الانتخابات الأمريكية والعالم العربي


بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة الأمريكية وفوز مرشح الحزب الديموقراطي باراك حسين أوباما لفترة رئاسية ثانية، يقف المرء الموضوعي أمام تلك النتيجة محترماً لأمة وشعب ونظام جعل من رجل أسود رئيساً لأقوى دولة في التاريخ الإنساني؛ حيث كان أبناء جلدته عبيداً قبل بضعة عشرات من السنين . أما الاْحرار منهم فيُمنع عليهم ركوب الباص في المقدمة مثلاً، ويدخلون للمطاعم من أبواب خلفية ،ويحظر عليهم ممارسة مهن معينة...الخ من أشكال التمييز العنصري.
ويزداد الاحترام لخيار الأمة الأمريكية عندما نعلم أن والد ذلك الرئيس مهاجر كيني جديد، حيث ما زالت عائلته الممتدة لأبيه في كينيا. ولقد رأينا شريط الفيديو والذي يظهر أم أبيه وهي مسرورة فرحة بذلك النصر. وإذا علمنا أن والده مسلم أيضاً ويتسمى بحسين، إزداد الاحترام لأمة تقدر المتميز، والبارع المبدع ، دون النظر بأهمية للون أوالعرق، ولا للأصول والمنابت، بقدر تقديم وإعلاء الكفاءة والقدرة على أي أمر آخر. فالمهم من يستطيع قيادة أمة لها أهدافها، ونظامها، وتطلعاتها. حتى وإن كان من قوم ( شتى ). وللعلم فالسكان في الولايات المتحدة موزعون كالتالي: البيض 64% والسود 13% ومن أصل إسباني17% وآخرون
6%
وتندهش وأنت في العالم العربي من تلك الانتخابات فهي مختلفة عما نحن فيه ، حيث لا يعلم من سيكون الرئيس أو الفائز، على الرغم من كل الانجازات التي يحققها أي رئيس لشعبه، إلا أن نسبة نجاحه في الغالب تكن متواضعة أمام نتائج الانتخابات الرئاسية في العالم العربي، والتي لا تقبل إلا بدرجة ممتاز مرتفع جداً. ولكن لعلها تغيرت بفضل الربيع العربي والحكومات العربية المنتخبة حديثاً، وبفضل _ ولو قليل _ لأوباما أيضاً.
وتعجب لسمو الأخلاق حيث يبادرالمرشح المهزوم للمباركة والتهنئة للفائز، وإعلانه أنه يستحق الرئاسة ، وقبوله بالنتائج، ودعمه للرئيس ومجموعته، والإشادة به. وأما الرئيس الفائز فيبادر بشكر المرشح المهزوم ذاكراً مناقبه، ومقدراً ومثنياً على حملته الانتخابية وجهودها. فكل مرشح منهما يبدي للآخر الاحترام والتقدير والمشاعر الإنسانية النبيلة؛ رغم الحملات الشرسة، إلا أنهما يتنافسان ويختلافان لأجل المصلحة العامة. وهكذا هي السياسة؛ فلكل منهما رأي يعتقد أنه الصواب، ولكنه يحتمل الخطأ، كما أن رأي الآخر خطأ يحتمل الصواب.
ثم لونظرنا لنظام الانتخابات والتي يعمل به منذ ما يقارب ثلاثة قرون، حيث لم يتغير ولم يتبدل ، ولكن تتطور بعض أساليب التنفيذ، مثل الفرز الالكتروني مثلاً. فلا يُفصّل النظام تفصيلاً؛ لاستبعاد فئة من الناس ، أو فكر معين، أو إتجاه سياسي نتوقع منه المخالفة والمناكفة في المستقبل البعيد. فالنظام لديهم يتوخى العدالة والمساوة قدر الاستطاعة، وفي حدود الممكن.
ثم وفي عالمنا العربي تطرح الشعارات الرنانة، والتي بعد الفوز لا ينفذ شيء منها. ويسبقها تمجيد وتعظيم للذات، والسمو بها فوق البشر . أما في الانتخابات الأمريكية فالكل بشر متساوون في بشريتهم، ولكن الله قد يختص أناساً منهم بمواهب وخصائص عالية، يسخرونها لخدمة الناس، ورفعة وسعادة مجتمعهم. فإن أحسنوا انتخبوهم مرة أخرى، وإن فشلوا إنتخب غيرهم، فلعلهم يحققون ما عجز الآخرون عن فعله وعمله.
أما نزاهة وشفافية الانتخابات، والأعراس الديموقراطية وغيرها، فكل تلك الشعارات من البدهيات، والتي لا يجوز أصلا ذكرها ، فهي من المسلمات. كما لا يمكن لك سماع عبارات الامتنان بمنح الحرية، والتعبير المحدود، وإفساح المجال للانتخابات، والمشاركة الديموقراطية دون تدخل أجهزة الدولة المباشر وغير المباشر، لأنهم ببساطة يعتقدون أن الدولة لكل شعبها، وبكل مكوناته،الموالي والمعارض سواء، الأصلي والمجنس...ألخ. ولأن الناس قد ولدوا أحراراً، فلا تقع عليهم فيما بعد عبودية قط، ولأي كائن بشري.
وأما شعارات المرشحين فمحدودة، وممكنة التطبيق والتنفيذ، وهي عامة ، تخدم كل الناس، غنيهم وفقيرهم، أسودهم وأبيضهم. والكل مواطنون متساوون، فليس هنالك مواطن أصلي، ومواطن تجنيس، ومواطن بدون، ومواطن درجة ثانية أو ثالثة.
أخيراً باراك حسين أوباما(أبو عمة) أشكر الله كل لحظة ، لأن الله هدى والدك للهجرة للولايات المتحدة الأمريكية، فأصبحت مواطناً أمريكياً متعلماً ومحترماً، ولو هاجر والدك لأي دولة عربية لكنت في أحسن الأحوال وافد، تحتاج للإقامة والكفيل، ولما تعلمت ، ولكنت عاملاً تُشاهد علامات الشقاء على جبهتك. ولن يشفع لك أي شيء حتى لو حفظت كتاب الله بكل قراءاته المتواترة والآحاد والشاذة. فأنت الكيني العبد الأسود الوافد. فعنترة كان عبداً ولم يحرر إلا بعد رده للغزاة. ولم ينسب لوالده شداد إلا بعد ذلك، وعلى مضض. والعرب هم العرب لم يتغيروا رغم مئات السنين، فنحن نحافظ على عاداتنا وقيمنا العربية الأصيلة.
عنترة الأمريكي أقصد باراك بن حسين أوباما( أبو عمة) مرحباً بك رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثانية ، ولكن نعول عليك الكثير.
Sulaiman59@hotmail.com