ما هي كفارة الظلم
ما هي كفارة الظلم
كفارة الظلم بين العبد وبين الله
إنَّ الظُّلم إذا وقع بين العبد وبين خالقه كان هذا من أشدِّ أنواع الظُّلم وأعتاها، وظلم العبد لخالقه يكون بالكفر به وبالإشراك معه، فقد أوصى لقمان الحكيم ابنه كما جاء في كتاب الله -تعالى- قائلاً: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، ويُعرَّف الظُّلم على أنَّه وضع الشَّيء في غير موضعه، وكذلك الشِّرك مع الله -تعالى- يعدُّ من قبيل وضع الشَّيء في غير مكانه الصَّحيح، ولأنَّ من يُشرك مع الله -تعالى- فإنَّه يُسوِّي بين مُنعم النِّعَم على عباده وبين غيره، وهو إجحافٌ بحقِّ الخالق.
والشِّرك بالله -تعالى- لا كفارة له إلَّا بتوحيد الله -تعالى- وعبادته وحده لا شريك له، وإنَّ من عدل الله -تعالى- أنَّ فعل الحسنات والإكثار منها يمحو الذُّنوب والخطايا، ومن نوى التَّوبة من الشِّرك فإنَّه يلزمه لتصحَّ توبته أن يترك ما هو عليه من الباطل، وأن يعزم ألَّا يعود لهذا الإثم ثانيةً، وأن يُؤدِّي الفرائض التي فرضها الله -تعالى- عليه إلى جانب توحيده لتُقبل توبته، فالإشراك مع الله -تعالى- لا يغفر الله منه شيئاً ولا يمحوه ولا يعفو عن صاحبه إلَّا بالتَّوبة الصَّادقة بالتَّوحيد.
كفارة ظلم العبد لنفسه
يكون المرء ظالماً لنفسه إذا وقع في المحرَّمات، وارتكب المعاصي والمنكرات، وتنحَّى عن فعل الطَّاعات وما يقرِّبه من الله -تعالى-، والقرآن الكريم نهى عن ظلم العبد لنفسه، قال الله -تعالى-: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) فمن استحلَّ الحرام كان مُخطئاً وظالماً في حقِّ نفسه، وهذا الظُّلم يعدُّ من أهون أنواع الظُّلم وأخفّها؛ لأنَّ الله -تعالى- يمحوه سريعاً ويعفو عن صاحبه بمجرَّد التَّوبة والاستغفار، والإكثار من فعل الحسنات والطّاعات الماحية؛ كالصَّلاة والوضوء، كما يُمحى بوقوع العبد بالمصائب التي تُكفِّر عنه ذنوبه، ومع ذلك ينبغي على المسلم الحرص من الوقوع في هذا الظلم واجتنابه، والتَّوبة لله -تعالى- تُعيد للنَّفس صفاءها، وتُزيل ما تراكم عليها من أدران، وتُعيد صاحبها إلى جوِّ الطُّمأنينة التّي لا تكون إلَّا بالقرب من الله -تعالى-.
كفارة ظلم العبد لغيره
يقع الظُّلم أيضاً بين العباد فيما بينهم، ويكون ظلمهم لبعضهم إمَّا بالاعتداء على الأموال أو الأنفس أو الأعراض، وقد يسلب بعضهم حقوق بعض، فهذا الظُّلم لا يتركه الله -تعالى- أبداً، ويُحاسب العبد عليه يوم القيامة، لكنَّ هذا النَّوع من أنواع الظُّلم لا يكفي له مجرد التَّوبة والاستغفار وشعور العبد بالنَّدم، بل لا بدَّ لمن أراد العدول عن ظلمه والاستحلال منه أن يُرجع حقوق العباد لأصحابها حتى تُقبل توبته، وذلك على النَّحو الآتي:
ظلم النَّاس في دينهم: فمن كان سبباً في فتنتهم، أو دلَّهم على منكرٍ، أو كان سبباً في تغيير معتقداتهم وأخلاقهم السَّليمة، فهذا يجب عليه بعد التَّوبة إلى الله -تعالى- أن يحرص كلَّ الحرص على إصلاح ما أفسد وأن يُظهر توبته أمام النَّاس، ويُخبرهم بندمه عمَّا بدر منه.
