الأمن وإدارة "الإنقاذ"


لقد مر اليوم الذي أسميناه بمقال سابق بـ "اليوم الموعود" كما تمنى كل الأردنيين الغيارى وكما تمنى العقلانيون من كافة أطياف المجتمع الأردني. وبداية نسجل امتناننا للقائمين على تنظيم الحراك المضاد بتأجيله مرتقين لمستوى المسئولية وضاربين مثلا يحتذى بكيفية إعمال الحكمة والعقل إذ أجهضوا الكثير مما كنا نتوقع من اضطرابات واحتكاكات يمكن أن تنشأ جراء التضادية والإستفزاز والإثارة.

وللإنصاف، تعرض الطرفان للشحن والتخويف من جهات عدة بعضها صادق والآخر قال حقا أراد به باطلا،
وبنفس الوقت نسجل للإخوان استيعابهم للرسالة التحذيرية الناصحة لهم والتي لهج بها الكثير من الحكماء والعقلاء من رسميين ومهتمين وصحفيين وكتاب وغيرهم من الغيورين على مصلحة الأردن واستقراره،فكانت فعالية سلمية خالية من التجاوزات ولم تذكر حالة اعتداء واحدة.

أما الأكثر تجليا كان دور رجال الأمن وإدارتهم للأزمة قبل وبعد الفعالية حيث سيطروا على الشوارع المؤدية لوسط البلد لضمان عدم دخول مندسين للعبث بسلمية الفعالية،كما قاموا بتأدية واجبهم الشرطي والأمني بمنتهى المهنية والإحترافية المقترنة بهم دوما حتى صاروا مدرسة يتتلمذ بها الكثير من طالبي صناعة الأمن من الكثير من الدول الشقيقة والصديقة.

وتواجدهم المكثف به دلالة واضحة على حرصهم على عدم حصول انفلات يمكن حدوثه بهكذا حالات. وحرص رجال الأمن مرده بالمقام الأول توفير جو آمن للحراكيين مع وجود جاهزية التدخل إذا اقتضى الأمر وضمان السيطرة في حال حدوث تجاوزات تخل بالأمن وتقلق الحراكيين.


جميعنا لاحظنا اجتهادات توعوية تلقائية سبقت "الإنقاذ" من الصحافة والإعلام من خلال المقالات التي أقلام كتابها تفيض غيرة على وطنهم ومن خلال المقابلات المتلفزة مع شخصيات وطنية غيورة كان لها كبير الأثر بتوعية كل الفرقاء وتوضيح حقيقة ما يجري وما يمكن أن ينتج عنه من أضرار لو لم تمت الفعالية كما كان مخطط لها.

لا نشك بالتقاط الرسالة من قبل الإخوان وإدراكهم أن أي خلل بحال حدوثه سينسب إليهم حيث لا مناكفين وسيكونوا هم المسئولين أمام الناس والصحافة والإعلام والعالم. فكان لديهم من الفطنة ما جعلهم يستوعبوا الزخم الشعبي الذي يختلف معهم. وقولنا هذا ترحيب بإعمال العقل والتعامل مع الواقع وليس التمني.

بالمقابل،ما نسجله بغير صالح الإخوان المبالغة بإمكانية حشد أعداد غفيرة من الناس تتجاوز الـ (50000) أوصل رسالة تحمل تحديا واستقواءا. وخلال الحدث ومن خلال قناتهم الفضائية "اليرموك" والتي نبارك لهم عليها, بثوا خبرا عاجلا مفاده وصول عدد المشاركين لـ (100000). وقد كان واضحا أن العدد الحقيقي يقل كثيرا جدا عن ذلك. وقد كنا نتوقع منهم قول الحقيقة أو الإقتراب منها كما يطالبون هم دوما بكشف الحقيقة, لكن ما ظهر لنا من خلال متابعتنا لـ "الإنقاذ" أن الحقيقة حلال وضرورة عندما يطلبوها من الآخرين بينما إذا طُلبت منهم فهي قابلة للتحريم ومخالفة لأصول الدين.


وبخصوص جزئية عدد المشاركين, قامت قناة "الحقيقة الدولية" مشكورة من خلال مذيعها الهمام د. زكريا الشيخ بإثبات التباين الكبير بين الرقم المعلن والرقم القريب من الواقع. والتباين كان واضحا من خلال المقارنة المقنعة جدا والمتفقة مع العقل والمنطق من ناحية.

ومن ناحية أخرى, الصور الثابتة والمتحركة للمشاركين ألـ "100000" بمنطقة محدودة وبين ما يتسع له ستاد الملك عبدالله (30000). لم يوفق الإخوان بهذا الشأن حيث الرقم من شأنه أن يعطي مصداقية لتحديهم بقدرتهم على حشد أعداد تسرعوا بإعلانها. لكن الشمس لا تغطى بغربال فالغربال يسمح لنا بالمشاهدة من خلاله أما من لا يمكنه المشاهدة من خلاله فهو مصاب بالعمى وبالتالي لا يعقل أن الدولة والشعب كلهم مصابون بالعمى.


