توقيف الدحلة رسالة ملكية للحكومة بأن لا أحد محسوب على القصر ولا احد فوق القانون حتى لو كان صديقه رئيس للوزراء.

جراءة نيوز-عمان :

صدور أمر محكمة بتوقيف رجل الأعمال الأردني البارز هيثم الدحلة على ذمة التحقيق في إحدى قضايا الرشوة لا يمكنه إلا أن يكون رسالة موجهة لعدة أطراف أحدها وقد يكون أهمها رئيس الوزراء الحالي الدكتور فايز الطراونه بحكم صلته بعائلة الدحلة.

بالنسبة للطراونه لا يتعلق الأمر بحرص شديد من حكومته على العدالة بقدر ما يؤشر على أن أوراق الرجل داخل مؤسسة النظام تتبعثر ومكانته تضعف بعد سلسلة أخطاء فادحة برزت مؤخرا وفي وقت مبكر وقياسي.

والسبب في ذلك هو علاقة عمل علنية جمعت رئيس الوزراء سابقا بشركة يسيطر عليها رجل الأعمال النافذ الذي أوقفته محكمة شمال العاصمة أمس الأول على ذمة التحقيق بقضية رشوة لأحد الموظفين مبطلة قرار سابق لإدعاء هيئة مكافحة الفساد يقضي بعدم توقيفه أثناء التحقيق في ملف القضية.

قبل ذلك ليس سرا أن الطراونة كان رئيسا لمجلس إدارة شركة مالية كبيرة يملك رجل الأعمال الموقوف حصتها الأساسية.

قرار التوقيف صدر فعلا عن المحكمة وهو قيد التنفيذ، فيما اعتبر عميد عائلة الدحلة الاقتصادية المهمة في عمان خالد الدحلة بأن المسألة برمتها بين يدي القضاء، مشيرا ردا على استفسار لـ(القدس العربي) إلى أن عائلة الدحلة لا تربطها صلة عمل بالطراونة ولا حتى صداقة متميزة كما تلمح بعض الاوساط السياسية.

ووفقا لرجل الاعمال خالد الدحلة كان الطراونة رئيسا لمجلس إدارة الشركة قبل عامين من دخول نجله هيثم الدحلة في حصة كبيرة من الملكية، معربا عن استهجان الحملة الاعلامية التي تستهدف العائلة.

معنى ذلك أن النار بدأت تقترب من ثوب الرجل- نقصد الطراونة- بعدما أشاعت حكومته بسلسلة تعيينات عليا فاسدة أجواء من الإحباط حتى داخل مؤسسة القرار وكادت أن تطيح بالحكومة لولا أن خيارات ضيقة جدا لها علاقة بالإنتخابات أنقذت الموقف.

الواقع اليوم يقول بأن مؤسسة النظام الأردني بصدد إخراج نفسها من الأزمة التي صنعها رجالها عمليا توقيف رجل أعمال شاب محسوب على الدائرة المقربة من الطراونة رسالة تؤكد أولا بأن مؤسسة النظام ليست محسوبة على أحد إطلاقا, وثانيا تجدد التأكيد على أنه لا أحد فوق القانون حتى عندما يكون نافذا وصديقه رئيس للوزراء.

إنها على الأرجح ضربة مهنية تقول في جانبها السياسي بأن وزارة الطراونه تصرفت على عاتقها الشخصي عندما رفعت أسعار المحروقات في الوقت الذي طلب فيه القصر الملكي دراسة الأمر من كل جوانبه قبل إتخاذ القرار وعندما أوصت بتعيينات عليا مرسومة على قدر المجاملة لمقربين من رئيس الوزراء قرر الديوان الملكي تجميدها أيضا وعدم صدور إرادة ملكية توشحها.

بهذا المعنى تقترب وزارة الطراونة من الحافة تماما وتحزم أمتعتها من الناحية الواقعية وتترقب أيام سقوطها التي تتوقع بعض المصادر أن تكون عاصفة وأسرع مما ينبغي.

