الكيلومتر الأخير !


في الذكرى الثامنة لإستشهاد الرئيس الراحل ياسرعرفات قال الرئيس عباس في كلمته التي ألقاها بمهرجان إحياء المناسبة : " إن التحديات كبيرة ، والمهمة صعبة ، ولكنها الكيلومتر الأخير في مسيرة الألف ميل التي بدأناها مع ياسر عرفات قبل خمسين عاما "

وبدورنا نقول بالفعل إنها الكيلومتر الأخير ، بل ولربما الأمتار الأخيرة الباقية من عمر سلطة رام الله ورئيسها أبو مازن ، فهذا التخفي والإختباء وراء ظل الراحل الكبير أبو عمار لم يعد يجدي أو ينفع ، كما أن التلطي على قارعة رحلة الخمسين عاما أصبح مكشوفا ومفضوحا ، وشتان ما بين رحلة أبو عمار التي إنتهت بالشهادة وبين هرولة أبو مازن نحو قعر الهاوية السحيق .


إذا ، فالمقارنة مرفوضة رفضاً قاطعاً ، والجبل الذي لم يهتز أمام كل الرياح العاصفة لا يجوز أبدا أن يوضع في ذات الكفة مع هذا النفر المنبطح ، والزاحف في قعر وديان الذل والتوسل والتسول ، وعليه ، فليتوقف هذا البعض عن التسلق على أكتاف العظماء ، وعلى ذكرى رحيلهم وإستشهادهم التي هي في أمس الحاجة إلى قليل من الحياء والخجل ، فالرجال الباقون على العهد وعلى الوفاء للدم والتضحية هم الذين يحق لهم فقط أن يتحدثوا في حضرة الشهداء ، أما الذين أصبحوا كغثاء السيل وسقط المتاع فكم هو مناسب لهم مواصلة الإختباء في الجحور التي يندسون بها .


نعم ، لقد قاد الراحل ثورة ومقاومة وكفاح مسلح وبغض النظر عن بعض السلبيات التي واكبت المسيرة ، ولم يجري في يوم من الأيام وراء الثروة التي يلهث خلفها الآن هؤلاء العابثين والمتاجرين بآمال وطموحات وتطلعات شعبهم ، وما تركه الراحل في " حقيبة " صغيرة يشهد له كم كان زاهداً وبعيداً عن متاع الدنيا ومغرياتها ، نعم ، حقيبة صغيرة تسابقت عليها أحدث المختبرات في هذا العالم لتقوم بتحليل محتوياتها بهدف الوصول إلى معرفة وإستجلاء ذلك السم اللعين الذي وضعوه له لكي يقضي عليه وينهي حياته المشبعة بالعطاء والنضال .


نقول ذلك ، ونحن على قناعة ويقين بأن الكيان الصهيوني وبكل ما يملك من طرق ووسائل للقتل والإجرام ما كان له أن يصل إلى الكبير الراحل لولا التواطؤ والخسة والخدمات التي قام بتقديمها له بعض الخونة والعملاء من الذين سقطوا في مستنقع العار والذل ، وهؤلاء الجبناء يعرفون أنفسهم جيدا ، بل إن بعضهم قد يشارك في إحياء الذكرى ، ويذرف الدموع الكاذبة على من ظلت يمينه نظيفة ورافضة للتوقيع على صكوك البيع والتنازل ، أوالتخلي عن شبر واحد من أرض الوطن الفلسطيني وعن حق العودة إليه .


يَدعون أيها الختيار أنهم يسيرون على نهجك ، وعلى المبادىء والثوابت التي أفنيت عمرك دفاعا عنها ، ويتشدقون بالتمسك بالوحدة الوطنية ،ويتباهون بترسيخ الديمقراطية وحماية حقوق الوطن و المواطن ، ويغنون ليلاً ونهاراً بمؤسسات الدولة التي شيدوها على قواعد الأحلام والأوهام ، ويعتبرون أن " نضال " المفاوضات وليالي السهر والسمر مع الصهاينة قد تسبب في إحراج هؤلاء القتلة ودفع بهم نحو أضيق الزوايا

ولذلك فهم لا يتركون مناسبة تمر من دون التأكيد على " النضال " السلمي والحضاري ، ورفض أية محاولة للإنتفاضة في وجه عدونا المجرم ، بل ويهددون بقمعها وبمطاردة وإعتقال كل من يروج لها أو يفكر فيها .
أوصدوا الأبواب ، وأغلقوا الطرقات وسدوها ، وإستهلكوا جميع الخيارات التي كانوا يهددون العالم بها ، إصفرت وجوههم وعميت أبصارهم

وها هو الرعب يدب في كل خلاياهم ، وجميع أوصالهم باتت ترتجف ، وها هو زعيمهم أبو مازن في ذكرى إستشهادك يقول : " لم يعد أمامنا لمواجهة الهجمة الإستيطانية وإنقاذ حل الدولتين ، سوى التوجه إلى المؤسسة الدولية " ، فتباً لهكذا قول وتفكير ، وتباً لكل الذين ماتت عندهم كل ثوابت و معاني الإحساس ، والكرامة ، وعزة النفس ، تباً لهم ولكل بضاعتهم الفاسدة ، و تباً لهذا العبث الوطني الذي أدمنوا عليه وإختاروه سبيلا لا يريدون الحوذ عنه .


في العام الماضي ذهبوا إلى الأمم المتحدة وهم يتوسلون دولة كاملة العضوية ، ولكن الضغوط الدولية حالت دون ذلك ، ولأنهم لا يعرفون سوى الرضوخ والإنبطاح والإستسلام ، لذلك قرروا التراجع في هذا العام وها هم يطالبون برفع مكانة فلسطين إلى دولة غير عضو في الجمعية العامة ، ولكن صفعات الضغوط الدولية التي يتحججون بها بدأت تلطم خدودهم مجددا ومن كل حدب وصوب ، وها هو أوباما يحذرهم ويضغط عليهم من مغبة الإستمرار في مسعاهم ، فإلى أين سيبحر مركبهم المنخور والمتآكل ؟ وما هو التنازل الجديد الذي يستعدون لتقديمه يا ترى ؟!


ولأنهم حافظين للمعروف وللمودة ، فهم يتبجون بأنهم لا يريدون التصادم مع الأمريكان الذين لا يبخلون في تقديم المساعدات الهامة للسلطة ، ولذلك ، وحتى يرضى البيت الأبيض عنهم فهم لا يرون حرجاً في القول بأنهم لا يريدون نزع الشرعية عن الكيان الصهيوني ، ولا يسعون إلى عزله ، وذلك من باب التطمين ، فكل ما يتمنوه هو وقف الإستيطان ليعودوا إلى مائدة الذل مجدداً ، على أمل الوصول إلى السلام العادل ، والعيش المشترك بأمان مع قردة وخنازير هذا الزمان من بني صهيون .


يقال أن فلسطين قد غدت ضحية لأرخص احتلال يعرفه التاريخ ، و نحن نقول لهؤلاء النائمين على زبد الوعود الفارغة ونبارك لهم دخولهم التاريخ بعد أن أصبحوا " أرخص مناضلين " تعرفهم ثورات الشعوب المحتلة والمنكوبة ، ولذلك إتركوا هذا الختيار مسجى في قبره ، لأنكم ومهما ذرفتم عليه من دموع التماسيح فسيظل هو العظيم وأنتم الأقزام .