انقاذ وطن !


بالعودة إلى معجم أكسفورد للمصطلحات وتحت عنوان كلمة – الإصلاح ــ سيجد الباحث التعريف التالي : تعديل أو تبديل نحو الأفضل في حالة الأشياء ذات النقائص ، وخاصة في المؤسسات والممارسات السياسية الفاسدة أو الجائرة ، وإزالة بعض التعسف والخطأ،أما الدكتور على الوردي فيقول في كتابه " مهزلة العقل البشري "

إن المثل العليا التي تدعو إليها أحزاب المعارضة لا يمكن تحقيقها على هذه الأرض ، فائدتها أنها تستخدم سلاحا ضد من تسول له نفسه العبث بمصالح الأمة ، فليس من المعقول أن يأتي يوم على هذه الأرض يستطيع الناس فيه أن يحققوا تلك المثل تحقيقاً تاماً ، والناس كلما صعدوا بواقعهم قليلا ، صعدت " المثل " معهم لكي تحفزهم إلى صعود آخر .


و بدورنا نقول ، أن البحث عن العدل المطلق ليس سوى عملية عبثية ومستحيلة ، فهذا العدل المطلق غير متوفر إلا في السماء ، ونعتقد أن جميع مفاهيم ومعاني الديمقراطية الحديثة جداً تلتقي حول هذه البديهه ولا تتعارض معها أبدا ، أهمية هذا الحديث في الحقيقة ترتبط مع كل ما يقال و يكتب في هذه الأيام همساً وصراخاً عن مسيرة " إنقاذ وطن " التي ستنطلق بعد صلاة الجمعة القادمة من ساحة المسجد الحسيني الكبير في وسط العاصمة عمان .

إنقاذ وطن ، يعني أن جميع الذين التقوا حول هذا الشعار باتوا على قناعة راسخة بأن الوطن في خطر وبغض النظر عن الأسباب وعناوين المخاطر ، وبالتالي ، فلا بد من اللجوء إلى أفعال ، الهدف منها هو العمل على تحقيق هذا الإنقاذ الذي سوف يساعد في اخراج الوطن من دائرة هذا الخطر، وقد اهتدوا خدمة لذلك إلى فكرة المسيرة التى ستخرج في يوم الجمعة القادمة كوسيلة أو شكل من الأشكال العديدة والمختلفة للتعبير و الإحتجاج والتي يقدم عليها الناس في أغلب المجتمعات ومعهم قواهم ومؤسساتهم وشخصياتهم المؤيدة لذلك .

على الضفة الأخرى لنهر الحياة الأردنية ، هناك من يرى أن الوطن بخير ولا يحتاج لهذا الإنقاذ ، و اخر المعلومات المتوفرة تشير إلى أن اصحاب هذا الرأى سيخرجون في مسيرة خاصة بهم للتعبيرعن ذلك ، الخلاف و التناقض و التباين بين المعسكرين وبين الرؤى والمفاهيم التي يؤمن بها ويتبناها كل طرف من الطرفين يفترض أن لا يفسد لحب الوطن قضية عند كلاهما ، و بالتالي ، فإن نجاح أو فشل المعسكرين يستند بالدرجة الأساسية إلى ضرورة التنبه لأهمية التمسك بالوسائل والسبل السلمية للتعبير التي لا يشوبها أي عنف ، لأن في التقيد بالتقارع السلمي تبرز مسألة التحضر والرقي والتطور ، و بعكس ذلك فلن نجد سوى الهمجية والتخلف و البلطجة في حال ما وقع أحدهما في مصيدة هذه الأوبئة و الأمراض لا سمح الله ، و التى قد يشجعها طرف ثالث ، لا يعترف أساساً بوجود الوطن ، و لا يؤمن بالإنتماء اليه وهم قلة قليلة و معروفة جداً.

الحراك الشعبي الأردني سيدخل قريبا في عامه الثاني ، ما هو الذي تحقق من إنجازات مادية ملموسة على أرض الواقع حتى الآن ؟ هذا سؤال مهم ويجب التوقف أمامه بالمراجعة والتقييم وتحديد طبيعة وماهية الخطوات القادمة ، هذا إذا ما ظل العقل والتعقل طاغياً ومسيطراً على مسرح الأحداث ، وهنا تبرز أهيمة الإنتماء الصادق من عدمه للوطن ولكل معانيه السامية و النبيلة ، وبعكس ذلك ، فلا مجال إلا للعبث وتغليب المصالح الصغيرة والفئوية والجهوية التي لا يزال لها أتباعها وأنصارها ممن يلهثون وراءها ، وفي حال إنقياد المجاميع وراء ذلك لا سمح الله ، فمن المؤكد أن الوطن سوف يرسب ويسقط في مستنقعات سيكون الخروج منها مكلفاً وباهضاً ، والأمثلة التي ضربها الربيع العربي حتى الآن كثيرة ومتعددة أمام كل من يبحث عن الدروس و العبر .

في النموذج الأردني ، نختم بالقول أن الإصلاح ، والديمقراطية ، والوصول الفعلي إلى دولة المواطنة المحمية بالنظام والقانون والحريات لا يزال بحاجة إلى مزيد من العطاء والفعل ، وكل من يعمل عبر المؤسسات أو الأفراد على تعطيل وإعاقة هذا الوصول عليه أن يعلم بأنه ومن خلال مرور الوقت إنما يزداد في الإنكشاف والتعرية ، ولا بد من أن يأتي اليوم الذي سيجد فيه نفسه محاصراً في أضيق الزوايا .

الوصول إلى تحقيق أوسع قدر ممكن من العدل والحق في نهاية المطاف وبالمفهوم النسبي الإجتماعي والإنساني قد تحول إلى قرار شعبي لا رجعة عنه ، و شعار إنقاذ الوطن سيظل أعمق بكثير من مسيرة موالية أو معارضة ، و لن يتحقق إلا بمقدار توفير البرنامج الوطني المشترك والأداة الجماعية ، والحماية الضرورية واللازمة لما سيتحقق من إنجازات و البناء عليها على جميع المستويات والصعد السياسية والوطنية العامة ، عندها تستطيع الأغلبية و بغض النظر عن المواقع أو التقوقع أن تعتز بإنقاذ الوطن الذي سيفرض على أبناءه العمل و العطاء لبناء المستقبل الواعد و الأفضل ، و ليحمي الله الوطن من الفتن ما ظهر منها أو ما بطن .