ويل للعرب


الحمد لله ثم الحمد لله،الحمد لله الذي قدّر الآجال ووسّع الآمال،وأودَع النّعَم،فمن شكَره على نعمه زاده من إنعامه،ومن كفر به وبنعمه كاده بانتقامه. روي في صحيحي البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ويل للعرب من شر قد اقترب،فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه،وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها،فقيل له:يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال:نعم إذا كثر الخبث.أي الفساد وارتكاب المعاصي فالشر سيصيب الجميع.

ويقول تبارك وتعالى في محكم التنزيل:(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ). فلقد جرت سنة الله عز وجل في عباده أن يعاملهم بحسب أعمالهم فالجزاء من جنس العمل،فإذا اتقى الناس ربهم عز وجل والذي هو خالقهم ورازقهم،أنزل الله عز وجل عليهم البركات من السماء،وأخرج لهم الخيرات من الأرض

قال تعالى:(وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا).أما إذا تمرد العباد على شرع الله،وفسقوا عن أمره أتاهم العذاب والنكال من الله عز وجل.فإن تبدل حال العباد من الطاعة إلى المعصية،ومن الشكر إلى الكفر،حلت بهم النقم،وزالت عنهم النعم.(وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ).

فالله عز وجل لا يبدل حال العباد من النقمة إلى النعمة،ومن الرخاء إلى الشقاء،حتى يغيروا ما بأنفسهم من الكفر إلى الإيمان،ومن الفسق إلى الطاعة،(ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ).

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن:لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا،ولم ينقصوا الكيل والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم،ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء،ولولا البهائم لم يمطروا.

ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم،وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم شديد.

فإنّ معظم المصائب التّي تحلّ بنا من تسلّط الأعداء والفقر والقهر،والعنت والمشقّة، وإنحباس المطر عنا هو بسبب قصورنا في حقّ الله تعالى وبسبب ابتعادنا عن منهجه الصحيح وعدم نصرتنا لدين الله سبحانه وتعالى وان من اشد ما يمر بالناس الان هو إنحباس الأمطار والفقر وقلة ذات اليد،وليس سبب تأخر الأمطار هو مجرد رياحٍ تأتي من الشمال أو الجنوب أو تغيرٍ في الأحوال المناخية،بل السبب الحقيقي لتأخر الأمطار هو هذه الأسباب التي ذكرها الرسول عليه الصلاة والسلام في حديثه السابق من معاصي كثر أنتشارها في مجتمعاتنا في هذا الزمان

وإذا ما أقلع الناس عن هذه الأمور واستغفروا الله بقلوب صادقة،كانوا على رجاء الرحمة ونزول الغيث. وفي الحديث ايضا الذي يرويه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو نحو المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب،فإستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا ثم قال:يا رسول الله،هلكت الأموال،وإنقطعت السبل،فادعُ الله يغيثنا ،قال:فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال:اللهم أغثنا ثلاث مرات،قال أنس:فلا والله،ما نرى في السماء من سحاب،قال:فطلعت من ورائه سحابة،فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت،قال:فلا والله،ما رأينا الشمس سبتًا أي: أسبوعًا،قال:ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال:يا رسول الله،هلكت الأموال،وانقطعت السبل،فادع الله يمسكها عنا،فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال:اللهم حوالينا ولا علينا،اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر،فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس. فهذا هو حاله سبحانه وتعالى قريب مجيب يستجيب لعباده إذا دعوه ولكن صادقين مخلصين له الدين.

