مخاوف من أزمة سكنية حادة في بيروت .. هذا هو وضع آلاف الأسر بعد أسبوعين من انفجار المرفأ
في حي "بشارة رزق” المطل من علو على مرفأ بيروت المدمر يقف بلال حسن (45 عاما) على رصيف منزله ومحله المدمرين، تارة يتوه حول نفسه ذهابا وإيابا، وطورا يشتكي لرفاقه.
"منذ 25 عاما عملت وتزوجت وأثثت منزلي وصرت أبا لـ3 أولاد، ثم خسرت كل شيء في لحظة واحدة عشية 4 أغسطس/آب”، هكذا بدأ بلال حديثه للجزيرة نت، ثم يتنهد متابعا "لكنني ربحت زوجتي وأولادي الذين نجوا بمعجزة إلهية من وسط الدمار بإصابات بليغة”.
بلال هو واحد من مئات أرباب العائلات في بيروت الذين لم تندمل جراحهم بعد من نكبة الانفجار، ليجدوا أنفسهم مشردين خارج منازلهم بعد أن صارت غير صالحة للعيش.
منذ أن تزوج بلال استأجر منزله في الطابق الثالث الذي صار مهددا بالسقوط، كما استأجر المحل الأرضي في المبنى ليكون "دكان” الحي، يسترجع تلك اللحظات العصيبة التي تركت آلاما نفسية تفوق آلام عائلته الجسدية، على حد وصفه.
يقول بلال للجزيرة نت "سمعت أصوات انفجارات تأتي من المرفأ، تركت محلي باتجاه الشجرة العملاقة لألتقط صور الدخان المتصاعد، ثم دوى الانفجار الأخير، هربت فوجدت محلي والمبنى مدمرين، هرعت إلى المنزل لإنقاذ أفراد عائلتي وقد لطخت دماؤهم الأرض والأثاث المحطم”.
بلال -الذي استطاع إنقاذ عائلته، بعد أن وجد جارته توفيت إثر سقوط سقف على رأسها- خسر منزله ومورد رزقه وحتى سيارته التي كانت مركونة قرب المحل.
ويقول "لم يلتفت أحد لنا، استأجرت مؤقتا منزلا مفروشا لعائلتي خارج بيروت، إلى أن أجد حلا لمصيبتي لأنني عاجز عن تغطية تكلفة السكن الجديد”.
عائلات مشردة
مع اقتراب فصل الشتاء تشتد أزمة السكن في بيروت التي شُرّعت فيها المنازل للدمار، فيما لم تبادر بعد الجهات المسؤولة لتقديم حلول سريعة وجدية لآلاف العائلات المهددة بالتشرد.
هذا الواقع الذي فرضه انفجار المرفأ يأتي بموازاة أسوأ أزمة اقتصادية يعيشها اللبنانيون في تاريخهم الحديث، وقد انهارت عملتهم الوطنية لمستويات متدنية جدا، واتسعت رقعة الفقر كما ارتفعت مستويات البطالة، مقابل الارتفاع الباهظ في أسعار المواد الغذائية والأولية، وكذلك مواد البناء اللازمة لترميم المنازل.
على بعد مئات الأمتار من بلال تمشي المسنة إيفون حداد (75 عاما)، تتأمل بحسرة بيوت بيروت المدمرة، وتتجه لتتفقد بيت شقيقها الذي لحق به الدمار كما أصاب منزلها في منطقة الجعيتاوي.
قالت إيفون للجزيرة نت "على مدار أكثر من 7 عقود عشت فيها حروب لبنان كانت جميعها أهون من هذه الكارثة التي حلت بنا، وخسائرنا كبيرة في الأرواح والممتلكات التي لا نقوى على تعويضها، فيما أموالنا تحتجزها المصارف”.
وأضافت أنها طلبت من بعض المتطوعين أن يضعوا لها شوادر من النايلون في منزلها، لأنها لا تستطيع تأمين تكلفة زجاج الشرفات المدمرة قبل حلول فصل الشتاء.
وعند أحد أرصفة "مار مخايل” يجلس ماهر ضاهر (35 عاما)، وكان يعمل في أحد النوادي في بيروت، لكنه خسر عمله بعد تفشي فيروس كورونا والشلل الاقتصادي في البلاد.
