سقوط عثماني


للفساد والفاسدون مساوئ كثيرة ليس اسوئها تجويع الناس وفقرهم ونشر الظلم وحجب العدل والمساواة وتأجيج البغضاء والعداوة والغدر والخيانة والخلاف الذي قد يصل للقتل واخذ الثأر باليد وتعطيل القانون وزيادة اللجوء لشريعة الغاب والتفكك الاسري وضعف التربية والتعليم والتعليم العالي بين الطلبة والانحضاض في الاخلاق والقيم واعراض الناس ..........

ولكن كل تلك الظواهر والنتائج هي عوامل تسرّع في القضاء على الدولة برجالها وسمعتها بعد ان يكون السوس قد نخرها من الداخل والمؤامرات قد حيكت لها من الداخل والخارج بتعاون مُطلق على الشرْ والغدرْ .
واوضح مثال على تأثير الفساد على تقصير عمر المجتمع او الدولة او الامبراطورية هو ما حدث للدولة العثمانية الاسلاميّة التي كانت آخر دولة خلافة إسلاميّة على الارض حتى الان والتي تفسّخت الى عشرات الدول ولم تغفر لها انجازاتها في مواجهة الفساد الذي انهكها فخرّت صريعة التآمر الخارجي والتعب الداخلي وتقلّصت من امبراطوريّة اسلاميّة عظيمة الى دولة تركيّة صغيرة تجري وراء الاتحاد الاوروبي لتنضم له وهو ما زال رافضا حتّى الان ويحاول الحزب الحاكم الان استعادة الموقف التركي المؤثّر بين الدول خاصّة الاسلاميّة والعربيّة .
والدولة العثمانية هي إمبراطورية إسلامية أسسها عثمان الأول بن أرطغرل، واستمرت قائمة لما يقرب من 600 سنة، وبالتحديد منذ حوالي 27 يوليو سنة 1299م حتى 29 أكتوبر سنة 1923م.
بلغت الدولة العثمانية ذروة مجدها وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، فامتدت أراضيها لتشمل أنحاء واسعة من قارات العالم القديم الثلاثة: أوروبا وآسيا وأفريقيا، حيث خضعت لها كامل آسيا الصغرى وأجزاء كبيرة من جنوب شرق أوروبا، وغربي آسيا، وشمالي أفريقيا. وصل عدد الولايات العثمانية إلى 29 ولاية، كان للدولة العثمانية سيادة على بضعة دول بعيدة كذلك الأمر، إما بحكم كونها دولاً إسلامية تتبع شرعًا سلطان آل عثمان كونه يحمل لقب "أمير المؤمنين" و"خليفة المسلمين"، أو عن طريق استحواذها عليها لفترة مؤقتة.
أضحت الدولة العثمانية في عهد السلطان سليمان الأول "القانوني" (حكم منذ عام 1520م حتى عام 1566م)، قوّة عظمى من الناحيتين السياسية والعسكرية، وأصبحت عاصمتها القسطنطينية تلعب دور صلة الوصل بين العالمين الأوروبي المسيحي والشرقي الإسلامي، وبعد انتهاء عهده والذي يُعتبر عصر الدولة العثمانية الذهبي، أصيبت الدولة بالضعف والتفسخ وأخذت تفقد ممتلكاتها شيءًا فشيئًا، على الرغم من أنها عرفت فترات من الانتعاش والإصلاح إلا أنها لم تكن كافية لإعادتها إلى وضعها السابق.

وكما جاء في نهاية كتاب ((الدولة العثمانية/ عوامل النهوض وأسباب السقوط) عن أسباب سقوط الدولة العثمانية من المنظور الإسلامي، ويتصدر تلك الأسباب: انحراف الأمة عن مفاهيم دينها، كعقيدة الولاء والبراء، ومفهوم العبادة، وانتشار مظاهر الشرك والبدع، وظهور الصوفية المنحرفة كقوة منظمة في المجتمع الإسلامي تحمل عقائد وأفكاراً وعبادات بعيدة عن كتاب الله وسنة رسوله.
ويتحدث الكتاب عن غياب القيادة الربانية كسبب في ضياع الأمة وخصوصاً عندما يصبح علماؤها ألعوبة بيد الحكام الجائرين، ويتسابقون على الوظائف والمراتب وغاب دورهم المطلوب منهم، وكيف أصيبت العلوم الدينية في نهاية الدولة العثمانية بالجمود والتحجر، وكيف اهتم العلماء بالمختصرات والشروح والحواشي والتقريرات، وابتعدوا عن روح الإسلام الحقة، ورفض كثير من العلماء فتح باب الاجتهاد، وأصبحت الدعوة لفتح بابه تهمة كبيرة تصل إلى الرمي بالكبائر، وتصل عند بعض المقلدين والجامدين إلى حد التكفير.، وتعرض الكتاب للظلم الذي انتشر في الدولة وبخاصة في الفترات المتأخرة، وما أصابها من الترف والانغماس في الشهوات وشدة الاختلاف والتفرق وما ترتب على الابتعاد عن شرع الله من آثار خطيرة، كالضعف السياسي والعسكري والاقتصادي والعلمي والأخلاقي والاجتماعي، وكيف فقدت الأمة قدرتها على المقاومة، وكيف استعمرها الأعداء وغزيت فكرياً، نتيجة لفقدها شروط التمكين وابتعادها عن أسبابه المادية والمعنوية، وجهلها بسنن الله في نهوض الأمم وسقوطها
وقدانتهت الدولة العثمانية بصفتها السياسية بتاريخ 1 نوفمبر سنة 1922م، وأزيلت بوصفها دولة قائمة بحكم القانون في 24 يوليو سنة 1923م، بعد توقيعها على معاهدة لوزان، وزالت نهائيًا في 29 أكتوبر من نفس السنة عند قيام الجمهورية التركية، التي تعتبر حاليًا الوريث الشرعي للدولة العثمانية.
عُرفت الدولة العثمانية بأسماء مختلفة في اللغة العربية، لعلّ أبرزها هو "الدولة العليّة" ، كذلك كان يُطلق عليها محليًا في العديد من الدول العربية، وخصوصًا بلاد الشام ومصر، "الدولة العثمليّة".
كانت الأفكار القومية قد تغلغلت بشكل كبير في جسم الدولة العثمانية أواخر عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وأنشأ الداعون لهذه المفاهيم المؤسسات والجمعيات التي تحمل أفكارهم، وكان من أهم هذه الجمعيات جمعية تركيا الفتاة، التي تأسست في باريس وكان لها فروع أخرى في برلي.

