"حق الملح" .. عادة تونسية لتكريم الزوجة بعد شهر رمضان
في ركن من قاعة الجلوس الفسيحة في منزلها بمحافظة نابل شمال شرق تونس تضع منية شيئا من البخور داخل كانون صغير، وتبدأ في ترتيب أركان البيت لتوديع شهر رمضان والإعداد لاستقبال عيد الفطر المبارك مع زوجها وسائر أفراد أسرتها.
وتحافظ منية، المرأة التي تبلغ من العمر 56 عاما، على إحياء طقوس عدة يوم العيد، لكنها تفخر كثيرا عندما تتسلم ”حق الملح" من زوجها، وتعتبر ذلك دليلا على أنها قامت بواجبها تجاه شريك حياتها وأبنائها على أكمل وجه.
وعادة ”حق الملح" من التقاليد التونسية الأصيلة والراسخة في المجتمع التونسي، وتتمثل أساسا في تقديم الزوج هدية لزوجته بمناسبة عيد الفطر، لكن الطريف في الأمر طريقة تقديمها.
ودأبت منية على ممارسة هذه العادات البسيطة التي حفظتها عن والدتها منذ سنوات، واستمرت في القيام بها بعد الزواج، إذ تقول: ”قبل زواجي، كان كل أفراد العائلة يقومون باكرا صباح أول أيام العيد، وبعد أن يخرج أبي لأداء الصلاة كنا نتفرغ لترتيب البيت قبل عودته، فيما تحرص أمي على تقديم فنجان من القهوة وقطع من الحلويات لأبي عند عودته من المسجد، وبعد أن ينتهي من احتساء قهوته كان يضع قطعة من الذهب في الفنجان".
وتضيف منية ”في البداية لم نكن نعرف أن الأمر يتعلق بعادة ”حق الملح"، ولكن أدركت فيما بعد أن ذلك كان شكلا من التكريم والاعتراف بجميل والدتي طوال شهر رمضان، الحمد لله أن زوجي أخذ عن والده تلك العادة وحافظ عليها".
وتقول منية: ”عادة ”حق الملح" تراجعت كثيرا الآن بسبب الأزمة الاقتصادية وتعدد النفقات، هناك عائلات غير قادرة حتى على إعداد أو شراء حلويات العيد، فما بالك باقتناء قطعة مصاغ أو ملابس باهظة الثمن، يسعدني أن يحافظ زوجي على هذه العادة، يكفي أن يقدم لي هدية بسيطة يوم العيد دون أن يكلف نفسه اقتناء الذهب".
وتحظى العادات والتقاليد التي تميز شهر رمضان وعيد الفطر في تونس بأهمية بالغة لدى الكثير من العائلات على اختلاف فئاتها الاجتماعية، إذ يكثر التفنن في تقديم أطباق متنوعة من المأكولات وإعداد الحلويات، فيما لا تزال عادة ”حق الملح" رغم تراجعها، تجد مكانها لدى البعض ممن يعتقدون أن ذلك أقل مظهر للاعتراف بجميل الزوجة بعد تعب شهر كامل من إعداد الطعام.
وتستمد عادة ”حق الملح" مدلولها من أن الزوجة في تونس، ورغم الصيام فإنها تضطر طيلة شهر رمضان لأن تتذوق بطرف لسانها الطعام حتى تعدل ملوحته دون أن تفسد صيامها، وفي يوم العيد وعندما يرجع الزوج من صلاة عيد الفطر، تكون الزوجة قد رتبت البيت ولبست أجمل الثياب، ثم تقدم له فنجان القهوة وطبق الحلويات فيتناول القهوة، ولا يعيد الفنجان فارغا وإنما يضع فيه قطعة من المجوهرات بحسب إمكانياته المادية، وهي طريقة راقية لتكريم شريكة حياته، والاعتراف بفضلها وتعبها في رمضان.
ويقول رياض، (59 عاما) لـ ”إرم نيوز": ”حق الملح هو أقل شيء يمكن أن نقدمه للزوجة للاعتراف بجميلها، زوجتي تتعب كثيرا من أجلنا في رمضان، تقديم حق الملح واجب لكي لا ننكر فضلها في هذا الشهر المبارك ويبقى اختيار الهدية حسب قدرة الزوج المادية وحالته الاجتماعية".
من جهته يقول نور الدين (66 عاما) إنه كان يعتقد بتلك العادة في السابق وتحديدا خلال سنوات زواجه الأولى لكنه لم يعد يفكر بها إطلاقا بسبب تغير نمط الحياة والعادات والتقاليد بحسب قوله.
ويضيف نور الدين : ”قدمت لزوجتي وأم أبنائي الأربعة هدية حق الملح في أكثر من مناسبة، قطعة من المصاغ أو مبلغا ماليا، ورثت ذلك التقليد عن والدي رحمه الله، لكن نمط الحياة تغير الآن وأصبح يفرض منح الأولوية لأمور أخرى تبدو أكثر أهمية.. حق الملح عادة لها زمن غير هذا الزمن، أعتقد أن الأمر أصبح مصدرا للتباهي والاستعراض لا غير حتى إن أحد الأزواج أهدى زوجته سيارة بدل قطعة من الحلي".
وحول أصل تلك العادة أكد بعض المؤرخين والمتخصصين في دراسة الحضارة أنها على الأرجح أندلسية إذ إن الأندلسيين هم من نقلوها إلى سكان شمال أفريقيا، الذين حافظوا عليها وتناقلوها عبر الأجيال لتنتشر بعدها في تونس وبعض البلدان المغاربية.
وفي تصريح ، كشف المؤرخ عبد الستار عمامو أن ”حق الملح عادة تونسية وليبية قديمة حيث كان الزوج يقدم هدية هي في الغالب قطعة مجوهرات يضعها في فنجان القهوة بعد أن يتناولها، وعندما تأتي الزوجة لأخذ الطبق تجد شيئا ما في الفنجان وهو ”حق الملح" (ثمن الملح).
ويضيف عمامو، الذي يقدم برنامجا تلفزيونيا، يحمل الاسم نفسه، (حق الملح): ”العادة سرت في بلدان مغاربية وعربية واختلفت تسمياتها ففي ليبيا والمغرب تسمى ”الكبيرة" لكنها تبقى طريقة راقية لتكريم الزوجة بعد تعب شهر كامل".