يقول ضاهر للجزيرة نت "كنت أظن أنني أعيش في مأساة إلى أن جاء انفجار المرفأ ضربة قاضية دمرت منزلي بالكامل، ولا أستطيع أن أستأجر بدلا منه بعد أن خسرت كامل أثاثه، وأعيش مؤقتا عند أقربائي في الغبيري”، ويسأل مستنكرا "ما آخر هذا الذل الذي نعيشه مع أولادنا؟”.
دمار كلي وجزئي
وفي السياق، يقول رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني للجزيرة نت إن هناك ما بين 80 ألفا و100 ألف عائلة في بيروت تضررت منازلها أو دمرت بالكامل، مقابل دمار لحق بأكثر من 5 آلاف مبنى سكني.
وذكر عيتاني أن قيادة الجيش اللبناني تسعى بالتعاون مع البلدية والهيئة العليا للإغاثة إلى تقديم عدد من المساكن المجانية مؤقتا للعائلات المنكوبة خارج بيروت، مؤكدا أنهم تمكنوا من مساعدة نحو ألف عائلة، لكن المشكلة أن أكثر من 90% من الأهالي يرفضون السكن خارج العاصمة، ويلجؤون لمنازل أقاربهم التي لم تتضرر.
وأشار إلى أن بعض العائلات بدأت بإخطار الهيئة العليا للإغاثة عن الأضرار التي لحقت بها، و”البلدية تبذل جهدها لتصليح واجهات المنازل لحمايتها من الشتاء، لكننا نسعى مع ديوان المحاسبة لإيجاد الصيغة القانونية التي تسمح لنا بالتصليح في الداخل، لأننا لا نستطيع التصرف بأموال البلدية من دون موافقة وزارة الداخلية وديوان المحاسبة، إلى حين إيجاد حل قريب مع شركات التأمين التي لم تبادر بعد للمساهمة في تغطية التصليحات للعائلات التي تشمل بوليصتها الدمار الناتج عن الكوارث”.
دعاوى قانونية
عند حرم إحدى كنائس شارع الجميزة نصبت نقابة المحامين في بيروت خيمة لها يجلس فيها عدد من المحامين لتلقي شكاوى العائلات المنكوبة.
ويقول المحامي روولف طنوس للجزيرة نت إن النقابة فتحت المجال لكل العائلات التي تضررت منازلها بشكل جزئي أو كلي حتى ترفع دعاوى مجانا عبر النقابة للمطالبة بالتعويضات المستحقة لها.
ووفق طنوس، يأخذ المحامون من المتضررين سند الملكية أو الإيجار مع صورة عن هوية صاحب المنزل، وصورة خارجية للمبنى وأخرى تظهر الأضرار في الداخل، لملء طلب وتحويله إلى غرفة عمليات النقابة بهدف رفع دعاوى أمام المجلس العدلي للمطالبة بتعويضات.
وأضاف "حتى الآن استطعنا تقديم نحو 250 دعوى تُضَم لذوي الوفيات والمستأجرين ومالكي المنازل، وهي ليست دعاوى ضد مجهول -ولا سيما أن هناك 25 موقوفا في قضية المرفأ- وقد نتجه لرفعها ضدهم وضد كل من يثبت تورطه في الانفجار”.
من جهتها، تشير المستشارة القانونية الأهلية للمستأجرين القدامى المحامية مايا جعارة إلى أن معظم البيوت المدمرة في أحياء الرمال والمدور والصيفي والجميزة ومار مخايل هي لمستأجرين قدامى، و”هم الحلقة الأضعف ويواجهون مصيرا صعبا بعد الانفجار، ولا سيما أن معظمهم من كبار السن، وقد يجدون أنفسهم فعليا مشردين في الشوارع”.
وأضافت جعارة للجزيرة نت أن "هناك عددا من المالكين يحاولون التضييق على المستأجرين للاستفادة من الأزمة، فيما يجب الإسراع في إجراء التعديلات للقوانين المتعلقة بهم، مع الأخذ بالاعتبار الضرر الكبير الذي أصاب هؤلاء المستأجرين حتى لا يخضعوا لابتزازات أصحاب عقود الاستثمار الجديدة التي تبلغ قيمتها أرقاما خيالية تتجاوز قدرة المواطنين وقيمة الحد الأدنى للأجور”.
