رجب شهر الإسراء والمعراج .. فضائله وحكم الصيام فيه
فضل الله بعض الشهور على بعض، وفضل بعض الأماكن على بعض، ولا يثبت فضلٌ لزمان ولا لمكان إلا بدليل قطعي، وكثير من الأحاديث جاءت في فضل رجب، فهو شهر الانتصارات ففيه كانت غزوة تبوك، وفيه أيضا كان تخليص المسجد الأقصى من أيدي الصليبين وفيه كان الإسراء والمعراج، فجدير بنا أن نتذكر هذه الأحداث ونأخذ منها عبرة وذكرى.
سبب التسمية
سمي شهر رجب بهذا الاسم لأنه كان يرجب: أي يعظم، كما قال الأصمعي، والمفضل، والفراء، وقيل: لأن الملائكة تترجب للتسبيح والتحميد فيه. وأوضح ابن منظور في «لسان العرب» أن سبب إضافة رجب إلى قبيلة «مضر»، فقال: «لأن مضر كانت تزيد في تعظيمه واحترامه، فنُسب إليهم لذلك».
وأوضح الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، أن من أسماء شهر رجب «الأصم» و «الأصب».
وذكر أن الأصم يعني الفريد والوحيد والنادر ولا يوجد مثله، والأصب يعني الذي تُصبُّ فيه الرحمات، فهو الشهر الذي صرف الله فيه البلاء عن الأولياء والأنبياء.
وأشار إلى أن شهر رجب له 18 اسماً ذكرها الإمام ابن حجر العسقلاني، والعرب كانت إذا أحبت شيئا أكثرت من أسمائه، وهذا دلالة على أن العرب كانوا يعظمون شهر رجب.
الإكثار من الطاعات
كشف مركز الأزهر العالمي للفتوى عن 4 أمور من الطاعات ينبغي على المسلم فعلها والإكثار منها خلال شهر رجب.
وقال الأزهر، في فتوى له، إن أول هذه الأمور المستحبة في شهر رجب الإكثار من العمل الصالح، والاجتهاد في الطاعات، والمبادرة إليها والمواظبة عليها، ليكون ذلك داعياً لفعل الطاعات في باقي الشهور. والثاني من الأمور المستحبة في شهر رجب أن يغتنمَ المؤمنُ العبادة في هذه الأشهر التي فيها العديد من العبادات الموسمية كالحج، وصيام يوم عرفة، وصيام يوم عاشوراء.
وأضاف أن الأمر الثالث المستحب في شهر رجب أن يترك الظلم في هذه الأشهر لعظم منزلتها عند الله، وخاصة ظلم الإنسان لنفسه بحرمانها من نفحات الأيام الفاضلة، وحتى يكُفَّ عن الظلم في باقي الشهور. والرابع الإكثار من إخراج الصدقات.
حكم الصيام في شهر رجب
تعدّدت آراء العلماء في حكم الصيام في شهر رجب، فذهب فريق من أهل العلم لاستحباب الصيام فيه لِسَبَبيْن؛ الأوّل بسبب فضل الصيام وأجره بشكلٍ عام، والثاني بسبب فضل صيام الأشهر الحُرم ورجب منها، وكذلك ما ورد في فضل صيام رجب، فقد جاء في السنة النبوية عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنّ أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: (يا رسولَ اللَّهِ! لم أرك تَصومُ شَهْرًا منَ الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ؟! قالَ: ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ)، فاستدلّوا من هذا الحديث على استحباب صيام رجب، فكما أنّ صيام شعبان مستحبّ فكذلك صيامه.
أمّا الفريق الذي ذهب إلى كراهة صيام رجب فمنهم ابن عمر -رضي الله عنهما-، والحنابلة كذلك كرهوا إفراد رجب بالصيام، وقالوا بعدم الكراهة إذا أُفطِر يوماً فيه، أمّا صيام بعض أيام شهر رجب فذلك مُستحبّ بسبب ما ورد من فضل الصيام بالأشهر الحُرُم.
أما كراهة الصيام في رجب التي وردت عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ فهي تخصيص الصائم لهذا الشهر من السنة بالصيام، وذلك لعدم ورود دليلٍ عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- على فضل صيام شهر رجب بشكلٍ خاص.
ما ورد في صيام أوّل رجب
تُعَدّ جميع النصوص الواردة في صوم بداية شهر رجب غير صحيحة؛ إذ لا يجوز تخصيص صَومٍ إلّا بدليل، وقد ذهب الشوكانيّ إلى أنّ صيام الخميس الأوّل من شهر رجب، أو الإقبال على الطاعات فيه، والإعراض عنها في غيره من الشُّهور هو مِمّا أحدثَه العَوامّ، ولا يصحّ فيه شيء.
ونشرت دار الإفتاء المصرية عبر موقعها الرسمي، مجموعة فتاوى متعلقة بشهر رجب، بينها الدعاء في أول شهر رجب، حيث جاء نص السؤال كالتالي: «ما حكم الدعاء في أول ليلة من شهر رجب؟ وهل يستجاب فيها الدعاء كما انتشر بين الناس؟».
وأجابت أمانة الفتاوى الإلكترونية بالدار على الفتوى، بقولها إنّ الأمر في الدعاء واسع؛ لعموم قول الله تعالى «وقال ربكم ادعوني أستجب لكم»، وقال تعالى: «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان».
وأضافت الدار: «الدعاء في أول ليلة من شهر رجب بخصوصه مستحب، وهي ليلة يستجاب فيها الدعاء كما ورد ذلك عن سلفنا الصالح؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «5 ليال لا يرد فيهن الدعاء: ليلة الجمعة، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة العيد، وليلة النحر»، رواه البيهقي في «شعب الإيمان».
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في كتابه «الأم»: وبلغنا أنّه كان يقال: إن الدعاء يستجاب في خمس ليال في ليلة الجمعة، وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان.
وفي فتوى أخرى، جاء سؤال لدار الإفتاء: «هل يجوز صيام شهر رجب؟ لأن بعض الناس يذكرون أنّ تخصيص شهر رجب بالصيام بدعة محرمة، وأنّ الفقهاء الذين استحبوه -كالشافعية- مخطئون، واستندوا في قولهم هذا لأحاديث ضعيفة وموضوعة، فهل هذا صحيح؟».
وذكرت الدار في جوابها: «الصحيح عند جمهور الفقهاء استحباب التنفل بالصيام في شهر رجب كما هو مستحب طوال العام، والصوم في رجب بخصوصه وإن لم يصح في استحبابه حديثٌ بخصوصه، إلا أنّه داخلٌ في العمومات الشرعية التي تندب للصوم مطلقًا، فضلًا عن أنّ الوارد فيه من الضعيف المحتمل الذي يُعمل به في فضائل الأعمال».