مسيرات الموالاة...لن تغطي شمس الحقيقة ..

لاشك أن إحدى دعامات النظام الهاشمي وعلى مدار التسعين عاما ونيف من عمر الدولة الأردنية كانت القوة العشائرية ،ومنذ أكثر من عقد تراجع النظام عن تحالفه مع تلك القوى ، وأزالها لصالح تحالف جديد ليبرالي - اقتصادي أدار البلاد لأكثر من عقد وأطاح بمؤسسات اقتصادية عملاقة كانت رافدا قويا لاقتصادنا الوطني ، ساقها إلينا مجموعة اقتصادية أطلق عليهم بالنيو ليبراليين (الليبراليون الجدد ) .

اقنعوا النظام بجدوى تلك التخاصية وبيع المؤسسات ، نتج عنه قضايا فساد وسمسرة ونهب وبيع لشركات وهمية بابخس الأسعار.. بسبب تلك السياسات وهذا التحالف توقفت التنمية في المحافظات ،وألغت الدولة دورها الاجتماعي المناط بها ،فتراجعت خدمات الصحة والتعليم ، وتوقفت مشاريع البنية التحتية والخدمات ،وانتشرت البطالة بين صفوف الناس ، وازداد الفقر وتضاعفت الضغوطات على الناس وباتت تلك القوة أخر هموم النظام لما أصابها من ضيم وظلم وتهميش .


من جديد تبحث الدولة والأجهزة عن طريقة لإعادة هذا التحالف والعودة إلى العشائر في مواجهة معارضة واسعة تطالب بإصلاحات سياسية واسعة ،دون ان تتقدم لتلك العشائر بأية مكاسب تنموية او اجتماعية، توقفت بل وسحبت بسبب السياسات التي قادها التيار " المنحل " اقتصاديا واخلاقيا تجاههم .

 
تراجعت بشكل كبير قواعد النظام ومناصريه في تلك المحافظات جراء تلك السياسات وما آلت إليه أحوالهم ، وانسلخت عنه لصالح المعارضة ، وباتت السمة الغالبة لتوجهات الناس نحو النظام هي عدم الرضا والقبول بسياسات الحكومات التي زادت من أزمة البلاد اقتصاديا وخاصة أن النظام سعى إلى تكريس التحالفات مع التجار والطبقات الفاسدة والعائلات المرتبطة بالنظام ،ويبحث عن مخرج لأزمة اقتصادية واسعة من خلال الضغط على الناس وتحميلهم مسئولية السياسات الفاشلة التي أوصلتنا إلى هذه الحالة ، في ظل تراجع المعونات والدعم العربي والغربي لما قيل بعدم ثقة المانحين أن تمضي تلك المساعدات إلى مستحقيها ..


الأجهزة الأمنية من طرفها قانعة كل القناعة بان الأحوال تغيرت وتبدلت ،وان ما تنفذه من برامج إعادة الثقة بالنظام وتهدئة الخواطر لن تنجح مالم تجرى الإصلاحات المطلوبة ، وبدل ان تسعى لتعديل تلك المعادلة المختلة في العلاقة بين الناس والنظام ، فقد عملت بعكس ذلك ،فأقامت مسيرات ونشاطات واحتفالات جمّة لعلها تنجح في إخفاء أزمة الثقة تلك ، وأقامت ما يسمى بمسيرات ولاء وانتماء في مناسبة او دون مناسبة .

لم تلاقي ترحيب ومشاركة الغالبية التي فقدت ثقتها بالنظام ، فظهرت تلك المسيرات باهتة الشكل ،قليلة العدد ، يقودها في الغالب مجموعات مستفيدة مدفوعة الثمن وشبان عاطلون عن العمل وبعض المعتوهين من أصحاب السوابق الذين وجدوا في علاقاتهم مع الأجهزة فرصة الانتقام من المجتمع ولكن بشكل شرعي وقانوني لايحاسبون عليه ، فانتهزوا فرصة الموالاة وكشروا عن أنيابهم ،فاستخدموا الأسلحة النارية وأصابوا من أصابوا

والهدف إثارة الفتن والمحن بين أبناء الوطن ، تلك الفزعات الموالية للنظام لم تلقى إلا سخط واستياء الناس ، وباتت القناعة تترسخ بان النظام يعتمد على ثلة من البلطجية والفاسدين وأصحاب السوابق ومن لف لفهم لإعادة الثقة بالنظام والاعتداء على كرامات الناس التي بقيت صامتة حتى استخدمت تلك الأسلحة و أقيمت تلك الاستعراضات " العسكرية " البذيئة ..فهل يمكن بناء الثقة بالرصاص والدماء والتهويش والبلطجة وسطوة الزعران !


الإعلام الرسمي وغير الرسمي يعيش نفس الحالة المأزومة وفقدان الثقة ، إذ لم يذكر حادثة إطلاق النار على شاب في الطفيلة من قبل بلطجية الموالين ،ولم يصدر تصريح من قبل ناطق رسمي ليقول رأيا بما يجري ، وحتى أطباء المستشفى وتحت ضغط الأجهزة أصابهم الجبن والخوف ولم يكونوا أمناء على عملهم ،فكتبوا تقريرا طبيا مشوها بوجود إصابة وأشاروا بعد صراع وجدال وخوف من احتمال أن يكون عيارا ناريا !