(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون). أما إذا دعوه بألسنة كاذبة وقلوب غافلة وأفعال فاسدة وهم مصرون على الذنوب والمعاصي لا يغيرون من أحوالهم وأحوال ابنائهم وأسرهم وأحوال أمتهم ولا يعملون على تطبيق شرع الله في أرضه فهؤلاء لا يستجاب لهم دعاء. وبذلك قال بعض السلف:أنتم تستبطئون نزول الغيث،وأنا أستبطئ نزول الحجارة من السماء عليكم بسبب كثرة المعاصي.
ولذلك ترون الناس اليوم يستغيثون ويستغيثون ولا يستجاب لهم،لا لقلة في خزائن الله،ولكن لذنوبهم ومعاصيهم. أما ترون أن أحكام الله قد ضيعت؟أما ترون أن الصلاة قد أُضِيعت.أما ترون أن الزكاة قد ُمنعت؟أما ترون أن المحرمات قد فعلت جهاراً نهاراً؟أما ترون الأمانات قد ضُيعت؟أما ترون أن المعاملات قد فسدت؟أما ترون الربا قد فشا وأنتشر؟أما ترون المعازف قد علت أصواتها في البيوت والأسواق؟

أما ترون أن الغيرة من نفوس الرجال قد ذهبت؟أما ترون تبرج النساء في شوارعنا؟أما ترون أن الآباء قد أهملوا أولادهم والأولاد قد عقوا آباءهم؟. هل غيرنا من هذه الأمور شيئًا قبل أن ندعو الله أن يمطرنا ويسقينا الغيث ويرحمنا ويرفع عنا سخطه وعذابه .فإننا لا نقول:إن هذه الأوصاف السيئة عمت جميع المسلمين،فهناك من عباد الله الصالحين من هم سالمون منها في أنفسهم وفي اسرهم،لكنهم لا يحاولون إصلاح غيرهم،ولا يقومون بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب إستطاعتهم، فالعقوبة إذا نزلت عمت الجميع ،عمت العاصين لمعصيتهم،والصالحين لسكوتهم.

(وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).فاتقوا الله،واحذروا من غضب الله عليكم،فتوبوا إلى ربكم،وادعوه أن يغيثكم ويسقيكم ويرفع عنكم عذابه وسخطه،فإنه قريب مجيب،يجيب من دعاه،ولا يخيّب من رجاه. فقال تعالى على لسان نوح عليه السلام:(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا،يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا).فليس الإستغفار مجرد لفظ يردد على اللسان،وإنما هو توبة وندم وعبادة وخضوع لرب العالمين.(وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ).

توبوا إليه وأقلعوا عن المعصية،ومع الإقلاع استغفروا الله عز وجل،عندها يرسل السماء عليكم مدرارًا ويزدكم قوة إلى قوتكم ويرفع عنا غضبه وسخطه،فكل منا يجب عليه أن يبدأ بإصلاح نفسه أولاً،ومن ثم إصلاح غيره وإن لم نفعل فسيبقى الحال على ما ترون،فأحسنوا الظن بربكم وأعظموا الرغبة فيما عنده أظهروا الفاقة والحاجة والذل له والانكسار بين يديه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:بينما رجل أي فيمن كان قبلنا بفلاة من الأرض إذ سمع صوتًا في سحابة يقول:اسق حديقة فلان،قال: فانقطعت قطعة من السحاب حتى إذا أتت على حديقة هذا الرجل فأفرغت ما فيها من ماء كله حيث أمُرت فلما سئل صاحب الحديقة عن عمله قال الرجل صاحب الحديقة:فإني آخذ ما يخرج منها فأتصدق بثلثه،وآكل أنا وعيالي ثلثه،وأرجع ثلثًا إلى الأرض.

فهؤلاء أناس عرفوا نعمة الله فقدروها وعرفوا طمع النفس فزجروها،وردّو للسماء جزائها فجازتهم خيراً ،وأعطوا الأرض حقها فأعطتهم حقهم،فهكذا وهكذا فقط تُشكر النعم فتدوم. اللهم اجعلنا من الشاكرين لنعمك ولا تجعلنا من الكافرين بك وبنعمك اللهم آمين. وأسال الله أن يغيث قلوبنا بالعلم والإيمان وبلادنا وبلاد المسلمين بالسيل المبارك وان لا يجعلنا من القانطين.