داعية أزهري: هذا ما قدمه الإمام علي للإسلام
استشهد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في 21 رمضان من عام 40هـ.
كان استشهاد الإمام علي على يد الخارجي عبدالرحمن بن ملجم، الذي تربص له وقتله وهو يصلي في المسجد الكبير بالكوفة، لتخسر الأمة الإسلامية رابع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وصهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وزوج السيدة الزهراء وأبو السبطين رضي الله عنهم أجمعين.
للإمام علي مكانة عظيمة في نفوس المسلمين، باختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم السياسية والدينية، فهو أكثر الناس إسلامًا، وأكثرهم ثباتًا في مواجهة محن الدعوة، وغزوات الرسول.
الدكتور سامي عوض العسالة، مدير إدارة التفتيش الديني بوزارة الأوقاف المصرية سابقًا، والمعتمد لدى الهيئة الوطنية للإعلام ينتدث عن الامام علي في هذا النص .
كيف ظهرت أخلاق الإمام علي بعد طعنه؟ قال بعدما ضربه: أطعموه، واسقوه، أحسنوا إساره، فإن عشت فأنا ولي دمي، أعفو إن شئت وإن شئت استقدت، وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا، فإني سمعت رسول الله عليه وسلم: "ينهى عن المثلة ولو بالكلب العقور".
وعن الشعبي قال: لما ضرب ابن ملجم عليا تلك الضربة أوصى به علي فقال: "قد ضربني فأحسنوا إليه، وألينوا له فراشه، فإن أعش فهضم أو قصاص، وإن أمت فعاجلوه، فإني مخاصمه عند ربي عز وجل".
لماذا قتل الخوارج الإمام علي؟ تعرض الإمام علي بن ابي طالب للخوارج الذين خرجوا عن الدين الاسلامي وشقو الصف وحاربهم وهزمهم في كثير من المعارك.
فبعد وقف القتال بين الإمام عليَّ ومعاوية، انقسم جيش الإمام عليَّ إلى فريقين فريق كان مع الإمام عليَّ في قبوله التحكيم وشايعوه على ذلك، وفريق آخر لم يرض بالتحكيم وخرجوا عنه فسموا بالخوارج، ونزلوا حروراء، من قرى الكوفة، فسموا الحرورية، وكان عددهم اثني عشر ألفاً، ووصل الأمر ببعضهم إلى تكفير الإمام عليَّ بسبب قبوله التحكيم، وكانوا يقولون في ذلك إن الحكم لله لا لك يا عليَّ.
اضطر الإمام عليَّ إلى مقاتلة الخوارج بعد أن تفاقم خطرهم واتهموه بالكفر، ورفضوا الدخول في طاعته.
وتآمر من بقي من الخوارج على قتل أئمة الناس وهم ثلاثة: الإمام علي بن أبى طالب، ومعاوية بن أبى سفيان، وعمرو بن العاص، وتعهد كل واحد منهم بواحد من هؤلاء، فقال عبدالرحمن بن ملجم، أنا أكفيكم عليَّ بن أبي طالب، وقال البرك بن عبدالله: أنا أكفيكم معاوية، وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص.
ماذا قدم الإمام علي للإسلام في فترة خلافته؟ ما قدمه الإمام علي وسنه وطبقه في فترة خلافته يعد الأساس العملي لبناء الدولة الإسلامية، وكان لا يفرق بين المسلمين وأهل الذمة، فكان يراعي مصالح الناس أجمعين.
وكان حريًا على رعيته، ويقضي حوائج المحتاجين، وكان يربي أبنائه على العدل والمنهج القويم، وعرف الناس بحرمة النال العام، ونشر الورع والزهد بين الناس، وكان يُفضّل معيشة الفقراء على معيشة المسلمين الأغنياء، وعدل النظام المالي للدولة وساوى بين العطاءات للناس أجمعين، وقد تخصصت الشرطة في عهده بشكل أدق من فترة حكم الفاروق عمر، وطور الدولة إداريًا بناء على ما قام به أسلافه الخلفاء.
ننتقل قليلاً للماضي: ماذا قدم الإمام علي للإسلام في فترة الخلفاء السابقين؟ في عهد أبي بكر الصديق، قرر الصديق محاربة المُرتَدّين بنفسه، وقيادة الجيوش العسكرية ليواجههم، فاعترض عليّ -رضي الله عنه- على ذلك؛ حفاظاً على الخلافة، واجتماع شَمل المسلمين، فقد قال له مُعترضاً على خروجه: "إلى أين يا خليفة رسول الله؟! أقول لك ما قاله رسول الله يوم أحد، لُمّ سيفك، ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة، فوالله لئن فُجعنا بك لا يكون للإسلام نظامٌ أبداً"، فسمع منه أبو بكر، ورجع، وقد نصب الصديق الإمام على وعدد من الصحابة لحراسة المدينة ليلاً، وعينه كاتبًا له ومستشارًا في بعض الأمور، وكذلك في المسائل الفقهية.