بنهاية الأمر، انتهت محاولة "الإنقاذ" الإخوانية دون دماء وتصادم مع رجال الأمن المرابطين ليل نهار الذين شاهدناهم يقوموا بتوجيه مجموعة من الشباب المضاد لأماكن بعيدة عن التماس مع الإخوان ودرءا لأي احتكاك لا تحمد عقباه. وذلك لا يجعل مجالا لكيل التهم الجاهزة لرجال الأمن بدسهم للبلطجية.

ولم نلاحظ وجود أسلحة وهراوات وعصي مع رجال الأمن وذلك ليعطي الأريحية والطمأنينة للإخوان. كما أن هذا الإخراج بمثابة رسالة تحمل معاني الثقة بالنفس والقدرة على التصرف والرجولة التي تتجلى في الشدائد وانفلات القدرة على السيطرة على النفس نتيجة الإستفزاز ومحاولة النيل من هيبة الرجال. وضبط النفس من الحكمة التي تدرأ شرا وليس ضعفا يجلب هما.


فالإدارة الأمنية لـ " الإنقاذ " كانت جديره بأن يحذو حذوها الكثير من الدول بل وتدرس بالمعاهد الشرطيه . لقد شاهدنا الكثير من رجال الأمن في الكثير من الدول الديموقراطية وهم يستخدمون الهراوات والعنف ضد المحتجين . فما قام به رجال الأمن من حسن ادارة وسعة صدر وتفاني بعملهم كعادتهم ، يستحق منا الثناء عليهم وعلى قياداتهم التي لا شك لها الدور المهم بتوجيههم وتدريبهم على التصرف الراقي والحضاري وعدم التسرع بردة الفعل .


ومن متابعاتي لهذا الحدث غير المسبوق شاهدت قناة " اليرموك " الفضائية وهي تستضيف اللواء المتقاعد محمود الحديد و د . موسى برهومة،ومما جاء على لسان برهومة أن الإخوان يحملون " مشروعا تنويريا " يجب إحترامه ،وللأخ برهومه نوجه السؤال التالي: هل المشروع التنويري يتم تنفيذه بالشارع بالصراخ والعويل والتنديد والتحدي للسلطة والناس ؟؟ أم أن التنوير يمكن تحقيقه بالهدوء وطول النفس والحوار والإقناع وإثبات الجدوى من وراء الفكر التنويري حتى يقتنع الناس بغالبيتهم ومن ثم يتم نجاح المشروع التنويري تلقائيا ؟؟ فالتنوير سمي تنويرا لأنه بمثابة شمعة عند إشعالها أول ما يتأثر بها القريبون منها وتدريجيا يقع أثر الضوء على البعيد ثم الأبعد .

كما قال د. برهومة " بوجوب وجود ندية بعد الأن " وحديثه كان عن " النظام هو الذي وضع نفسه بمأزق " فما المقصود بالندية يا د. برهومة ؟؟ هل هي الندية بالحكم ؟؟ بمعنى الأحقية للإخوان بالحكم ؟؟ أم هي الندية بـ " القداسة" ؟؟ جلالة الملك نفسه يتقبل النقد البناء الذي من شأنه الصالح العام أما النقد المصلحي والشخصي والتجريح والقدح فمرفوض تماما . وبالتالي كلنا نخضع للنقد ونتقبله إذا كان دافعه الغيرة على الوطن ومصالحه.

أما عدم تقبل النقد فيأتي نتيجة إقناع النفس بالقداسة التي يُمنع الإقتراب منها وذلك ترجمة للغرور والصلف والتحجر وعدم معرفة قدرالنفس، حيث من هذا الفهم يأتي التخبط والشعورالوهمي بالقوة والإقتناع بتوفرالقدرة على الوصول للمبتغى .


لا أود الظهور بالمدافع عن الملك حيث ليس هذا هو المقام ولا بالمتهم للإخوان بل أود الوصول لحقيقة مفادها أن لا نقول ما لا نفعل ولا نتفوه بكلام يفتقرللبرهان ولا نصدر أحكاما جزافية لا تستند على أرضية صلبة ،وحقيقة، نتفق مع الإخوان بمطالبهم المتعلقة بمحاربة الفساد والشروع بالإصلاح الملموس والعيش الكريم لكن لا نتفق معهم بإتخاذ هذا المطالب سلما وغطاءا للعب باستقرار الأردن والإنتقاص من هيبة الدولة والمساس بأمنها .

وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن . والله من وراء القصد .
ababneh1958@yahoo.com