الملك في إجازة
رغم أن طلت دولة رئيس الوزراء على قناة التلفزيون الأردني مساء يوم الثلاثاء كانت نذير شؤم على الأردنيين، وان لم تكن مفاجئة للكثيرين منا، فالرجل على مدى الأيام التي تولى فيها مهام رئاسة الوزراء، وهو يتحدث ويمهد للإجراءات التي ينوي اتخاذها لمعالجة الخلل الاقتصادي الذي يعصف بالمملكة، والحقيقة أن وجهة نظر دولة الرئيس في معالجة الأزمة كان منطقي، ومقنع إلى حدود تجعل من المراقب والمتابع يميل لتأييد الإجراءات التي ينوي دولة الرئيس تبنيها، والعمل على انجازها لتصويب الأوضاع وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والعمل على تصحيح المسيرة في سبيل إنقاذ البلاد من الوقوع في أزمة لا تحمد عقباها.
ثم إن وجهة نظر الرجل ترتكز على ثلاث محاور أساسية مهمة للغاية، وكانت وراء تبنيه هذه الحزمة من القرارات، فكان أولها إن اتخاذ قرار رفع الدعم الحكومي عن المحروقات قرار لا بد منه، وان عمل على تأجيله أو التراخي عنه فمن سيأتي بعده سيتخذه كضرورة ملحة لتتمكن الحكومة من تقوية موقفها أمام الدول المقرضة والمانحة، وتعطيها انطباع جيد يسهم في حصول الأردن على مزيد من القروض لمعالجة الخلل الاقتصادي، من منظور أن الإنفاق يصب على الضروريات والأساسيات.
وثاني هذه المحاور، هو الشعور الذاتي الذي ينتاب دولة الرئيس بضرورة تحمل أعباء المسؤولية، من باب الأمانة والإخلاص لله، وللوطن، وللملك، وتحمل النتائج بدون اللجوء لمحاولات المراوغة والتخدير الشعبي، واتخاذ أسلوب المصارحة كأساس للحوار، وانطلاقا من تعويل دولة الرئيس على قدرة المواطن الأردني على تفهم متطلبات المرحلة، والتأكيد التام على أن من يكن في موقع متخذ القرار تحد قراراته مجموعة من الظروف، والتي قد لا تكون واضحة تماما لمن يقف في صف المعارضة، مع التأكيد التام بان صدق النوايا ليس دائما سيد الموقف والصفة الحميدة التي يتحلى بها الجميع.
أما ثالث هذه المحاور فهو أن الاقتراحات لحل المشكلة الاقتصادية الأردنية كثيرة جدا، وينظر كل شخص للمشكلة من وجهة نظرة الخاصة، في حين أن الحكومة معنية بمراعاة الظروف العامة للدولة، ومراعاة النقاط المحددة التي تشكل عائق أمام حصول الحكومة على مساعدات وقروض دولية، فكان اللجوء لرفع الدعم الحكومي بقرار مباشر وصريح ومعلن هو الحل الأكثر منطقية، رغم كونه يعتبر الأكثر حساسية بالنسبة للمواطن.
وإذا كان دولة الرئيس قد اتخذ القرارات التي يرى أنها ضرورية، وانه أدى الواجب الوطني الذي أملاه عليه ضميره، وانه سيتحمل تبعات قراراته هذه على حساب سمعته الشخصية، إلا أن المواطن الأردني الذي خرج محتجا على قراراته بشكل عفوي، والمواطن الذي خرج بفعل تحريض التيارات السياسية والحراكات الشعبية، وفير فرصة استفاد منها من استفاد، لغايات القيام بعمليات تخريب للممتلكات العامة والخاصة، بل وامتدت يد الإثم لتطال أبناء الأردن من الأجهزة الأمنية، وما يدمي القلب حصول حالة وفاة، وكثير من الإصابات بين صفوف أبناء البلد بأيدي بعضهم البعض، وسقوط الضحايا دليل على عموم الفوضى التي عمت البلاد.
فهل سيطول انتظار الأردنيون قيام جلالة الملك بإلقاء خطاب يوجه للشعب الأردني، يحضه فيه على ضبط النفس، وعدم الانسياق وراء الأعمال التخريبية التي تنعكس نتائجها على مؤسسات الدولة، وعلى المواطن نفسه، مع الشد على يد رئيس وزرائه بضرورة المباشرة فورا بتنفيذ خطته الإصلاحية، لكي يشعر المواطن بمصداقية وجدية الحكومة على السير في هذا الطريق الذي تقاعست عنه حكومات كثيرة ذهب زمانها، أم أن الملك في إجازة، وان دولة الرئيس تحمل العبء الكامل، وسيكون جزائه جزاء سنمار.