"منذ 25 عاما عملت وتزوجت وأثثت منزلي وصرت أبا لـ3 أولاد، ثم خسرت كل شيء في لحظة واحدة عشية 4 أغسطس/آب”، هكذا بدأ بلال حديثه للجزيرة نت، ثم يتنهد متابعا "لكنني ربحت زوجتي وأولادي الذين نجوا بمعجزة إلهية من وسط الدمار بإصابات بليغة”.
بلال هو واحد من مئات أرباب العائلات في بيروت الذين لم تندمل جراحهم بعد من نكبة الانفجار، ليجدوا أنفسهم مشردين خارج منازلهم بعد أن صارت غير صالحة للعيش.
منذ أن تزوج بلال استأجر منزله في الطابق الثالث الذي صار مهددا بالسقوط، كما استأجر المحل الأرضي في المبنى ليكون "دكان” الحي، يسترجع تلك اللحظات العصيبة التي تركت آلاما نفسية تفوق آلام عائلته الجسدية، على حد وصفه.
يقول بلال للجزيرة نت "سمعت أصوات انفجارات تأتي من المرفأ، تركت محلي باتجاه الشجرة العملاقة لألتقط صور الدخان المتصاعد، ثم دوى الانفجار الأخير، هربت فوجدت محلي والمبنى مدمرين، هرعت إلى المنزل لإنقاذ أفراد عائلتي وقد لطخت دماؤهم الأرض والأثاث المحطم”.
بلال -الذي استطاع إنقاذ عائلته، بعد أن وجد جارته توفيت إثر سقوط سقف على رأسها- خسر منزله ومورد رزقه وحتى سيارته التي كانت مركونة قرب المحل.
ويقول "لم يلتفت أحد لنا، استأجرت مؤقتا منزلا مفروشا لعائلتي خارج بيروت، إلى أن أجد حلا لمصيبتي لأنني عاجز عن تغطية تكلفة السكن الجديد”.
عائلات مشردة
مع اقتراب فصل الشتاء تشتد أزمة السكن في بيروت التي شُرّعت فيها المنازل للدمار، فيما لم تبادر بعد الجهات المسؤولة لتقديم حلول سريعة وجدية لآلاف العائلات المهددة بالتشرد.
هذا الواقع الذي فرضه انفجار المرفأ يأتي بموازاة أسوأ أزمة اقتصادية يعيشها اللبنانيون في تاريخهم الحديث، وقد انهارت عملتهم الوطنية لمستويات متدنية جدا، واتسعت رقعة الفقر كما ارتفعت مستويات البطالة، مقابل الارتفاع الباهظ في أسعار المواد الغذائية والأولية، وكذلك مواد البناء اللازمة لترميم المنازل.
على بعد مئات الأمتار من بلال تمشي المسنة إيفون حداد (75 عاما)، تتأمل بحسرة بيوت بيروت المدمرة، وتتجه لتتفقد بيت شقيقها الذي لحق به الدمار كما أصاب منزلها في منطقة الجعيتاوي.
قالت إيفون للجزيرة نت "على مدار أكثر من 7 عقود عشت فيها حروب لبنان كانت جميعها أهون من هذه الكارثة التي حلت بنا، وخسائرنا كبيرة في الأرواح والممتلكات التي لا نقوى على تعويضها، فيما أموالنا تحتجزها المصارف”.
وأضافت أنها طلبت من بعض المتطوعين أن يضعوا لها شوادر من النايلون في منزلها، لأنها لا تستطيع تأمين تكلفة زجاج الشرفات المدمرة قبل حلول فصل الشتاء.
وعند أحد أرصفة "مار مخايل” يجلس ماهر ضاهر (35 عاما)، وكان يعمل في أحد النوادي في بيروت، لكنه خسر عمله بعد تفشي فيروس كورونا والشلل الاقتصادي في البلاد.