وفي أنحاء الدولة العثمانية في سالونيك والآستانة، واستطاعت أن تضع لها قدمًا في الجيش العثماني، وكان لها جناح عسكري عرف بتنظيم الاتحاد العثماني وكان لها جناح مدني هو الانتظام والترقي، واتفق الفريقان أن تكون جمعيتهم باسم "الاتحاد والترقي".وامتد نفوذ الاتحاد والترقي في الدولة، فضم إليه الكثير من ضباط الفيلق الأول المسيطر على الآستانة، وكذلك الفيلقين الثاني والثالث المرابطين في الولايات العثمانية الباقية في أوروبا.

وقد حاول السلطان عبد الحميد مقاومة هذه الجمعيات، فنادى وتمسّك بفكرة الجامعة الإسلامية، لكنه فشل أمامهم، خصوصًا بعد أن سيطروا على أكثر الجيش. فرض الاتحاديون على السلطان إعلان دستور جديد للبلاد يخلف الدستور الأول أو "القانون الأساسي" الذي أعلنه سنة 1876م، فذعن لمطلبهم وأعلن الدستور، فسيطر الاتحاديون على معظم مقاعد المجالس النيابية، ووجدوا أن السلطان سيكون عائقًا في تحقيق أهدافهم، فعزلوه وولوا أخاه محمد الخامس مكانه .


تولّى محمد "رشاد" الخامس العرش والدولة في احتضار، ولكنها كانت ما تزال متماسكة، وأصبح الاتحاديون هم الحكام الفعليين للبلاد، أما السلطان فكان مجرّد ألعوبة في أيديهم، وفي ذلك الوقت كانت الدولة قد أضاعت كثيرًا من بلادها في أوروبا، والأفكار القومية تنتشر يومًا بعد يوم، والبلاد في حالة إفلاس بسبب الحروب المتواصلة، والأوروبيون قد تسلطوا على مالية الدولة لاستيفاء ما لهم عليها من ديون. وفي نفس السنة لاعتلاء محمد رشاد العرش، سيطرت الإمبراطورية النمساوية المجرية على البوسنة والهرسك.

وبعد ثلاث سنوات هاجمت إيطاليا ليبيا، آخر الممتلكات العثمانية الفعلية في شمال أفريقيا، فقاومها العثمانيون بكل طاقتهم، لكنهم لم يستطيعوا شيءًا، فسقطت البلاد بعد سنة من المعارك الشديدة. ثم جاءت حرب البلقان الأولى ، وفقدت فيها الدولة العثمانية ما تبقى لها من ممتلكات في البلقان عدا تراقيا الشرقية ومدينة أدرنة، وانسحب حوالي 400,000 مسلم من سكّان تلك البلاد إلى تركيا خوفًا من ما قد تُقدم عليه جنود العدو. وفي تلك الفترة ظهرت النزعة التركية الطورانية بقوة وعنف، وسعى حزب الاتحاد والترقي إلى تتريك الشعوب غير التركية المشتركة مع الأتراك في العيش تحت ظل الدولة العثمانية، مثل العرب والشركس والأكراد والأرمن.

وفي سنة 1913م عقد الوطنيون العرب مؤتمرًا في باريس، واتخذوا مقررات أكدوا فيها على رغبة العرب في الاحتفاظ بوحدة الدولة العثمانية بشرط أن تعترف الحكومة بحقوقهم، كون العرب أكبر الشركاء في الدولة، وطالب هؤلاء أن تُحكم الأراضي العربية حكمًا ذاتيًا وفق نظام اللامركزية، وقد وعد الاتحاديون الزعماء العرب الأحرار بقبول مطالبهم، لكن ذلك لم يتحقق بفعل نشوب الحرب العالمية الأولى .


وهكذا حال امتنا العربيّة في كافّة دولها ابتعدت عن تعاليم دينها فاستسهل فاسديها نهب مقدّراتها وغيبوا العدالة والمساواة فيها فزاد الفقراء والجائعين وباتت عبادة الشخص هي المقصد والغاية وباتت الاوطان ظلمات في اوجه اهلها ومرتعا للفاسدين والمسؤولين فيها وبات سعيد الحظ من يجد بلد يقبل به مغتربا هاربا من حياة الذل والهوان علّه يجد هواء نقيّا خاليا من التفرقة وسموم الكذب والفساد والنفاق .


ونحن نتذكّر يوم السادس من تشرين الاوّل قبل تسعة وثلاثون عاما حرب السلام المخزي التي حولت الانتصار الفعلي الى سلام وهمي وهزيمة في النفوس ما زلنا نعيش فيها .
قال تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} صدق الله العظيم
احمد محمود سعيد
6/10/2012