ظلم النَّاس في أنفسهم: ويكون بالقتل أو الضَّرب والاعتداء عليهم وما شابه ذلك، وكفَّارة هذا النَّوع من الظُّلم النَّدم الحقيقيُّ والتَّوبة وبها يسقط حقُّ الله -تعالى-، ولكن يبقى حقُّ الآدميِّ الذي لا يسقط إلَّا إذا برَّأ القاتل ذمته وذلك بعفو أهل القاتل عنه أو بالقصاص منه.
ظلم النَّاس في أعراضهم: وهو أن ينال من أعراض النَّاس بالتَّحدث عنهم وذمِّهم والاستهزاء بهم، والتَّوبة من الغيبة والنَّميمة يلزم لها أن يطلب المسامحة ممَّن نال منهم، وإن تعذَّر ذلك بسبب تعذُّره للوصول إليهم أوخاف وقوع الفتنة بعد علمهم، فعليه أن يجتهد في مدحه أمام من استهزأ أمامهم، وأن يقول فيه عكس ما قاله، وأن يستغفر له علَّ الله -تعالى- يقبل توبته، أمَّا إن كان ظلم النَّاس في أعراضهم بالقذف واتِّهامهم بالباطل فيلزمه ليكفِّر عن ذنبه بعد التَّوبة أن يُشيع الحقيقة بين النَّاس ويُخبرهم بكذبه الذي صدر منه، و إظهاره ندمه عمَّا افترى بحقِّ من قذفهم.
وأمَّا كيفية التَّوبة لمن أشاع الفاحشة بين النَّاس أن يُحاول قدر ما استطاع إصلاح الفساد الذي صدر منه، ومثال ذلك من نشر مقاطع أو صوراً على شبكة الانترنت ينشر فيه فُحشاً، فعليه لتصحَّ توبته أن يحذفه ويبيِّن خطأه للنَّاس كي تبرأ ذمَّته من ذلك.
ظلم النَّاس في أموالهم: وكفَّارة هذا الظُّلم هو التَّوبة الصَّحيحة ثمَّ إرجاع الأموال إلى أصحابها، سواءً أُخذت منهم سرقةً أو غصْباً أو احتيالاً، ولا يصحُّ لمن أراد التَّوبة من سلبه لأموال النَّاس أن يتصدَّق بها ولا تُقبل منه؛ لأنَّه ليس مالكاً للمال ولا يحقُّ له التَّصرُّف به، ولكن يجوز له ذلك إن جهل أصحاب المال المسلوب أو تعذَّر وصوله إليهم بسبب وفاة صاحب المال وعدم علمه بورثته وما إلى ذلك.
أقسام الظُّلم وعاقبتها
الظُّلم له أقسامٌ ثلاثةٌ، وليكتمل إيمان العبد لا بدَّ له أن يبتعد عن الظُّلم بشتَّى أنواعه؛ كبيراً كان أو صغيراً، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ)، وكلمة الظُّلم جاءت في الآية على عمومها وتشمل كلَّ المظالم، وأقسام الظُّلم هي كما يأتي:
ظلم الإنسان بحقّ خالقه، ويكون بالإشراك به، وهو أشدّ أنواع الظّلم كما أسلفنا، وهذا الظّلم لا يرضاه الله -تعالى- ولا يُغفر لصاحبه ما لم يُسلم.
ظلم الإنسان لنفسه: ويكون بارتكابه المعاصي والمنكرات، وبعده عن الطَّاعات، وهذا الظُّلم يغفره الله -تعالى- ويعفو عن صاحبه.
ظلم الإنسان لغيره من النَّّاس: وذلك بالاعتداء على حقوقهم واستباحتها، وقد ذمَّ الله -تعالى- هؤلاء الظَّلَمَة الذين يستحلُّون أموال النَّاس وأنفسهم وأعراضهم، قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ)، وهذا النَّوع من الظُّلم لا يتركه الله -تعالى- بل يقتصُّ لصاحبه ممَّن ظلمه في الآخرة.