البرنامج النووي الأردني .. أين الحقيقة؟
عندما أقرأ أي خبر يتعلق في البرنامج النووي الأردني أتذكر مشهداً لعادل إمام في أحد أفلامه، في هذا المشهد يتابع عادل إمام حوارا على شاشة التلفزيون بين رجلين أحدهما يهاجم معاهدة السلام مع اسرائيل والآخر يدافع عنها، وعندما يستمع عادل إمام إلى وجهة نظر الأول يعلق باعجاب ويقول: "والله الراجل ده بيتكلم كلام زي الفل" ولكنه عندما يستمع إلى وجهة نظر المحاور الثاني فإنه يبدي إعجابه أيضا ويعلق: "والله الراجل ده بيتكلم كلام زي الفل"، وهنا يحول صديقه القناة إلى قناة أخرى تبث استعراضا لإحدى الراقصات فيقول إمام بنفس القناعة والإعجاب: "والله الست دي بتتكلم كلام زي الفل".
هذا تماما ما أجد نفسي فيه عندما أتابع أخبار البرنامج النووي الأردني، وأزعم أن هذا هو حال الكثيرين أيضا من ابناء هذا البلد، بالأمس قرأت باهتمام تصريحات رئيس هيئة الطاقة الذرية الدكتور خالد طوقان حول مفاعلاتنا النووية "المنوي" انشاؤها واحتياطيات الأردن من اليورانيوم، ومن يستمع إلى طوقان وهو يقول هذا الكلام وخاصة عندما يقول أن الأردن سيتحول إلى مصدر للطاقة بحلول عام 2030 لا يملك إلا أن يقول: "والله الراجل ده بيتكلك كلام زي الفل"
ولكن كلنا نعرف أن هناك معارضين لهذا البرنامج، والموضوعية تفرض علينا أن نستمع إلى ما يقولون، وهؤلاء المعارضون يشككون بوجود كميات تجارية من اليورانيوم، ويعتقدون أن لا جدوى من إنشاء المفاعلات بالنظر إلى كلفها الكبيرة، هذا اضافة إلى المخاطر الأمنية والبيئية التي ستجلبها هذه المفاعلات.
إن التباين كبير جدا بين وجهات نظر الطرفين (المؤيدين والمعارضين)، وبين حجج هؤلاء وهؤلاء تضيع الحقيقة ويضيع المواطن، فما هو الطريق الصحيح الذي يجب أن نمضي فيه؟، إن ما يقوله طوقان جميل وزاهي ويبشر بالأمل، ولكن كيف لنا أن نتأكد أنه حقيقي وواقعي، فالرجل يقود المشروع وهو بالتأكيد في غاية الحماسة له، ونحن لا نشكك به، ولكن مشروع بهذا الحجم وهذا الأثر يجب أن يكون خاضعا لمنهجية مؤسسية تأخذ على عاتقها مسؤولية هذا العمل الضخم وتكون ضمانة حقيقية لشفافية اجراءاته بكل تفاصيلها.
لقد أشار طوقان في تصريحه إلى أن هيئة الطاقة الذرية تسعى حاليا لخلق قبول مجتمعي للبرنامج النووي الأردني، وهذا شيء جيد، ولكن القبول المجتمعي لن يتحقق بمحاضرات تلقى هنا وهناك، ولن يتحقق بحملة إعلامية على غرار حملة "اوعدينا تفحصي"، ولن يفيد أن يطل علينا بعض نجوم المجتمع ليقولوا لنا "والله النووي كويس"، وحتى لو أطل علينا أحد مطربينا "الوطنيين" ليغني لفرسان ونشامى الهيئة الذرية فإن هذا لن يقنع المواطن ولن يخلق القبول المجتمعي المطلوب، ما يخلق هذا القبول المجتمعي هو فقط الانجاز الفعلي والحقيقي لمراحل مخططة مسبقا ومقسمة الى فترات زمنية قصيرة الاجل يعلن عنها (كل عام مثلا) وتخضع في نهاية الفترة للمحاسبة والتقييم.
فعندما يقول طوقان أننا سنصبح مصدرين للطاقة في العام 2030 فإنه لا يعقل أن تبقى الامور على حالها لمدة 18 سنة ثم نستيقظ صباح يوم 1/1/ 2030 لنجد انفسنا من كبار المصدرين للطاقة، ومن المنطقي أن تكون هناك مراحل تطورية لا بد من اجتيازها، ومنهجية الإشراف والمراقبة المؤسسية تفرض أن يكون هناك جدولا زمنيا يتضمن فترات زمنية قصيرة للتأكد من حسن التنفيذ وصدقه، والمتابع لاخبار هيئة الطاقة الذرية خلال السنوات التي مرت يجد أننا ما زلنا في نفس المراحل التي بدأنا بها من اجراء دراسات ومفاوضات وطرح وفتح عروض واحالة عطاءات.
لقد مل هذا الشعب من كثرة التعلق بالوعود حول المستقبل الزاهي، والذاكرة ما زالت حاضرة لمشاريع سابقة قيل لنا انها ستنقل الأردن نقلات نوعية كبيرة، كالمشروع التكنلوجي الكبير الذي وعدنا القائمون عليه اننا سنصبح منافسين للهند في مجال الكمبيوتر والبرمجة، ومشروع العقبة الاقتصادية الخاصة ومشروع الصخر الزيتي وغيرها وغيرها من المشاريع التي علقتنا بالأمل ثم تبين أنها ليست أكثر من حبال للوهم شنقنا أنفسنا بها.
أرجوكم أيها القائمون على مصائرنا
ارحموا أعصابنا التي لم تعد تحتمل، فاذا كان الأمر بهذه البساطة "والسذاجة" أقول لكم أعطوني 5 مليون دينار الآن (الأمر خاضع للمساومة ويمكن أن أقبل بمبلغ أقل) وانا أعدكم أن الأردن في عام 2050 سيتحول الى مصدر للنفط والغاز واليورانيوم والحديد والمنغنيز والذهب والماس والقمح والارز والقطن والافوكاتو والأناناس والمانغا والكاكا ..والبطيخ أيضا، واذا لم يحدث هذا الشيء عام 2050 تعالوا وحاسبوني.