لذلك تبدو الدوائر الداخلية للقرار الأردني إضافة للصالونات والنخب على شكل مجموعات سياسية مهووسة بتفكيك ألغاز السيناريو الملكي الذي يحتفظ به صاحب القرار المرجعي لآلية ترحيل وزارة الطراونة والخطوة اللاحقة في إطار مرحلة مثيرة من التغيير بعدما لوحت مؤسسة القصر الملكي فعلا في ردة فعلها الأولى على رسالة 89 نائبا طالبوا بحجب الثقة عن حكومة الطراونه بإقالة الحكومة وحل البرلمان معا بعدما أصبحا عمليا عبئا على النظام وليس معينا له في مرحلة دقيقة وحساسة .

وعليه يتهامس الجميع في أسئلة وإستفسارات تبحث عن إجابة للسؤال التالي : من هو رئيس الوزراء في الأشهر والأسابيع الصعبة المقبلة ؟

طبعا الإجابة المباشرة في ذهن الإطار المرجعي فقط لكن مستوى الهوس في تحصيل إجابة وصل لحد إذكاء التوقعات ببورصة الأسماء فإسم عم الملك الأمير حسن بن طلال قفز كمرشح لأول مرة بسبب مشهد إفتقده الأردنيون لعدة سنوات على هامش حفل ضخم لإحياء ذكرى رحيل الأمير زيد بن شاكر.

المناسبة نظمها نجل الأمير الراحل شاكر بن زيد بن شاكر في منزله بحضور نحو 300 شخصية مهمة في البلاد .. على رأس هؤلاء الملك عبدلله الثاني شخصيا الذي دخل المكان برفقة عمه الأمير حسن العائد للتو من تمثيل بلاده في قمة عدم الإنحياز.

الملك والأمير حسن حضرا المناسبة بعدما دخلا معا وجلسا معا وغادرا معا وبدا واضحا أن الكيمياء بينهما في أعلى المستويات أمام الأخرين في رسالة (عائلية) بإمتياز لها أهدافها الأعمق بالتأكيد لكن البعض بالغ في قرائتها أو قرأها خارج السياق مما دفع بإسم الأمير كمرشح لتولي رئاسة الوزراء وهو أمر ممكن لكنه صعب ومستعبد حسب بعض الخبراء.

وفي الوقت الذي يتفاعل فيه يوميا هوس البحث عن إسم رئيس حكومة يصلح لخلافة الطراونة ضمن سياق له علاقة بتشكيل نواة لفريق {أمن قومي} على حد تعبير الباحث المهم الدكتورعامر السبايلة يتولى المسئولية في مرحلة حساسة وإستراتيجية في المستقبل القريب.. في هذا الوقت تبحث في مناطق أعمل سيناريوهات تغييرات عاصفة وشيكة.

وهذه التغييرات لا يبدو أنها تشمل فقط دور إضافي للأمير حسن مستقبلا ضمن إستراتيجية الأردن الموحد في مواجهة موجة عاتية من التغيير وشيكة قريبا.

هنا حصريا أنتج الهوس المشار إليه عدة أسماء فالبعض إستدعى إسم مدير المخابرات الأسبق المخضرم مصطفى القيسى والبعض تحدث عن رئيس مجلس الأعيان الحالي طاهر المصري وعدة أسماء رشحتها بورصة سوق رؤساء النادي من بينها وزير الخارجية ناصر جوده ووزير الداخلية الأسبق عوض خليفات.

وفي الواقع لا أحد يستطيع الإدعاء بقدرته على التنبؤ بإسم رئيس وزراء مقبل ووشيك فقد عود الملك عبدلله الثاني الجميع على المفاجآت لكن في قنوات ضيقة جدا يتردد إسم خارج كل التوقعات لرجل قد يكون له دور أساسي في صناعة القرار بالمستقبل القريب وهو الوزير السابق والمخضرم سالم المساعدة المحامي الخبير في تحصيل أموال التعويض من إستملاكات الدولة لصالح المواطنين حاليا .

عمليا قد لا يقف الأمر عند هوية رئيس وزراء أو مستشار فاعل فطاقم الإدارة السياسي والبيروقراطي وحتى الأمني قد يشهد على الأرجح تغييرات شاملة وغير متوقعة تتضمن إعادة إنتاج دور بعض الشخصيات والجنرالات وإسترخاء البعض الأخر في منازلهم والإستعانة بأسماء جديدة وطازجة وغير متوقعة بما في ذلك الفريق العامل حاليا مع القصر الملكي.

القدس العربي