معاناة طفلين مصريين مع مرض نادر
منذ أكثر من 10 أعوام، والطفلان أحمد ويوسف كلما خرجا إلى الشارع يظن الناظرون إلى وجهيهما أنهما يرتديان أقنعة للهو واللعب مع أقرانهما، لكن الحقيقة أنه قناع المرض الذي تجسد على وجهي هذين البريئين فغيّرهما تماما.
لم يتسبب الأمر في معاناة الطفلين جسديا فقط، بل أذاقهما ويلات التنمر، حتى أنهما قضيا عمرهما -منذ تعلما المشي- فيما يشبه حبسا وعزلة داخل منزلهما الواقع في إحدى قرى الريف بمركز اجا محافظة الدقهلية شمال القاهرة، حسبما أكد والدهما محمد عبد العظيم بدوي لموقع "سكاي نيوز عربية".
عاني الأب والأم وهما يحملان طفليهما ذهابا وإيابا لزيارة الأطباء بين الدقهلية والقاهرة، لسنوات لم يسمعا فيها إلا جملة "مرض نادر وعلاجه شديد التكلفة"، دون مزيد من التفاصيل، وفقا لوالد الطفلين.
ويروي الأب أن "أحمد ويوسف" بدت عليهما أعراض المرض المجهول وهما في الثالثة من عمريهما، وكانت الأعراض عبارة عن تورم جانبي الفك، مع انحراف في نظرة العينين لتنظران للأعلى دائما، كما أن الأسنان غير متناسقة وتبرز من الفم بشدة.
الرجل الأربعيني، يعمل في ورشة زجاج، ورُزق بثلاثة أطفال هم أحمد (14 عاما بالصف الثاني الإعدادي)، ويوسف (12 عاما بالصف السادس الابتدائي)، وسيف (9 أعوام بالصف الثالث الابتدائي).
"لم يعش طفلاي بشكل طبيعي إلا عامين فقط من عمر كل منهما"، هكذا قال عبد العظيم وهو يرتجف بكاءً على حال طفليه الذين بدت عليهما كذلك أعراض تشوهات بالوجه.
وأكد الأب أنه "فعل كل شيء" لمعرفة تشخيص حالة طفليه، وأنفق كل ما يملك من مال، حتى أنه استدان لإجراء كل ما يطلبه الأطباء من أشعة وتحاليل.
وشخّص أحد أطباء مستشفي جامعة المنصورة الحالة، مؤكدا له بشكل مبدئي، أن ما يعانيان منه أقرب في تشخيصه لمرض "شيروبيزم".
وقال الأب: "لا أعرف ما هو هذا المرض ولم أسمع به من قبل"، ولم يصب به أي من أفراد عائلته أو عائلة زوجته، وكل ما يعرفه من الطبيب الذي شخص الحالة وطلب منه مزيدا من الفحوصات، أنه مرض نادر وليس له علاج ثابت أو محدد.
ووفقا للدوريات العلمية، فإن مرض شيروبيزم Cherubism أو ما يعرف بورم زوايا الفك أَو مرض "الملائكية"، هو عبارة عن مرض وراثي نادر يسبب بروز النصف السفلي من الوجه. وقد تم توثيق المرض عام 1933 بفضل طبيب كندي شخصه لدى 3 أشقاء من عائلة روسية.
والمظهر العام للأشخاص المصابين بالمرض يكون بسبب فقدان عظام الفك السفلي، ونتيجة لذلك يقوم الجسم بتعويض هذا النقص بنسيج ليفي.
وفي معظم الحالات، تتراجع الحالة مع نمو الطفل، لكن في حالات نادرة تزداد سوءا ويتشوه وجه المريض، كما أنه يتسبب بفقدان الأسنان اللبنية وعدم بزوغ الأسنان الدائمة.
وأثبتت الدراسات أن المرض قد يصيب من ليس لديهم تاريخ مرضي به في عائلاتهم، لأنه يحدث بسبب طفرة عشوائية بالجين، وعلاجه يختلف من شخص لآخر وفقا لمدى حدته، ففي الحالات الحادة يحتاج عمليات جراحية حساسة ودقيقة.
وقد تسبب هذا المرض في معاناة كبيرة لدى الطفلين أحمد ويوسف، خاصة وأن تناول الطعام بالنسبة لهما أصبح مشكلة بسبب صعوبة المضغ، ولذلك يتم تحضير طعامهما بشكل خاص، فضلا عن أنهما لا يستطيعان الكلام بشكل طبيعي، بحسب والدهما.
وأوضح عبد العظيم أن طفليه خضعا لعمليات جراحية لاستئصال تلك الأورام الحميدة من أجل تحسين حركة الفكين، لكن دون جدوى، إذ ازداد الوضع سوءا.
ورغم أن الطفلين يعانيان بالفعل كثيرا بسبب مرضهما، فإنهما لم يسلما من التنمر من الجيران وزملاء المدرسة وكل من يتعامل معهما، مما يزيد الوضع مأساوية.
لكن أسوأ حادثة تنمر تركت أثرا سيئا في نفس الأب، بحسب تأكيده، حينما كان عائدا من المستشفى بطفليه فإذا بامرأة أمسكت بوجه أحدهما قائلة: "اخلع يا ابني الماسك (القناع) اللي بترعب بيه الناس"!!.
وأشار عبد العظيم إلى أن سيف، أصغر الأطفال، لم يصبه المرض لكنه يعيش نفس معاناة شقيقيه.
وقال سيف وهو حزين: "أحب أحمد ويوسف.. ولما بخرج معاهم الناس والأطفال بيجروا مننا ويحدفونا بالطوب ويقولوا العفاريت أهم.. مبقتش أخرج وقاعدين كلنا في البيت مع بعض".
لكن بارقة أمل ظهرت مؤخرا أمام العائلة، إذ تلقى الأب اتصالا هاتفيا من وكيل وزارة الصحة بمحافظة الدقهلية، أخبره باستعداد الوزارة لعرض طفليه علي أطباء متخصصين للمساعدة في تشخيص المرض بشكل صحيح، ومحاولة توفير وسيلة العلاج الملائمة.
"يارب فعلا الوزارة تساعدني أو طبيب متخصص ينقذ أولادي من هذا الوضع القاسي".. هكذا اختتم والد أحمد ويوسف حديثه عن معاناة طفليه.