ما سر مثلث برمودا؟
جذب مثلث برمودا الواقع بين فلوريدا وبورتوريكو وبرمودا الانتباه حول العالم لعدة قرون، بعد اختفاء نحو 70 سفينة وطائرة مرت من هناك، لم يُعثر على حطام العديد منها، على الرغم من الإبلاغ عن فقدها.
أين يقع مثلث برمودا؟
تتراوح مساحة المثلث الذي أطلق عليه أيضا اسم "مثلث الشيطان" بين مليون و300 ألف كيلومتر مربع وبين 3 ملايين و900 ألف كيلومتر مربع -بحسب التقديرات-، ليشغل مثلث برمودا مساحة كبيرة من المحيط الأطلسي.
ويحده غربا الساحل الجنوبي الشرقي للولايات المتحدة، وشمالا أرخبيل برمودا وجنوبا جزر الأنتيل الكبرى (كوبا وهيسبانيولا وجاميكا وبورتاريكو). وهذه المنطقة تتخذ شكل مثلث عجيب.
وتعود تقارير الأحداث غير المبررة في مثلث برمودا إلى منتصف القرن التاسع عشر.
وفي الوقت الحاضر، تعد المنطقة واحدة من أكثر ممرات الشحن ازدحاما في العالم.
وعلى الرغم من تعرضها للعديد من الأعاصير والعواصف الاستوائية كل عام، فإن عدد السفن المفقودة لا يختلف عن أجزاء أخرى من المحيط الأطلسي.
وزعم بعض الناس أن السفن المفقودة كانت مرتبطة بأحداث خارقة للطبيعة.
ولكن العلماء مقتنعون أكثر بنظريات التغيرات المناخية المفاجئة، التي تسببت في حطام السفن أو تحطم الطائرات.
ومع ذلك، هناك 3 ألغاز قديمة رئيسية ما تزال تحير الجمهور.
إلين أوستن
كانت سفينة "إلين أوستن" تسافر بين لندن ونيويورك في عام 1881، وأمر القبطان طاقمه بتولي قيادة السفينة والعودة إلى نيويورك. ولكن عاصفة بحرية فصلتها واختفى الطاقم بعد فترة وجيزة.
وبعد بضعة أيام، رصدت "إلين أوستن" أخيرا السفينة التي كانت تقطرها، ولكن مرة أخرى، اختفى الطاقم.
ماري سيليست
تعتبر سفينة "ماري سيليست" واحدة من أشهر الألغاز المحيطة بمثلث برمودا.
وفي عام 1872، تم العثور على السفينة عائمة بالقرب من البرتغال دون وجود أي من أفراد الطاقم على متنها. وما تزال "ماري سيليست" تبدو وكأنها جاهزة للإبحار، مع كل بضائعها. ولكن لم يكن هناك أي شخص على متنها.
ورُبطت السفينة لاحقا برحلة عبر مثلث برمودا، على الرغم من العثور عليها على بعد مئات الأميال من الموقع.
"يو إس إس سيكلوبس"
في مارس 1918، اختفت ناقلة نفط أمريكية عملاقة أثناء إبحارها عبر مثلث برمودا.
وكانت تقل 309 من أفراد الطاقم، بالإضافة إلى آلاف الأطنان من خام المنغنيز، خلال رحلتها بين البرازيل والولايات المتحدة.
ولكن لم ير حطام السفينة مرة أخرى، ولم يُعثر على حطام. ولم ترسل السفينة أبدا إشارة استغاثة، ولم يستجب أحد على متنها لمكالمات الراديو من السفن القريبة.
تفسيرات علمية لظاهرة مثلث برمودا
وفي المقابل، انتشرت أيضا تفسيرات جيولوجية وعلمية مقبولة لاختفاء الطائرات والسفن في هذه المنطقة، وإن كان سببها ظواهر شديدة الندرة ولا يعرفها إلا قليلون.
وفي عام 2003، أثبت علماء من جامعة "موناش" (Monash) بأستراليا أن فقاعات الميثان الضخمة بإمكانها إغراق السفن. إذ بنى الباحثون نموذجا لسفينة وأطلقوا فقاعات غاز ولاحظوا أن السفينة فقدت توازنها وغرقت في المياه.