وفي عهد الفاروق، كانت إدارته للدولة الإسلامية لا تخلو من مجلس الشورى الذي كان يضم ثُلّةً من الصحابة الكرام، وكان من بينهم عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-، والذي اشتُهِر بالقضاء، فقال فيه عمر بن الخطاب: "أقضانا عليّ"،ولم يتخلَّ عن مشورة عليّ بن أبي طالب في كثيرٍ من القضايا، حتّى قالوا إنّ عمرَ -رضي الله عنه- لم يكن يقطع برأي في الأمور المهمّة قبل أن يستشير عليّاً بن أبي طالب، فقد كان لعليٍّ رأياً وجيهاً يراه الخليفة عمر آنذاك، وبرز دوره الجليّ في التنظيمات الإداريّة والماليّة في الدولة، وكان علي ممن شاركوا في تحديد راتب الخليفة عمر، وأخذ برأيه في بدأ التأريخ الإسلامي.
وكان علي بن أبي طالب من أوائل الصحابة الذين بايعوا عثمان، لكونه من الستة أصحاب الشورى، فقد كان ثاني من بايعه بعد عبدالرحمن بن عوف، وكان علي من الصحابة الثقات عند عثمان بن عفان؛ فكان يستشيره في أغلب الأمور المهمة، حتى أنّ أبرز الأحداث التي سُجِّلت في خلافة عثمان كان لعليٍّ فيها شورى ورأي، كجمع القرآن الكريم على قراءةٍ واحدةٍ؛ حتى لا يختلف الناس فيه، وممّا يُذكر لعليٍّ في خلافة عثمان حرصُه على توجيه المشورة والنصيحة عند وقوع الفتنة، فكان باب إصلاحٍ بين الناس عندما انتشرت الفتنة بينهم، وأخذ يُرسل الماء إلى عثمان -رضي الله عنه- عندما مُنِعت عنه.
حدثنا عن العلاقة الخاصة بين الإمام علي والفاروق عمر؟ الحقيقة المؤكدة على محبة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه للإمام علي وزوجته السيدة فاطمة الزهراء وآل البيت واضحة.
وعندما أسر قائد جيش المسلمين شهربان ابنة الإمبراطور يزدجر إلى الخليفة عمر، ورفض عمر أن تعتبر ابنة الإمبراطور من السبايا ومنحها للحسين بن علي لكي يتزوجها بعد إسلامها واختيارها له، فتزوجها.
وكان إقدام عمر على الزواج من ابنة علي بن أبي طالب أم كلثوم أصدق دليل على الحب والوفاء والتقدير بين هذين الصحابيين الجليلين ومحبة عمر بن الخطاب لآل بيت النبي.
ولقد بكى سيدنا الإمام علي بن أبي طالب عندما استشهد سيدنا عمر الفاروق بالمحراب وهو ساجد يصلي بالمسلمين وتأثر تأثراً عظيماً على فراق صهره وصاحبه وحبيبه، فجاء عليٌ وكشف وجهه ثم بكى وقال: "كيف لا ابكي على موت عمر؟ إن موت عمر ثُلمة في الإسلام لا ترتقِ إلى يوم القيامة".
ما دور الإمام علي في حياة الرسول؟ هذا السؤال يحتاج موسوعات للإجابة، فالإمام علي شارك في كل غزوات الرسول عدا غزوة تبوك حيث خلّفه فيها النبي على المدينة، وعُرف بشدّته وبراعته في القتال فكان عاملًا مهمًا في نصر المسلمين في مختلف المعارك وأبرزها غزوة بدر وأحد والخندق ومعركة خيبر، لقد كان علي موضع ثقة الرسول محمد فكان أحد كتاب الوحي وأحد أهم سفرائه ووزرائه، وهو الذي كتب بيده صلح الحديبية مع قريش في حضور النبي.
ولن ينس التاريخ للإمام علي أنه بات في فراش النبي ليلة الهجرة، وهي عملية استشهادية لا يقوى عليها غيره، وقد أرسله النبي لليمن ليعلم الناس الإسلام.
وكان الإمام علي هو من تولى غسل النبي، وشارك في دفنه في روضته.
ختامًا.. ما دور الإمام علي في في حفظ اللغة العربية؟ يُعَدّ عليّ بن أبي طالب أوّل خليفةٍ يُخصّص يوماً للنظر في المظالم، والنظر في أمور الناس، وقد نُقِل أنّ قواعد علم النحو وُضِعت في عهده -كرّم الله وجهه-؛ فقد دخل عليه يوماً أبو الأسود الدؤليّ، وكان بيده رُقعة كُتِب عليها شيء من قواعد اللغة العربية، فاستفسر عن بعض الأمور فيها، وأخبره بأن يضع قواعد النحو؛ لأنّه خاف على ضياع اللغة العربية؛ بسبب دخول الأعاجم في الإسلام، واختلاطهم بالمسلمين العرب؛ ممّا يمكّنهم جميعاً من الرجوع إلى مرجع واحد في اللغة العربية.