مخاوف من انتشار الكوليرا في العراق
في أربيل بإقليم كردستان العراق، أصيب أمين، وهو طفل بعمر العامين بإسهال وتقيء شديدين قبل نحو 14 يوما، خلال رحلة سياحة مع والديه هربا من أجواء بغداد الحارة في مثل هذا الوقت من العام.
وبعد التحاليل في مستشفى المحافظة، تم إعطاء أمين محاليل إرواء وريدية وفموية، لكن والده لم يعرف أنه مصاب بالكوليرا إلا بعد عودته لبغداد، وعن طريق صيدلي قرأ التحاليل.
ولاحقا، أخبر أحمد النصير، والد أمين، أنه مصاب بفيروس بعد مراجعة طبيب، لكنه قال لموقع "الحرة" إنه "مقتنع بتحليل الصيدلي"، لأن "هناك العشرات من المصابين بالمرض ذاته في المستشفى الذي كان كما يبدو متحضرا للعلاج، ما يشير إلى أن المرض منتشر منذ فترة".
واقتنع النصير تماما بتشخيص الصيدلي بعد استشارة مختبر متخصص غير تابع للحكومة، قال له إن طفله مصاب بالكوليرا.
وقالت وزارة الصحة العراقية في أحدث بياناتها إن هناك 13 إصابة مسجلة في البلاد، من ضمنها 10 في محافظة السليمانية في شمال العراق، وواحدة في كركوك، واثنتان في محافظة المثنى الجنوبية.
لكن، وبحسب الطبيب، محمد النجم، وهو طبيب عامل في دهوك، فإن الوضع قد يكون مختلفا.
وقال النجم لموقع "الحرة" إن هناك اجتماعا، سيعقد يوم الإثنين، مع برنامج Iraq Heath Cluster الذي تقوده منظمة الصحة العالمية لمناقشة الموضوع.
وامتنع النجم عن مناقشة تفاصيل المرض أو معلوماته عنه، وقال إنه سيحصل على مزيد من المعلومات بعد الاجتماع.
لكنه قال: "بغض النظر عن الأعداد، فإن نشر التوعية الصحية سيساعد بالحماية والسيطرة على تفشي الوباء لأن العراق من الدول الي تستوطن فيها الكوليرا وبشكل سنوي خصوصا في هذه الفترة".
ودعا إلى ممارسة العادات الصحية والنظافة وشرب المياه الصالحة والمعقمة فقط، وغسل اليدين بشكل متكرر وطبخ الطعام جيدا وغسل الفواكه والخضروات بشكل جيد".
وامتنع متحدثون باسم وزارة الصحة عن التعليق لموقع "الحرة" وطلب أحدهم من الموقع الاتصال بمدير الصحة العامة العراقي، الذي لم يجب على اتصالات الموقع.
وتوقف مسؤولون صحيون عن الاستجابة للرسائل بعد أن علموا أن موضوع تقرير "الحرة" سيكون عن انتشار الكوليرا.
وقال الصحفي العراقي، أحمد حسين، إن "مسؤولي وزارة الصحة لا يجيبون عن أي سؤال بشأن المرض"، وإن "تسجيل الإصابات عادة يكون تحت مسمى أمراض أخرى".
ولم يتمكن موقع "الحرة" من تأكيد هذه المعلومات، لكن حسين قال لـ"الحرة" إن "المعلومات الميدانية تشير إلى وجود مئات الإصابات التي تتلقى العلاج في المستشفيات".
وهناك آخرون من المرضى لا يلجأون إلى المستشفى أساسا، ما يعقد موضوع تسجيل إصاباتهم.
وقال جهاد راضي، وهو عراقي من بغداد، لموقع "الحرة" إنه أصيب بإسهال شديد من دون أي ألم.
وأضاف أنه "راجع الصيدلي"، الذي قال له إن هذه أعراض الكوليرا، ووصف له "مضادات حيوية ومحاليل إرواء"، مؤكدا أنه "أصيب بالجفاف ليومين لكنه تحسن".
وبعد إصابته، شكا أفراد آخرون من عائلته من الأعراض ذاتها.