وفي عام 2014، خلصت دراسة نشرت في دورية "ساينس إن سيبريا" (Science in Siberia) إلى أن ظاهرة إطلاق هيدرات الميثان قد تفسر اختفاء السفن في المحيط الأطلنطي. وذكر الباحثون أن هناك جيوبا من الغاز -ولا سيما الميثان- أسفل التربة الصقيعية وبعض المحيطات. وعندما يتحول ثلج الميثان في أعماق المحيط إلى غاز يطلق فقاعات ضخمة في الهواء قد تؤثر على المياه.
وربما تتسبب صواعق في إشعال فقاعة ضخمة من الميثان أثناء صعودها إلى السطح بجوار السفينة أو الطائرة وتتسبب في غرقها. وذكر الباحثون أن تحول ثلج الميثان إلى غاز قد يسبب انفجارا يشبه الانفجار النووي، ويطلق كميات هائلة من الغاز، وهذا يتسبب في تسخين المحيط وغرق السفن في المياه المشبعة بالغاز، وقد يصاحب ذلك اضطرابات جوية شديدة بسبب تشبع الهواء بالميثان، قد تؤدي إلى تحطم الطائرات.
غير أنه لم يُعثر على أدلة تثبت هذه الظاهرة، ولم يسجل العلماء أي فقاعات للميثان بهذا الحجم في التاريخ الحديث. وتشير الأدلة إلى أن آخر انهيار وإطلاق للغاز بسبب تحلل هيدرات الميثان قد وقع في نهاية العصر الجليدي منذ نحو 15 ألف عام حين كان منسوب مياه البحر أكثر انخفاضا.
وثمة نظرية أخرى شائعة مفادها أن اختفاء السفن في هذه المنطقة سببه ما يطلق عليه "الأمواج المارقة" أو القاتلة، وهي أمواج استثنائية متطرفة قد تتكون بلا مقدمات وقد يصل طول الواحدة منها إلى 30 مترا، وهذه الأمواج من القوة بحيث يمكنها تدمير سفن وطائرات تماما.
وبحسب الإدارة الوطنية الأمريكية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي "إن أو إيه إيه" (NOAA)، فإن هذه الأمواج تتشكل إثر اصطدام الأمواج التي تكونت بفعل العواصف بالأمواج المعتادة، ومن ثم تلتحم الأمواج ببعضها وتشكل أمواجا كالجبال. ويقع مثلث برمودا في منطقة تتلاقى فيها العواصف من مختلف الاتجاهات وتزيد فرص ظهور الأمواج القاتلة.
وتمر غالبية العواصف والأعاصير الأطلسية عبر مثلث برمودا، وقد دُمر كثير من السفن قبل تطور الأرصاد الجوية. وقد يتسبب تيار الخليج -وهو تيار دافئ سريع ينشأ في خليج المكسيك ويمتد حتى طرف فلوريدا- في تغيرات عنيفة وسريعة في الطقس.
وثمة أدلة تثبت أن الإبرة المغناطيسية في مثلث برمودا تشير أحيانا إلى الشمال "الأرضي" وليس الشمال "المغناطيسي"، وهذا يعني أن البوصلة لا تشير إلى الشمال بدقة في هذه المنطقة.
وفي عام 2016، حلل فريق من علماء الأرصاد الجوية صورة التقطها أحد الأقمار الاصطناعية لوكالة "ناسا" (NASA)، ولاحظوا وجود سحب سداسية الشكل فوق الطرف الغربي من جزيرة برمودا يتراوح عرضها بين 32 و88 كيلومترا وتبعد نحو 240 كيلومترا عن ساحل فلوريدا.
وذكر "راندي سيرفيني" (Randy Cerveny) -من "جامعة أريزونا" (University of Arizona)- لقناة "ساينس" (Science) أن هذه السحب هي في الواقع "قنابل هوائية" تضرب المحيط مولدة أمواجا هائلة ما تلبث أن تتداخل مع بعضها.
ولاحظ الفريق سحبا مشابهة فوق بحر الشمال بمحاذاة ساحل المملكة المتحدة، ولاحظوا أنها تقترن برياح سرعتها تصل إلى 160 كيلومترا في الساعة، وهذه الرياح تكفي لتوليد أمواجا يتجاوز ارتفاعها 14 مترا.
أما عن اختفاء حطام السفن والطائرات، فإن العثور على حطام الطائرات في هذه المنطقة -التي تحتضن خندق بورتوريكو حيث أعمق نقطة في المحيط الأطلسي- ليس بالأمر الهين؛ إذ يصل عمق المياه في الخندق إلى 9 آلاف و200 متر.