الهيئة المستقلة.. والأدوار المطلوبة

عجيب أمر الرجل الذي " تورط " بإدارة هيئة قيل أنها مستقلة للإشراف على انتخابات عامه وسط رفض التعجل بإجراء الانتخابات من قبل الأوساط الحزبية والشعبية والإعلامية قبل التوصل لتفاهمات وطنية حول القانون ،وفي ظل أجواء " ُعرفية " تطل برأسها بين الفينة والأخرى تمثلت بحملات إعتقالات واسعة في مختلف المحافظات ، وإصدار مشاريع قوانين " عرفية " لتحديد سقف الحرية الإعلامية ولجمها ،وفي ظل حالة فقر وحرمان وأزمات تفتعلها الحكومات كلما بدت الحاجة .

فما كان لدبلوماسي ورجل دولة يحترمه الناس أن يقبل بمواصلة اللعبة حتى تغرق البلاد بأزمات أعظم مما تعيشه الآن ويتناقض والحديث عن إصلاحات جرت وتجري في البلاد ، ويبدو أنه لا يملك القدرة في التعبير عن رأيه فيما يجري من اعتقالات في أوساط الشباب والمعارضة ، وما يتعلق كذلك بمشروع قانون المطبوعات سيء الذكر والإخراج ، فكيف يمكن أن تتم العملية الانتخابية وسط تلك الأجواء المشحونة والاحتقان الشعبي الذي بدأ انه رافض كل الرفض المشاركة في الانتخابات.

ولم يعد يصدق أحد أن التحصيل اليومي للبطاقات يبلغ ال 50 ألف بطاقة على حد تصريح الرئيس ، فما هي المبررات والدوافع التي " حفزت " مواطننا الإسراع في تسلم بطاقاته حتى تكاد تصل المليون بطاقة !! يبدو أن الرجل الذي كانت الناس تنتظر تقديم استقالته بعد حادثة " سرقة " بطاقات الانتخابات اضعف من مواجهة وزارة الداخلية والأجهزة التي سيُرت الهيئة تبعا لطريقتها التقليدية في إدارة الانتخابات وإخراجها ، إذ لم يشعر المواطن بأية فروقات فنية أو إدارية او استقلالية حدثت في عهد هذه الهيئة .

فالناطق الإعلامي لا صوت ولا صورة له ، ويكتفى فقط بتصريح وزير الإعلام والاتصال ، وليس للهيئة ما يشير إلى مراقبتها مديريات الأحوال وضبط التجاوزات التي تجري في بعض مناطق يشار إلى ترشح بعض ازلام النظام فيها ، وكان يلاحظ توريط المؤسسات العسكرية بهذه الحملة أمام صمت الهيئة ورجلها الدبلوماسي ، فظهرت الهيئة أنها تمثل مؤسسة تنفيذية تتبع وزارة الداخلية مباشرة ولا علاقة لها بالاستقلالية أو النزاهة ، واكتفت بدور إداري بحت ، غابت عنه السياسة والإعلام والتوجيه .

من حق رئيس هيئة مستقلة أن يعبر عن رأيه تجاه كل تطور او حدث له تأثير سلبي على اتجاه الناس نحو المشاركة في الانتخابات ، إذ لم يصدر عن الرجل ما يشير إلى قبول أو رفض قانون المطبوعات الجديد الذي يساهم بإعادة عقارب الحرية الإعلامية إلى الوراء 20 عاما ونيف ، وما له من تأثيرات سلبية على العملية الانتخابية برمتها .

ومن حقه كذلك أن يعبر عن رفضه وبحزم شديد حملة الاعتقالات التي تجري وسط نشطاء الحراك التي ضاعفت من تأزيم الوضع وانعكاساته على أجواء المشاركة الشعبية ، وكان عليه أن يمارس دورا سياسيا "دبلوماسيا "في المقام الأول للتخفيف من حواجز الوصول إلى العملية الانتخابية والتي وضعتها الحكومات في وجه الشعب وقواه الحية ، من خلال مطالبته بتعديل قانون الانتخابات ليتم بتوافق شعبي وحزبي من أجل إنجاح العملية ، وان يعمل على تقديم النصح للحد من إثارة أزمات جديدة تفعل فعلها السلبي على مشاركة الناس في العملية الانتخابية .

لم يكن الخطيب "وسطيا "في تعامله مع المسألة برمتها ، ولم يكن له الدور الوسيط الذي يلزمه بإبداء النصائح والشورى وحتى الضغط على الحكومة والأجهزة للحد من إثارة الأزمات في ذروة حملة إشراك الناس في العملية الانتخابية والتزامها بالوقت المحدد ، فهل جاءت تلك الحملات الأمنية وقانون المطبوعات الجديد رافدا وداعما للعملية الانتخابية أم تشويها ومحاولة إبطال لها !

فبات عمل الرجل محددا فقط بإدارة العملية، ولا علاقة له بتوابع تلك العملية وتفصيلاتها وأسرارها التي قد تفاجئ الخطيب نفسه في يوم الاقتراع ! يتبادر إلى الذهن سؤال نتمنى أن يكون الرئيس هنا قد تبادر إلى ذهنه كذلك: هل يقتصر الدور الوطني للهيئة على إنجاز الانتخابات وفرز أعضاء المجلس وإيصالهم إلى البرلمان كما تفعل شركات " التوصيل " دون معرفة أو اهتمام بما في داخل تلك الطرود !.

واقصد هنا نوعية الأسماء الفائزة التي سيحملها الخطيب إلى البرلمان في ظل مقاطعة حزبية وإعلامية وشعبية واسعة! على الرجل أن يفكر مليا قبل أن يواصل مشواره ، وان يعي ما يجري من محاولات تعطيل العملية برمتها او تشويه صورتها بما يخدم أجندة خاصة ، فقوى الظلام وتيارات الفساد والشد العكسي والتيارات المحافظة الراغبة ببقاء الأزمة حاربت مؤسسات وطنية عملاقة وشوهت صورة رجالاتها وزجت بعضهم في السجون لاعتبارات تصفية الحسابات او لقضايا فساد .

وفقدت الناس ثقتها بتلك المؤسسات ضمن مشروع تدمير البلاد وفكفكة مؤسساته وإضعافه ، ونخشى أن تُجهض تجربة الهيئة المستقلة بفعل التدخلات الخارجية وصمت من بداخلها ، ونفقد الثقة بها لسنوات عديدة ، قبل أن يأتي من يعيد لها البهاء والفعل المستقل .

وعلى الرئيس أن يعي حقيقة أن له دورا وطنيا يملي عليه المساهمة بإزالة الاحتقان والتخفيف من الأزمة وتعديل القانون الانتخابي بما يدفع الناس للمشاركة وينتج مجلسا توافقيا يعيد للأذهان صورة مجلس 1989 ، لا أن يكون نسخة كربونية ، بل قد يكون أسوأ من حالة المجلس الحالي ،ويصبح المجلس خطيئة تلاحق الرجل طوال عمره ..