وقال الطبيب العراقي، غسان عزيز، وهو مختص بالرصد الوبائي إن "الكوليرا مرض متوطن في العراق والذي يشهد تفشيا وبائيا لهذا المرض كل بضعة سنوات بدءا من العام 1966".
وكتب عزيز في منشور على موقع فيسبوك إن "الكوليرا متوطنة في إحدى البؤر في محافظة السليمانية، وهذه البؤرة متوقعة وليست مخيفة وهي تسجل حالات تزيد أو تنقص كل عام"، مضيفا: "مع كل تفش وبائي واسع في عدة محافظات في العراق سترتفع المناعة المجتمعية بسرعة و خلال عدة أشهر بين السكان لدرجة أن التفشي الوبائي سيحصل لعامين متتاليين على الأكثر في موسم الصيف ثم يتوقف".
وتابع: "عند حصول تفشي وبائي يجب اعتبار أي شخص يعاني من إسهال مائي على أنه حالة كوليرا، حتى لو تعذر إثبات ذلك مختبريا، وعليه يجب اتخاذ جميع الإجراءات الوقائية المطلوبة مع كل شخص يعاني من هذه الحالة وقتها"، مؤكدا: "عراقيا، يحصل التفشي عادة لموسمين صيفيين كل 7 إلى 8 سنوات، وهي المدة المطلوبة لانخفاض المناعة المجتمعية أو لتغيير بسيط في جدار خلية بكتريا الكوليرا بما يسمح لها بالانتشار من جديد".
وأوضح أن "المحافظات التي تعتمد على نهر الفرات في التزود بالمياه في وسط وجنوب العراق تكون أكثر تأثرا بالمرض، وهناك بؤر متكررة في محافظات بابل و كربلاء والنجف والبصرة".
وحذر من أن "الكوليرا ستنتشر في وسط وجنوب العراق بدرجة كبيرة خلال الأشهر الثلاثة القادمة وفي صيف عام 2023 ما لم يتم اتخاذ خطوات سريعة لزيادة تنقية وتعقيم مياه الشرب وفرض رقابة كثيفة على تحضير وبيع المشروبات والمأكولات".
وختم بالقول: "فقدنا الكثيرين من أحبابنا أثناء تفشي وباء كوفيد-19. أتمنى أن نكون قد تعلمنا من أخطائنا هذه المرة وألا نكرر نفس المأساة".
وامتنع عزيز عن الإدلاء بتصرحيات لموقع "الحرة" لكونه "يعمل في منظمة دولية"، مؤكدا أن آراءه بشأن الموضوع "هي شخصية ولا يجوز نسبها للمنظمة".
وتفشت الكوليرا بشكل كبير في العراق في عام 2015،مما أدى بمنظمة الصحة العالمية إلى تنظيم جولة لقاحات في البلاد.
وتقول المنظمة إن "المياه النظيفة والمرافق الصحية والنظافة الشخصية هي التدابير الأساسية لمنع ومكافحة وباء الكوليرا، كما أن التطعيم ضد الكوليرا هو أداة إضافية فعالة وآمنة يمكن استخدامها في الظروف الصحيحة كمكمل ذي أولوية لإجراءات مكافحة الكوليرا وليس كبديل عنها".
وتقول إنه من الممكن أن يسبب المرض الوفاة إذا ترك بدون علاج، كما أنه "يصيب الأطفال والبالغين على حد سواء ويمكن أن تودي بحياتهم في غضون ساعات إن لم تُعالج".
وتضيف: "لا تظهر أعراض الإصابة بعدوى ضمات بكتيريا الكوليرا على معظم المصابين بها، رغم وجود البكتريا في مخلفاتهم لمدة تتراوح بين يوم واحد و10 أيام عقب الإصابة بعدواها، وبهذا تُطلق عائدة إلى البيئة ويمكن أن تصيب بعدواها أشخاصا آخرين".
ومعظم من يصابون بعدوى المرض يبدون أعراضا خفيفة أو معتدلة، بينما تصاب أقلية منهم بإسهال مائي حاد مصحوب بجفاف شديد.