الوجه الثاني لزيارة امير قطر لغزة


مما لا شك فيه أن زيارة العاهل القطري إلى قطاع غزة تعد زيارة تاريخية وتحمل طابع الجراءة المفعم بكل معاني العروبة والأخوّة بين أبناء الأمة العربية الواحدة، فحماس المستهدفة منذ سبع سنوات من قبل إسرائيل وحلفائها بحصار جائر وحرب ضروس استخدمت فيها كافة أشكال الأسلحة، لم تجد من يناصرها ويشد أزرها سوى قلة قليلة من الأنظمة العربية التي لا تتغير سياساتها بحسب الأهواء الغربية، بل تدفعها مبادئها الثابتة تجاه عروبتها وإسلامها، يأتي على رأس هذه الأنظمة وفي مقدمتها المملكة الأردنية الهاشمية ممثلة بنظامها الهاشمي، الذي لم يتأخر يوما عن نجدة ومناصرة أبناء الأمة في أي ميدان.

ومن الإنصاف أن لا ننسى مواقف إيران وسوريا الداعمة لحركة حماس؛ فقد ذكر وزير خارجيتها السيد محمود الزهار في مقابلة تلفزيونية أن حركة حماس ومن ورائها الشعب الفلسطيني مدينون لإيران وسوريا وحزب الله في حربهم مع إسرائيل، أما باقي الدول والأنظمة العربية فقد وقفت على الحياد طوال الفترة الماضية، ولم تستطع أن تقدم أي نوع من الدعم لحركة حماس، بل أنها تعمدت إسقاط هذه الحركة بحجة أنها ذراع ونفوذ إيران في القضية الفلسطينية، ولا يخفى على احد أن أهم مغذيات الصراع الداخلي للبيت الفلسطيني هو الصراع الخليجي الإيراني..


وفجأة وبدون أي مقدمات نجد بأن أمير قطر يهبط في ارض غزة، حاملا معه وفداً رفيعاً يضفي على الزيارة أجواء زيارة دولة ويشكل اعترافاً لطالما سعت حماس إلى كسبه من العرب، خصوصاً في ظل صراعها الداخلي مع السلطة الوطنية، إضافة إلى الدعم المادي السخي الذي قدمه الأمير .

وقد انبرى الكثير من الكتاب العرب للتصفيق والتهليل لهذه الزيارة، بحسبان أنها تصب في نصرة الشعب الفلسطيني، والغريب أن احد هؤلاء الكتاب يعد مرجعاً وسراجاً يستضاء به في عتمه المؤامرات السياسية، التي تحاك ضد الأمة ويكون ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.


أنا لا اشكك في الوجه الأول الذي يتغنى به الأستاذ عبد الباري عطوان في زاوية رأي القدس تحت عنوان "ضيف غزة وزيارته المفاجئة " ولكنني أيضاً لا اشك في وجود وجه ثاني لهذه الزيارة يهدف إلى حسم الخلاف داخل حركة حماس بشأن الملف السوري، الذي تفرّق عليه أبناء الحركة بعدما انفرد خالد مشعل بالإعلان عن وقوفه ضد النظام السوري، الذي احتضنه لسنوات ليبرز رأي آخر داخل الحركة يمثّله الدكتور محمود الزهار يرى أن معاني الوفاء وقيم المعروف تفرض الوقوف إلى جانب النظام السوري أو على الأقل اتخاذ موقف محايد.


من الواضح جدا أن قطر التي تبحث عن دور يفوق حجمها وسخّرت كل إمكاناتها المالية لهذا الغرض، لم تكتفي برعاية كأس العالم عام 2020 بل أنها وفي سياق إشباع الطموح اللا متناهي تبنت دور الراعي الرسمي للربيع العربي بذريعة تحقيق الحرية والديمقراطية للشعوب العربية المحرومة منها، لكنني ومع كامل احترامي للقيم المعلنة لهذا الدور ،إلا أنني وبعد تداعيات الأزمة السورية وما كشفته أرى أن قطر تشكل القلم الذي يرسم به الغرب خارطة الشرق الأوسط الجديد.