التصعيد واليوم الموعود


تسابق محموم وترقب واستعداد وتجهيز وتنسيق وتهديد ووعيد, كلمات أصبحت القاسم المشترك عند ذكر الإخوان ومن طالهم التأثر أو الوقوع تحت ضغط من قبل الإخوان. ولا نتهمهم بما ليس بهم عند القول أنهم يجيشون ويحشدون أنصارهم استعدادا ليومهم الموعود ومعاركه المفتعلة والمتوقعة بأسلوب يوحي وكأننا بصدد نفيرعام أو هبة جهادية نحو تحرير القدس من براثن الصهاينة.

وما دليل وجود النفير والجهاد إلا صدور فتوى تطلب من المرضى بطريقة تقترب من الأمر ليشاركوا باليوم الموعود.
"إنقاذ الأردن"،"الزحف المقدس" وما شابههما من الشعارات التي تدغدغ العواطف وتهيج المشاعر وتوتر الأعصاب وتؤلب النفوس والقلوب هي شعارات تستهدف وتستقطب قواعد وعناصر لم تشارك بحراك العشائر الذي مؤداه المطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد وصناعه انطلاقا من حرصهم على الوطن وأهله.

لكن ما يصدر من تصريحات واجتماعات وكولسات يفهم منها انقلابا على أمن الوطن لخلط الأوراق وخلق أرضية خصبة لخلق جو من الفوضى والتصادم مللنا من التنبيه له والتحذير منه بمقالات عديدة،نهج جديد طابعه التحدي ومحاولة التغول بأسلوب زيادة المطالب التي تتماثل بالمضمون وتختلف بالشكل لزيادة الضغط على الدولة والنظام بقصد الرضوخ للمطالب أو لتضيق الدولة ذرعا بهم مما يدفعها أن تصدهم وتحجمهم لتشتعل حربا،لا قدر الله،ويوضع الأردن أمام مسئولية محاربة الحركات الإسلامية التي " تطالب بشرع الله " وحقوق الإنسان وكبت الحريات والقمع والعنف،ذلك يتحقق عن طريق الأمن غير الناعم وهم بالحال هذا طلابه.

بالمقابل هناك "جبهة" مضادة ترصد الأحداث والأستعدادات والإصرار على حشد عشرات الآلاف من المسيسين المجهزين لمثل اليوم الموعود. وبتلك التركيبة أصبحنا أمام فريقي ممانعة وموالاة،حالة تقترب من الصورة اللبنانية. سيهتف الطرفان بما يحلو لهما من شعارات يمكن أن تستفز وتستثير ما بداخل كل فريق.

هل من ضامن لعدم حصول تشابك وتصادم واعتداء؟؟ وكلامي ينطبق على الفريقين. ربما هذا الطرح سابق لأوانه لكنه محتمل جدا،كلنا نظاما وشعبا نؤمن ونقر بحاجتنا الملحة للإصلاح الذي مازال رضيعا وننتظره حتى يحبو ثم ننتظره حتى يشتد عوده ليقف على رجليه. دستورنا أعطانا الحق بطلب الحق واسترداده وكفل لنا الحرية المسئولة مثلما كفل لنا مصدرية السلطات التي لا بد تمر ببروتوكولات ومراحل حتى تنضج وتصبح مؤهلة للتطبيق والممارسة.


وإصلاحنا،السلحفائي الحركة لا يختلف عليه اثنان ومن يرى غير ذلك فهو ماضِ بالإتجاه الممنوع،لسنا ضد الحراك السلمي والعقلاني الذي يقدم مطالب شرعية من استرداد للحقوق المالية العائدة لرفاه الأردنيين ومحاسبة الفاسدين بفتح كافة ملفات الفساد التي أغلقت والتي لم تفتح بعد والتي بدون فتحها لن يهدأ الأردن ولن يعود البلد لصفوه الذي عهدناه لعقود. نختلف مع الحركة الإسلامية بالمطالب التعجيزية والنهج الإستقوائي مثلما نختلف مع الدولة بانتظارها لتقع الفأس بالرأس.


ما يريده الشارع البسيط والحراكيون الغيارى هو العيش الكريم الذي طال انتظاره وافتقاده. وقد طالبت وحثثت كثيرا على الإسراع بالإصلاح أملا بوجود حرص على التهدئة ونية صادقة باسترداد الأموال التي ذهبت بها الأيادي الدخيلة. وحذرنا من ركوب موجة الحراك والعمل على منعه من التمدد والتفاقم لمستوى يصعب عنده السيطرة عليه،فقد كان يمكن إجهاض كل ذلك الصداع لو لمس المواطن أن اعتباريته كمواطن وقيمته كإنسان وحقوقه كأردني غيور لم تمس وتخدش.


وللإنصاف لا بد من أن نذْكُر محاولات الدولة العديدة الرسمية منها وغير الرسمية للوصول مع الحركة الإسلامية لحلول وسط والإلتقاء بمنتصف الطريق حيث لا ضرر ولا ضرار،تم محاولة استمزاج رأي الحركة من قبل المخابرات ورسميين آخرين إيمانا من الحركة بعدم سد أبواب التحاور،محاولات تحسب للحركة وللدولة،بالإضافة لمحاولات شخصيات محسوبة على الدولة كفيصل الفايز الذي أفاد بعرضه ثلاثة أصوات ولم يكتب له النجاح والعموش والعناني اللذان عادا بخفي حنين. وللحقيقة،لا أبرئ الدولة من دفع هؤلاء للتحرك باتجاه الحركة.