يقول ضاهر للجزيرة نت "كنت أظن أنني أعيش في مأساة إلى أن جاء انفجار المرفأ ضربة قاضية دمرت منزلي بالكامل، ولا أستطيع أن أستأجر بدلا منه بعد أن خسرت كامل أثاثه، وأعيش مؤقتا عند أقربائي في الغبيري”، ويسأل مستنكرا "ما آخر هذا الذل الذي نعيشه مع أولادنا؟”.
دمار كلي وجزئي
وفي السياق، يقول رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني للجزيرة نت إن هناك ما بين 80 ألفا و100 ألف عائلة في بيروت تضررت منازلها أو دمرت بالكامل، مقابل دمار لحق بأكثر من 5 آلاف مبنى سكني.
وذكر عيتاني أن قيادة الجيش اللبناني تسعى بالتعاون مع البلدية والهيئة العليا للإغاثة إلى تقديم عدد من المساكن المجانية مؤقتا للعائلات المنكوبة خارج بيروت، مؤكدا أنهم تمكنوا من مساعدة نحو ألف عائلة، لكن المشكلة أن أكثر من 90% من الأهالي يرفضون السكن خارج العاصمة، ويلجؤون لمنازل أقاربهم التي لم تتضرر.
وأشار إلى أن بعض العائلات بدأت بإخطار الهيئة العليا للإغاثة عن الأضرار التي لحقت بها، و”البلدية تبذل جهدها لتصليح واجهات المنازل لحمايتها من الشتاء، لكننا نسعى مع ديوان المحاسبة لإيجاد الصيغة القانونية التي تسمح لنا بالتصليح في الداخل، لأننا لا نستطيع التصرف بأموال البلدية من دون موافقة وزارة الداخلية وديوان المحاسبة، إلى حين إيجاد حل قريب مع شركات التأمين التي لم تبادر بعد للمساهمة في تغطية التصليحات للعائلات التي تشمل بوليصتها الدمار الناتج عن الكوارث”.
دعاوى قانونية
عند حرم إحدى كنائس شارع الجميزة نصبت نقابة المحامين في بيروت خيمة لها يجلس فيها عدد من المحامين لتلقي شكاوى العائلات المنكوبة.
ويقول المحامي روولف طنوس للجزيرة نت إن النقابة فتحت المجال لكل العائلات التي تضررت منازلها بشكل جزئي أو كلي حتى ترفع دعاوى مجانا عبر النقابة للمطالبة بالتعويضات المستحقة لها.
ووفق طنوس، يأخذ المحامون من المتضررين سند الملكية أو الإيجار مع صورة عن هوية صاحب المنزل، وصورة خارجية للمبنى وأخرى تظهر الأضرار في الداخل، لملء طلب وتحويله إلى غرفة عمليات النقابة بهدف رفع دعاوى أمام المجلس العدلي للمطالبة بتعويضات.
وأضاف "حتى الآن استطعنا تقديم نحو 250 دعوى تُضَم لذوي الوفيات والمستأجرين ومالكي المنازل، وهي ليست دعاوى ضد مجهول -ولا سيما أن هناك 25 موقوفا في قضية المرفأ- وقد نتجه لرفعها ضدهم وضد كل من يثبت تورطه في الانفجار”.
من جهتها، تشير المستشارة القانونية الأهلية للمستأجرين القدامى المحامية مايا جعارة إلى أن معظم البيوت المدمرة في أحياء الرمال والمدور والصيفي والجميزة ومار مخايل هي لمستأجرين قدامى، و”هم الحلقة الأضعف ويواجهون مصيرا صعبا بعد الانفجار، ولا سيما أن معظمهم من كبار السن، وقد يجدون أنفسهم فعليا مشردين في الشوارع”.
وأضافت جعارة للجزيرة نت أن "هناك عددا من المالكين يحاولون التضييق على المستأجرين للاستفادة من الأزمة، فيما يجب الإسراع في إجراء التعديلات للقوانين المتعلقة بهم، مع الأخذ بالاعتبار الضرر الكبير الذي أصاب هؤلاء المستأجرين حتى لا يخضعوا لابتزازات أصحاب عقود الاستثمار الجديدة التي تبلغ قيمتها أرقاما خيالية تتجاوز قدرة المواطنين وقيمة الحد الأدنى للأجور”.