رهام الحكيم ترثي والدها في ذكرى وفاته
جراءة نيوز - رهام نياز الحكيم تكتب ..
"مات... !! مات... !! بابا مات... !!" يا لصغر حروف هذه الكلمة ويا لكبر جرحها ووجعها في قلبي ...كلمة كالصاعقة المدمرة التي تدمر القلب و العقل و كل شيء ، كلمة لم نتهيأ ونستعد لها ولم نتوقعها ولم نشبع منك كفاية يا حبيبي ولم نودعك كما يجب ، فقط "بابا مات" وفقط مطلوب منا أن نستوعب هذه الكلمة وندركها !! وهو المستحيل...!!!
١١/١١/٢٠٢١ ... هذا اليوم الكئيب وهذا التاريخ وهذه اللحظة المأساوية التي كسرت قلبي وظهري وكلي ، هذه اللحظة التي لن تعود الحياة بعدها كما كانت من قبل ، وسيصبح كل شيء ناقص ومختلف عما كان عليه وبلا طعم وبلا قيمة.
في هذا اليوم فقدت أغلى ما أملك ، أبي وصديقي و سندي وقلبي وكل حياتي ، فقدت أحن وأطيب وأنقى وأعمق وأصدق قلب . مضى عام على رحيلك يا غالي وما زلت أعاني من ألم فقدانك كل يوم وكل دقيقة وكل لحظة ، ولا يوجد ألم يضاهي ألم فقدانك ، ولا حزن يفوق حزن فراقك ولا رحيل بعد رحيلك يذكر .
بعد مرور عام على وفاتك يا أبي أيقنت أن رحيلك وجع لا ينتهي ، وأن حزن فراقك لا يموت ولا يقل، بل يزداد ويكبر كلما مر الوقت ، ومهما حاولت خداع نفسي أو ملاهاتها بالإنشغال في أي شيء بالحياة، سيبقى الشعور والألم نفسه وأقسى ولو مر عليه دهر .
بفراقك يا أبي تعرفت على المعنى الحقيقي للموت و الحزن و على ألم الفراق وعلى قساوة الدنيا وخداعها ومظاهرها الكذابة المبنية على الأنانية والجشع وحب الذات وقلة الوفاء . أدركت يا أبي أن الدنيا عبارة عن ألعوبة قصيرة و نحن فقط الممثلين فيها ، وأنها عبارة عن حلم يوقظنا منه الموت الذي هو الحقيقة الوحيدة فيها ، حتى أني أستغرب من نفسي كيف كنت قبل فراقك أحزن وأتألم من أشخاص و
على أشياء ومن مواقف !! واليوم أدركت أن الحزن هو فقط حزن فراقك وعدى ذلك سخافات لا تسوى أي شيء ولا معنى لها، وأنه لن يحزنني أي شيء مستقبلأ ، ففراقك استحوذ على كل الحزن ولا حزن بعده ، حتى أن كل الحزن والألم الموجود في هذه الدنيا هو أقل من أن يعبر عن قساوة فراقك وفقدانك...
بفقدانك يا أبي عرفت الناس ومعادنها ، عرفت من القريب ومن الصديق ومن الحبيب ومن الوفي ومن الحقود ومن الحسود ومن ناكر الجميل ومن مدعي المحبة ومن يحاول بوقاحة وغباء المزاودة على حبنا لك مطلقاً أحكاماً و شعارات تافهة ، عرفت من يصدأ بمجرد ظهور المصيبة ومن يزيد بريق معدنه عند نزول الإبتلاء . سقطت الأقنعة عن الكثير يا أبي وتصنفت الناس وتحجمت دون بذل أي مجهود لذلك .
فقدانك يا أبي، هو موت لي فأنا لا أستطيع العيش بدونك، فلا يوجد ما يصبرني على فراقك، فأنت كنت لي كل الحياة بكل ما فيها من معاني . كنت لي الصديق الصدوق، و السند والأمان والطمأنينة والمرشد والمعلم والداعم والمقوي لي في كل أحداث حياتي ، ولو كانت روحي أو حياتي يمكنها أن تمنع عنك الموت ما تأخرت ولا ترددت ثانية واحدة بوهبها لك . أريدك أن تعلم يا أبي أني أحتاجك الآن واشتاقك وأفتقدك أكثر من أي وقت مضى، فهذا الموقف أصعب وأقسى ما مر علي وما سيمر.
يحاول البعض يا أبي - ممن نواياهم حسنة دون أدنى شك - أن يخفف عني ويواسيني بعبارات تستفزني و تزيد الطين بله ! مثل : الله يعوض عليكي!! وتستمر الحياة وتمشي !! ولا يجوز أن تحزني ولا يجوز أن تبكي !!!!! كيف للحياة أن تستمر بفقدانك يا أبي ، يا لقساوة الحياة ! وكيف لي أن لا أحزن وأبكي على شخص لن يتكرر ولن يعوض ولن يأتي مثله!!
وفي المقابل يحاول بعض آخر التخفيف عني بعبارات تثلج القلب والصدر مثل : والدك توفى يوم خميس وهو اليوم الذي تعرض فيه الأعمال على الله وتفتح فيه أبواب الجنة ويغفر فيه لكل عبد من عباده ، فأرتاح .... وعبارة أخرى أنه توفي بالكورونا وهذا يعني أنه شهيد مغفور الذنب بإذن الله ...
وأنه معك ويسمعك ويرشدك مثل ما كان ، وهو بالفعل ما أشعر به وأفعله معك كل لحظة مثلما كنت وأكثر .
وأخرى ، من غرباء لا أعرفهم ولا يعرفونك ويقسمون لي بأنهم يشعرون بالراحة والرضا والطمأنينة والنور والسكينة ويشتمّون رائحة الورد والمسك كلما مروا بقبرك ووقفو عنده دوناً عن غيره من القبور حتى أنك ونحن أصبحنا جزءاً من دعائهم المستمر ...
وأخرى، أنه ارتاح من هذه الدنيا الزائفة المتعبة ، وأن الموت هو مصيرنا جميعاً مهما كنا ، وأنه في حياة أفضل عند رب كريم رحيم عادل يعطي كل ذي حق حقه . فارتاح أكثر واكثر
ستبقى يا أغلى الغاليين دائماً وأبداً في القلب والوجدان ، ولا يمكن للأيام والسنين أن تمحو ذكراك . أتمنى يا أبي أن تسامحني على حزني و دموعي التي لا تنطفئ منذ رحيلك وتؤرقك فى قبرك ، ولكن ليس لدي سلطة على الحزن الذى سكن ملامحي حتى آخر يوم في عمري .
ًلن يعود أبي... لكن الرجاء من الله ان نراه في الجنة ضاحكاً مستبشراً سعيداً بما أتاه الله . اللّهم ارحم من ابتسامته لم ولن تختفي من ذاكرتي، اللهم ارحمه واغفر له واعف عنه واجعل قبره روضة من رياض الجنة، واجمعني به في جنات الفردوس.
إستودعتك الله فى جنات الخلد آمناً مطمئناً مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، يا أغلى من روحي ، يا فقيد القلب و الروح، يا أكبر و أعظم خساراتي....
أبي ... لن يأتي مثله أحد ولن يأخذ مكانه أحد ...
ابنتك المحبة والمشتاقه لك حد الموت
رهام نياز الحكيم