أهالي الطفيلة ووالد المصاب وأسرته وجموع الحراك ،أدركوا اللعبة ،وفوتوا الفرصة على من ينتظر الفوضى ،بحيث جرى تطويقها بعناية وتروي ،فتعاملوا معها بحرص المواطن ألمنتم وإحساسه باللعبة الخطيرة التي تنتظر المحافظة والوطن وسمعته واستقراره ، ولم يوظفوا ما يسمى " بفورة الدم " لمهاجمة من أطلقوا الرصاص وتخريب "فزعة الموالاة " ، وكانوا أصلا قد قرروا تأجيل فعالية الحراك إلى المساء ليتسنى للموالاة تنفيذ فعالياتهم الصاخبة والتي أدت بكل أسف إلى ما أدت اليه ، فخسر النظام والأجهزة من رصيدهم ما تبقى لهم في الطفيلة ، وأيقنوا أن الأمن بات مرتبط بثلة زعران وبلطجية كانوا حتى الأمس القريب في عزلة اجتماعية وكأنهم مصابون بالجرب !


ماذا لو أن احد نشطاء الحراك أطلق النار لسبب او لأخر !! فماذا سيكون رد الفعل الرسمي وغير الرسمي هنا ! باعتقادي أن كل من يقف خلف ميكرفون إذاعي رخيص او محطة فضائية رخيصة ، ما كانوا ليصمتوا لدقيقة ،ولجعلوا منها قميص عثمان في هجومهم وحربهم على الحراك والمعارضة ، ولخرج علينا الناطق الإعلامي للدولة بمزيد من التعبيرات الساخطة والمؤذية ، ولكنهم التزموا الصمت ،ولم نسمع لهم صوتا ولا تعليقا

..فسقط الإعلام الرسمي ومن يدور بفلكه من محطات إذاعية وتلفزيونية ، وكنت أتخيل لو أن زكي بني أرشيد او أحد نشطاء الحراكات قال يوما انه يطالب بوضع 14 طلقه في رأس كل حراكي كما طالب الإعلامي محمد الوكيل على الملاء من محطة أمنية نحترمها ..فكيف سيكون حال وموقف المتبجحين في الأردن .، قالها الوكيل يوما ولم نسمع أو نرى ولو رفضا أو استياءا من احد ..وقد سقط الإعلام لأنه ليس صادقا ومحابيا بشكل ساذج وأعمى..


الأجهزة الأمنية هي الأخرى لم تعد تلك الأجهزة التي تحظى باحترام الناس وتقديرها ، فبعد ما عانته تلك الأجهزة من تراجع وتلطيخ لسمعتها وسمعة رجالاتها الذين بدا الكثير منهم متورط بأعمال إجرامية وفساد ، سواء أكان مقصود أو غير مقصود ،مدبر أو غير مدبر بهدف تشوية وإضعاف تلك المؤسسة الأمنية التي كنا نفخر بها

لم تتوقف للحظة لكي تعيد ثقة الناس بها ،فباتت تعمل بتخبط واستهتار ، تحالفت مع الزعران والبلطجية في مختلف المحافظات ، وأوكلت إليهم مهمة إعلان الولاء وتنظيم المسيرات والاعتداء على المواطنين حتى لو أدى ذلك لقتل الناس وتخريب الذوق العام بتصرفاتهم ،وما يجعلنا نشعر بالحسرة والألم ما آلت اليه الحال فأصحاب السوابق هم من يدير أجهزة الأمن في مختلف المحافظات بالطريقة التي يعملون بها وفقا لمزاجهم ورغبتهم وطريقة تعاطيهم مع الناس !


فأي موالاة تلك التي نهدر فيها دما أبناء الوطن ،وأي موالاة تلك التي كلما خرجت في محافظة تزداد لعنات الناس واستيائهم من تلك الفعاليات التي بات يخجل منها حتى أشد الناس ولاء ومناصرة للنظام ، كنا نفاخر الناس أن البلاد آمنه مستقرة ،وان لا صخب ولا دماء ولا عراك حدث منذ عاميّ الحراك ،ولكن يبدو أن هناك من يريد تسجيل سابقة الدم والقتل وإثارة الفوضى والفتن بين أبناء الوطن، وإدخال البلد إلى نادي الأنظمة الدموية ، والتي قد تكون مترافقة مع إجراءات صعبة ستتخذها الحكومة لرفع الأسعار ، لعل وعسى أن يفرض من يخططون بهذه السذاجة أجواء الرعب والترهيب كما يتوهمون للحد من معارضة النظام وسياساته المدمرة على الوطن والمواطن .


حافظوا على ماء وجهكم ووجه نظامكم وتوقفوا عن هذه السذاجة .توقفوا عن إثارة الفتن ،ولن تنجحوا أبدا في تحقيق ما تخططون له عبر هذه المسيرات الكرتونية التي تحاولون فيها إخفاء مشاعر الناس واهآتهم ومعاناتهم ومطالبهم بالحرية والإصلاح ،لأن الناس باتت في مواجهة كل فتنة وكل مؤامرة قد تثيرها الأجهزة ، ولم يعد باستطاعتها التحمل أكثر حين يجيّش الأخ ضد أخيه ، والقريب ضد قريبه ، أو يمنح الخارج على القانون سلاحا كي يرهب به الناس في دولة تقول أنها آمنة مستقرة !!!