جهود بذلت بنية التوصل لحل يرضي الطرفين ولم تفلح بالوصول للحد الأدنى المقبول. جميع المتصلين بالحركة أفادوا بطريقة ما عدم قبول الحركة بالعروض المقدمة لهم. بالمقابل لم يصدر بيان واضح من الحركة يعطي تبريرا لتعثر التوصل لحلول, لكن ما نسمعه عموميات وعدم قبول وإصرار على نفس الموقف القابل للتصعيد والحشد،وواقع حال الحركة يقول أن ما تم عرضه لا يسمن ولا يغني من جوع.


بمقاطعتها للإنتخابات وعدم قبولها بما تم عرضه،تكون الجماعة تطالب بما لا مجال لتحقيقه بالوقت الراهن وبالظروف الحالية على أقل اعتبار،وأخذا بالتعديلات الدستورية التي بعضها بحاجة لمراجعة وأخذا بأحقية مراجعة بنود دستورية أخرى(بإمكان البرلمان القادم مراجعتها) وأخذا بالمطلب القائل بمُلكية الملك وسحب الحاكمية وجعله ديكورا لا ركيزة وتشكيل حكومة برلمانية،أخذا بما سبق،يتضح لنا دون أدنى شك أن الجماعة تسعى للتفرد بالحكم وليس المشاركة به. فرصة المشاركة متاحة ولكن يبدو أنها لا تحقق الطموح فأعرضت عنها الجماعة.


نادى الملك عبدالله مرارا بالمشاركة بالإنتخابات التي من خلالها يمكن للجماعة أن تتسيد البرلمان وعن طريق حزبها أو عن طريق التكتلات الحزبية التي يمكن أن تتشكل وبالتالي يمكن تشكيل الحكومة البرلمانية موضع الخلاف،ما نلمسه من الحركة هو الموقف غير القابل للمراجعة وسمة الخطاب المتعنت لدرجة التخشب وهي سمة من السهل كسرها لقساوتها.

مطلب كهذا ينسجم في غالبه مع مباركة أمريكا لصعود وحكم إخوان مصر الذي يضعهم على طريق الهاوية بنهاية الأمر. لقد سكتت أمريكا وسمحت وباركت ودعمت إخوان مصر وتركتهم يرتفعوا للقمة ليسهل دفعهم للأسفل. لقد دعمت حسني حتى استنفذ ما لديه فتخلت عنه وهو كان أفضل خادم لها،لو قرأنا تحليليا شعار الرئيس الأمريكي أوباما خلال حملته الإنتخابية الذي عنوانه Change (التغيير) لأدركنا أن الحركات الإسلامية كان لها نصيب بفحوى الشعار مثلما للكثير من الأنظمة العربية نصيب أيضا. فنصيب الحركة كان الصعود والأنظمة نصيبها الركود.


فكما ساعدت الحركات الإسلامية على الصعود وجعلتهم سببا لتغيير الأنظمة والحكام ستخلق للإخوان أسبابا لتغييرهم وهكذا دواليك. لا نحتاج لذكاء شديد حتى ندرك أن أمريكا تعمل لصالح اسرائيل قبل صالحها والأسباب كل الدنيا تعرفها وهي الهيمنة الصهيونية على القرار الأمريكي. وما عدا اسرائيل من الدول فهي بمنظور أمريكا أدوات تستخدمها كيفما شاءت وأينما وجدت لها منفعة.
فالعقل العقل أيها الإخوان ....لا تأخذنكم العزة بالأثم ولا تجعلوا التاريخ يكتب عنكم أنكم يوما جنيتم على الأردن وعلى أنفسكم ولكم أسوة بما جنت به على نفسها براقش،إن كان همكم الوطن فكلنا نشارككم الهم نفسه،أما أن يتخذ هم الوطن مطية نمتطيها لإيصال الوطن لحتفه فهذا ما لا يقبل به أحرار وغيارى الأردن وإن توسمتم بالبعض نصرة لكم, فبمقياسنا لا يملكون نصرة للأردن.


و"الزحف المقدس" عنوان مناسب جدا لحملة جهادية تتوجه نحو مستحقيها الصهاينة المحتلون للمقدسات والأرض. تسمية لا تليق بكم ولا تليق بالأردن الذي تساعدون بدفعه نحو الفوضى الهدامة،أين أنتم من دعواتكم بالحرص على "وطنكم" وأمنه ؟؟ أين أنتم من قول جلالة الملك بأنكم "جزء من النظام"؟؟.

أين أنتم من الوسطية والإعتدال اللذان يميزان إسلامنا (مع احترامنا لباقي الديانات)؟؟ وأناشد العقلاء والحكماء وأصحاب القرار لديكم بأن تتقوا الله في الأردن الذي تزداد همومه وأعباءه يوما فيوما،كونوا معه لا عليه مترفعين عن الصغائر والفزعات وابتعدوا عن المجهزين للإثارة وابتعدوا عن الضرب على وتر يريحهم الضرب عليه.

وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com