت مستويات مريحة ومطمئنة للقطاع على مدار العقدين الماضيين رغم تأثر الاقتصاد الأردني بالعديد من الأزمات المالية والاقتصادية، كالأزمة المالية العالمية عام 2008، والربيع العربي عام 2011، وما تبعه من استقبال للاجئين وضغط على الموارد الاقتصادية، إلى جائحة كورونا،
وأخيراً الحرب الأوكرانية الروسية وتبعات حالة عدم اليقين العالمية حول توجهات الاقتصاد وارتفاع مستويات التضخم العالمي.
وفي هذا الصدد، فقد انخفضت نسبة الديون غير العاملة من 8.2 بالمئة في عام 2010 إلى 4.6 بالمئة في عام 2022، وارتفعت نسبة تغطية الديون غير العاملة من 52.4 بالمئة في عام 2010 إلى 83.4 بالمئة في عام 2022، إضافة الى بقاء نسبة كفاية رأس المال عند مستويات ثابتة خلال فترة 2000-2022 تتراوح بين 17-20 بالمئة ، وتحقيق عائد على المساهمين بلغ تقريباً 8 بالمئة .
ولا بد من تسليط الضوء على التطور التكنولوجي الكبير الذي حدث في القطاع المصرفي، والذي ساهم البنك المركزي بوضع الأسس لها، كنظام التسويات الإجمالي الفوري (RTGS-JO)؛ الذي يهدف إلى تسوية أوامر الدفع كبيرة القيمة بين البنوك على النظام، وقد حصد هذا النظام المرتبة الأولى عربيا وثانيا عالميا بعد إجراء التحديثات عليه وإطلاقه بحلته الجديدة عام 2015.
كما تم تطوير نظام المقاصة الإلكترونية للشيكات والذي يهدف إلى إيقاف تبادل الشيكات بالطريقة العادية واستبدالها بالطريقة الإلكترونية وتحصيل حقها في نفس اليوم. إضافة إلى تطوير نظام وعرض تحصيل الفواتير إلكترونيا (e-Fawateercom) وأنظمة الخدمات الإلكترونية عبر الهاتف النقال، التي أتاحت للبنوك تقديم خدمات جديدة ومتطورة للعملاء دون الحاجة إلى زيارة فروع البنوك بشكل فعلي.
ومع دخول المملكة المئوية الثانية، يدخل القطاع المصرفي عصرا جديدا من الخدمات المالية، تعتبر التكنولوجيا المالية حجر الزاوية بها، منها تطوير أنظمة البنوك الرقمية والبنوك المفتوحة، التي تتيح استخدام أدوات الثورة الصناعية الرابعة، كالبلوك تشين والذكاء الاصطناعي. حيث يظهر جليا اهتمام القطاع المصرفي بهذه التكنولوجيات والاستثمار بها، كما يظهر دور البنك المركزي في العملية التنظيمية وتسهيل عملية تطوير هذه البرامج والأنظمة من خلال إطلاق البنك المركزي مختبر التكنولوجيا المالية التنظيمي وتجريبها قبل اعتمادها.
ومن عناصر دخول القطاع إلى العصر الجديد، توجهات البنوك نحو الاستدامة والتمويل الأخضر، حيث يعتبر هذا النوع من التمويل التوجه العالمي، كونه يساهم بتحقيق متطلبات حماية البيئة ومعالجة تحديات التغيرات المناخية، إضافة إلى تبني البنوك تطبيق معايير الحوكمة الاجتماعية والبيئية (ESG) المختصة بالقطاع المصرفي والتي تعتبر نهجا شاملا للاستدامة، وتركز على كيفية تعاطي القطاع المصرفي مع العناصر المحيطة به، كالبيئة، والعلاقات مع المتعاملين من أصحاب المصلحة، وطرق استجابة عناصر الحوكمة والمخاطر في القطاع المصرفي مع تلك العناصر.
وعلى المستوى الدولي، تؤكد آراء المؤسسات المالية والاقتصادية على إنجازات القطاع المصرفي، فقد أشار تقرير بعثة صندوق النقد الدولي لتقييم القطاع المالي (FSAP) الصادر في شهر نيسان من العام الماضي 2022 صراحة إلى قدرات القطاع المصرفي الأردني في مجابه أي أزمات اقتصادية خارجية لا قدر الله، وتمتعه بالصلابة بشكل عام بفضل مستويات رأس المال التنظيمي في الجهاز المصرفي ككل وقوة الإيرادات التي يتمتع بها. كما يشير مؤشر التنمية المالية (Index of Financial Development) الصادر عن صندوق النقد الدولي (IMF) إلى كفاءة القطاع المصرفي الأردني، حيث ارتفعت درجة القطاع من 35 نقطة في عام 1980 إلى 45 نقطة في عام 2020 وحصول القطاع في نفس السنة 64 نقطة في محور الكفاءة وهي أعلى من المتوسط للدول النامية والبالغ 61 نقطة.
وفيما تواصل المملكة تطورها ونهضتها الاقتصادية والاجتماعية الشاملة وبناء المنجزات، يقف القطاع المصرفي شريكا أساسيا وداعما رئيسيا لهذه المنجزات ومحركا للنمو الاقتصادي، بهدف ترسيخ مكتسبات الاستقلال والبناء عليها في المئوية الثانية تحت عنوان المشاركة في تحقيق أهداف الاقتصاد المستدام وتطوير عناصر التمويل الأخضر المستدام.